حالة روبرتا ميتسولا

201958134341122636929198211223735-1565767256.jpg
حجم الخط

غسان زقطان

ألقت روبرتا ميتسولا خطاباً طويلاً ورومانسياً في الكنيست الإسرائيلي الاثنين الماضي، وميتسولا نائب من جزيرة مالطا ورئيسة البرلمان الأوروبي منذ كانون الثاني (يناير) 2022، خطاب بلا ذرائع ولا أسباب، جاء على أنقاض إهانة زميلها في البرلمان مانو بينيدا، رئيس وفد الاتحاد المكلف بالعلاقات مع فلسطين ومنعه من دخول الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما استهجنه أعضاء الوفد وألغي على أثره برنامج الزيارة. بينيدا (إسبانيا) معروف بانتقاده لسياسات الاحتلال وأحد المطالبين بضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف في جريمة اغتيال الصحافية الفلسطينية/الأميركية شيرين أبو عاقلة، وقد أشار بدوره، في لقاء مع "يورونيوز"، إلى اعتقاده أن سبب المنع هو مطالبته بإجراء نقاش في البرلمان الأوروبي حول جريمة الاغتيال.

 

الزيارة، وهي الأولى لميتسولا خارج الاتحاد الأوروبي، جاءت في ذروة احتجاجات عالمية على عملية الاغتيال، شملت الكونغرس الأميركي والبرلمان الذي ترأسه ومجلس الأمن، وذهبت إلى حد أن تقوم محطة مثل "السي أن أن" الأميركية ووكالة "الأسوشيتد برس"، في سابقة، بإجراء تحقيقات خاصة بهما أكدت اتهام دولة الاحتلال وجيشها بالجريمة، وهو ما فعلته مبكراً منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية.


كانت ميتسولا قد أبدت انزعاجها من قرار منع زميلها من دخول إسرائيل، حدث هذا الإعلان عن الانزعاج، في تغريدة على موقعها في "تويتر"، ولكنها لم تتوقف طويلاً أمام تغريدتها، وذهبت مباشرة إلى الكنيست لتلقي خطابها الرومانسي في مديح إسرائيل/الاحتلال، مستعيدة بإسهاب فقرة "الضحية" التي لم تعد تناسب نظاماً مدموغاً بالعنصرية والأبارتهيد، والتذكير بالتاريخ المشترك بين أوروبا وإسرائيل وتقاسم الأيام القاسية، متذكرة الهجمات الإرهابية اليومية على المعابد والكنس اليهودية في أنحاء العالم أمام أشخاص يواصلون اقتحام المساجد والكنائس، وإحراقها في فلسطين يومياً.

 

لم تتطرق إلى الجريمة المتدحرجة التي يتحدث فيها العالم، اغتيال شيرين والتحايل على الرواية عبر إغراقها بروايات مفبركة حمّالة أوجه، لم تتوقف أمام اقتحام بيت القتيلة وتهديد العائلة والاعتداء على حملة تابوتها ومشيعيها من المشفى الفرنسي إلى كنيسة الروم الكاثوليك وصولاً إلى المقبرة، وحتى رفض التحقيق في الجريمة حفاظاً على حساسية جيش الاحتلال. لم تذكر خلال الخطاب كلمة "احتلال"، وواصلت موهبتها في القفز عن أجساد القتلى الفلسطينيين على الحواجز وتحت حطام بيوتهم وفي أسرّتهم، آخرهم الفتى غيث يامين (16 عاماً)، من نابلس، وعن الأرض المسروقة، آخرها "محمية العوجا" في أريحا، وعن آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة والقدس التي يصادق عليها يومياً جمهورها في القاعة، ولكنها تحدثت عن دعمها لحل الدولتين، تعبير دخل في خانة العبث يستخدم كخوذة يلبسها الدبلوماسيون الغربيون عندما يتفادون ذكر الاحتلال الإسرائيلي في سياق تضامنهم معه.


 قفزت رئيسة البرلمان الأوروبي عن كل هذا كما قفزت عن إهانة زميلها ووفده والبرلمان الذي ترأسه، وذكّرتنا بأن معاداة السامية هي معاداة لأوروبا، في استكمال مثير للشفقة لنظرية "نتنياهو" بأن انتقاد حكومة المستوطنين والاحتلال والتمييز العنصري هي معاداة للسامية، والآن علينا أن نربط الحلقة عبر أن انتقاد الفاشية الإسرائيلية هي معاداة للسامية، وبالتالي أن انتقاد هذه الفاشية هو معاداة لأوروبا.


كانت هذه المقدمة ضرورية لتقديم ميتسولا نموذجاً صافياً للنفاق الأوروبي، وازدواجية المعايير في رؤية حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي أو الشعوب التي لم تتقاسم الأيام القاسية مع أوروبا، وهذا يشمل مرورها على رام الله واجتماعها مع الرئيس الفلسطيني، وهو، زيارة الرئيس، تقليد متبع يبدأ بالتضامن مع الاحتلال في تل أبيب ثم المرور على "المقاطعة" في رام الله من أجل الصورة، بحيث يأخذ هذا المرور كل مرة شكل زيارة سياحية لظاهرة طبيعية عُثر عليها مصادفة.


سيرد أحمد الطيبي، النائب الفلسطيني في الكنيست من القائمة العربية المشتركة على خطاب ميتسولا، وسيذكرها بكل ما لم تقله، بينما لا يبدو أنهم اطلعوا في رام الله على الخطاب بعد واكتفوا بالصورة.


المتابع لغضب كثيرين من وزراء الخارجية الأوروبية والدبلوماسيين الغربيين وردود فعلهم، والتغريدات والبيانات المتدفقة على جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، والاستيطان ونسف البيوت وتهجير الناس من أحيائهم... سمح بتوضيح هذه "الحالة"، حالة ميتسولا، وسيجد كما لو أن الأمر حدث في زمن غامض، وأن وجود وحدة "دوفدفان" المكلفة بالتصفيات والاغتيالات طبيعي، ما من احتلال ومحتلين يقتحمون مخيماً للاجئين ويطلقون النار على كل شيء تقريباً: النوافذ والشجر والناس، لا أرض محتلة تحكمها منظومة أبارتهيد عنصرية، الأمر يبدأ مع سقوط شيرين تحت شجرة أو ارتطام غيث برصاصة على مداخل "قبر يوسف". احتجاج بلا ذاكرة.


 في حالة ميتسولا ذهبت أبعد نحو تقديم الولاء لهذه المنظومة وشرعنة سياساتها، والتربيت على أكتاف القتلة، ولم تتورع عن تلطيخ أكفان الضحايا.