قراءة أخرى لنتائج إنتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت

26bdf1e396a251f4b77de6c4cd38b1b0.jpg
حجم الخط

بقلم العميد: أحمد عيسى


المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
إنتهت إنتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت للعام الدراسي 2022-2023، يوم الأربعاء الماضي الموافق 18 آيار/مايو 2022، وجاءت نتائجها صادمة للفصائل الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي خاضت الإنتخابات مقابل حركة حماس، إذ حصلت حركة حماس على ما نسبته 51,8% من مجموع المصوتين، فيما حصلت فصائل منظمة التحرير مجتمعة على ما نسبته 46,8%، وكانت حصة حركة فتح منها 35,4%.
وجاءت النتائج صادمة أكثر لمؤيدي ومناصري حركة فتح الذين لم يكونوا وفقاً لحسباتهم وتقديراتهم يتوقعوا خسارة بهذا الحجم، لاسيما وأن حركتهم فتح هي الفصيل الرئيس في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة التي يحسب لها أنها فجرت الثورة العام 1965، ويسجل لها أنها صانعة الوطنية الفلسطينية التي حمت القضية الفلسطينية من الضياع والإندثار، كما أنها الفصيل الذي يقود منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1968، علاوة على أنها الفصيل الذي يقود السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قيامها العام 1994 على أثر توقيع إتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة دولة إسرائيل العام 1993، والأهم من ذلك أنهم أي مناصريها ومؤيديها يدركون أن الشعب الفلسطيني برمته بما في ذلك خصومها ومنافسيها يؤمنون أن لا مشروع للتحرر بدونها أو بعيداً عنها.
تجدر الإشارة هنا أن حركة فتح كانت قد فازت بكافة مقاعد نقابة المحامين في قطاع غزة في الإنتخابات التي جرت قبل يومين من إنتخابات جامعة بيرزيت، كما كانت قد فازت في شهر مارس/أذار الماضي في بعض المجالس البلدية الكبرى، إلا أن معنى ومذاق الفوز في جامعة بيرزيت مختلف، لا سيما وأن إنتخابات بيرزيت تعتبر المؤشر الأكثر مصداقية على قياس الميول والاتجاهات السياسية للشريحة الطلابية، أي فئة الشباب التي تعني الخارطة السياسية المستقبلية للشعب الفلسطيني.
وكانت أوضح تجليات هذه الصدمة مبادرة أمين سر حركة قتح في محافظتي رام الله والبيرة ومعه عدد من أعضاء هيئة قيادة المنطقة للإستقالة مطالبين قيادة الحركة بالشروع في التحقيق في أسباب الهزيمة، كما أن الصدمة أثارت موجة واسعة من السجال في الساحة الفلسطينية عامة والفتحاوية خاصة حول اسباب هذه الهزيمة المدوية.
اللافت هنا أن حركة حماس قد حققت هذا الفوز الكبير على حركة وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية، فيما حركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية كانت ولا زالت تتبنى منذ إنقلاب حركة حماس على السلطة وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة العسكرية العام 2007، مقاربة بناء (نموذج مختلف) في الضفة الغربية، لغايات أن يدفع هذا النموذج الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة الى مقارنة النموذج الذي يحكمهم بالقوة بالنموذج المختلف، الأمر الذي سيعالج نتائج الإنقلاب بطرق سلمية ديمقراطية.
وعلى الرغم من صوابية هذه المقاربة لما تعكسه من حرص أصحابها على الدم الفلسطيني، إلا أن نتائج الصندوق في كبرى الجامعات بيرزيت إذا ما أضيفت لشواهد أخرى تظهر أن حكم حماس في غزة يتجذر أكثر، والأهم أن الأرض أصبحت تهتز تحت نظام السلطة في الضفة الغربية، الأمر الذي لا يكفي لمعالجته الإكتفاء بالقول أن فتح أم الولد، حتى وان كان هذا القول فيه الكثير من الحقيقة، بل هناك حاجة لإعادة النظر في المقاربة برمتها.
وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة أن اي تقييم جدي لنتائج إنتخابات بيرزيت يجب أن يتم في سياق تقييم الحالة الفلسطينية العامة إنطلاقاً من حقيقة مفادها أن شرعية الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها أصبحت في موضع تساؤل، الأمر الذي يعني أنه إذا لم يصار الى معالجة أسباب هذا التساؤل بمسؤولية عالية سواء علناً أو خلف الأبواب المغلقة، فعلى مناصري الحركة الوطنية الإستعداد لمزيد من الخسائر والهزائم.
وعند هذه النقطة ينبغي التوضيح أن مصادر إكتساب الحركة الوطنية الفلسطينية قد مرت بمرحلتين وفقاً للوثائق الدستورية الفلسطينية (الميثاق الوطني، ووثيقة إعلان الإستقلال، والقانون الأساسي المعدل للسلطة الفلسطينية) ففي المرحلة التي سبقت إعلان الإستقلال العام 1988، ووفقا لنص المواد رقم (8،9،10) من الميثاق الوطني الفلسطيني لسنة 1968، ونص المادة رقم (3) من النظام الأساسي للمنظمة، يعتبر مواصلة الكفاح المسلح حتى تحرير كل فلسطين هو مصدر إكتساب الشرعية، أما بعد العام 1988 وفقا لنص وثيقة إعلان الإستقلال ولاحقا وفقا لنص القانون الأساسي الفلسطيتي لسنة، 2003 يعتبر هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية التي يتم فيها تداول السلطة عبر صناديق الإقتراع على حدود العام 1967 هو مصدر الشرعية.
وفيما ظل قسم من الشعب الفلسطيني متمسكاً بالكفاح المسلح كمصدر إكتساب الشرعية، إلا أن الحركة الوطنية الفلسطينية ظلت تتمتع بشرعية تمثيل الشعب الفلسطيني الذي كان يعتقد أن الدولة الفلسطينية المستقلة أصبحت حقاً خلف الباب، أما وأنها قد أصبحت بعيدة وربما بعيدة جداً، فإن أحد ركائز شرعية الحركة الوطنية الفلسطينية عرضة للسقوط لا سيما بعد تفضيل إسرائيل التحول لدولة أبارتهايد على خيار دولتين لشعبين، وبعد إعلان السيادة على القدس الشرقية عاصمة الدولة الموعودة، وبعد التوسع الإستيطاني وتهويد الضفة، وبعد التهديدات بالإستيلاء على المسجد الأقصى، وبعد إسقاط الخارجية الأمريكية لحركة كهانا حي الإرهابية من قائمة الإرهاب وإبقائها في الوقت نفسه على منظمة التحرير الفلسطينية في قائمة الإرهاب.
ينبغي هنا التوضيح أن شرعية الحركة الوطنية الفلسطينية في المرحلة ما بعد العام 1988، وتحديداً في مرحلة قيام السلطة الفلسطينية تقوم على أربعة ركائز يمكن حصرها بركائز تاريخية، وسياسية، وأخلاقية، وقانونية.
أما الركيزة التاريخية فتتعلق بأسبقية التأسيس، وتدور الركيزة السياسية حول الغاية وهي هنا إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، أما الركيزة الأخلاقية فتعني إقامة نظام الحكم الديمقراطي الرشيد العصي على الإختراق من قبل المدعين والفاسدين والمفسدين، وتتعلق الركيزة القانونية حول صندوق الإقتراع والإنتخابات.
ظني في هذه المقالة وكلي أمل أن يكون الصواب حليفي في ظني هذا، أن أي دراسة وتقييم للحالة الفلسطينية عامة بما في ذلك إنتخابات بيرزيت الأخيرة بعيداً عن تحديد أين الحركة الوطنية الفلسطينية من هذا الركائز هو مضيعة للوقت وصرفاً للجهد في غير مكانه، لا سيما وأنه لا زال يقف على راس الحركة الوطنية الفلسطينية الرئيس عباس كآخر المؤسسين، كما أنه لا زال بإمكان الحركة الوطنية إصلاح ما فسد خاصة في الركيزة الأخلاقية.