من كسر سيف القدس في القدس

طلال-الشريف-2.png
حجم الخط

بقلم د. طلال الشريف

 

لست من مناصري الحرب الجيشية في صراعنا الطويل، فقد فشلت كل الجيوش سابقا في حسم الصراع ولست مع من يهزأون أو يستهزئون بقضيتنا بتفريغ الحالة الوطنية من محتواها الثوري للتربع على السلطة وتعميق الديكتاتورية والقمع وتغييب المؤسسات التشريعية ولست مع من يستخدمون الأجهزة والميليشيات والسلاح بشقيه السلطوي والمقاوم للحفاظ على عدم شرعيتهم بالحديد والنار ولكني منحاز بقوة للديمقراطية والمقاومة الشعبية وفقراء شعبنا الأكثر تضررا من الإنقسام وحارة كل من إيده إله والظلم ليسفقط الإجتماعي بل الظلم الفئوي في استغلال الموارد والوظائف العامة والمال العام.

ما جرى بالأمس هي صدمة كبرى في القدس من تكريس إحتلالي ليس للقدس كمدينة بل في خطوة عملية للإحتلال على الأرض لتغيير الواقع الحضاري والديني والديموغرافي بالقوة والمنافي للشرعات الدولية من عدم جواز أي تغيير المحتل على ما يحتل من آراض أوسكان أو دول وقبلها عدم احترام مقدسات الآخرين، أو ما أطلقوا عليه ""عاصمة موحدة لدولة الإحتلال"".

ما جرى وما يهمنا أكثر ولا يقال بصراحة هو بالضبط خطأ حماس، لا أكثر، لأن حماس تندفع في كل المراحل تحت ضغط اثبات الوجود في العقل والشارع والنظام السياسي الفلسطيني أكثر من كونها داعية مقاومة وتحرر ، و هو هاجس متشكل في ثقافة الحمساويين للتفرد الناتج من فكر الأصولية والإقصاء المتجذر في الأنا الإخوانية بعيدا عن الشراكة، ولذلك هي تعدت فئوية فتح وتريد كل شيء بما فيها السلطة والهيمنة، وتتوهم بأن هذه الصفة لا تٌكتَسَب إلا بالعمل العسكري، أو بما يتوازى مع مقولة لينين "بالعنف الثوري نستطيع أن نمتلك السلطة" وهي نظرية صحيحة في دول مستقرة مستقلة تتصارع على الحكم ويسعى فيها الثوار للتغيير وقلب نظام حكم فاسد، لكنها جربت وثبت أنها قاصرة في حالتنا الفلسطينية، أي أن هذه النظرية لا تنفع في حالة الإحتلال أو الأسوأ من الإحتلال وهو الاستعمار الإستيطاني الإحلالي المتمثل في المشرع الصهيوني ولذلك:

نصيحتي لحماس والمقاومة بعد كل هذا الخلط بين العمل المقاوم وامتلاك السلطة، بأنه خطأ جسيم يفشل صاحبه، فهذان خطان لا يلتقيان ويعطل الثاني أي السلطة الخط الأول وهو المقاومة، وأنا على قناعة تامة بأن الخطاب الحمساوي ومنذ البدء في الظاهر والباطن، بشعور وبدون شعور هو يحوز على الرغبة الجامحة في امتلاك السلطة، وهذا ديدن فكر الإخوان وثقافتهم قبل محاربة الإحتلال، ولذلك انظر لاندفاعات وأخطاء حماس تجدها في جزئية امتلاك السلطة وليس في جزئية المقاومة نفسها..

ما حدث بالأمس أو قصة الأمس، ليست هي الوساطات ونجاحها في التهدئة ولا في شنطة العمادي ولا كرمال معاناة أهل غزة ورفضهم الحرب ولا نقص الجهوزية وفارق القوة، لكنه في تراجع ما يسمى دول محور المقاومة خطوة، لتحدث الصدمة " الصحوة الحمساوية " بأن مصير حماس قد يكون على المحك في هذه الحرب القاصمة وغالبا ستفقد السلطة وتفقد المقاومة تماما كما كل مكونات محور المقاومة إخوان وحزب الله وإيران وفروعها "وطبعا باشتثناء الجبهة الشعبية"، هم الاسلاميون بنوعيهم السني والشيعي جميعا يحاربون لهدف انتزاع الحكم أو الدفاع عن الحكم الذي بأيديهم، أما قصة الجهاد فهذه قصة أخرى مؤجلة، أي الحكم، لعدم امكانية توفر فرصة أن تحكم حركة مثل الجهاد في وجود حماس لا بالقوة ولا بالانتخابات.

الموقف من عدم الدخول في حرب هو جيد ولصالح حماس في بقائها دون اقتلاع رغم آثاره السلبية على شعبيتها وصدقيتها علها تكسب عمرا جديدا لكنها خسرت ما لم يكن في الحسبان، خسرت الأهم لديها، وما تعودت عليه وهو سعيها للهيمنة على القرار الفلسطيني، وهذا سيكون مؤلما لحماس أكثر من ألم الحرب، ومن كسب هذه الجولة هم "أهل غزة" بعيدا عن الدمار والمعاناة من حرب أخرى ستعصف بالأخضر واليابس، ولذلك نتج ما لم يستطع المناويئون لحماس من تحقيقه في الميدان وكسب الشعبية والشارع، فجاءت به أخطاء حماس التي ربطت على الدوام امتلاك السلطة والشارع بسلاح المقاومة، لأن العمل العسكري ذا الحسابات الرقمية المحددة به اختلال توازن القوة لصالح اسرائيل.
قصة الحدث لا تكمن بالرد على اقتحام المستوطنين للأقصى ولا بإشهار سيف القدس، بل القصة فيما هو كامن في العقل الحمساوي من نزوع نحو الهيمنة والتفرد وامتلاك الحكم والقرار مصحوبا بوهم قوة محسوب سلفا بعدم إمكانية حسم الصراع واحراز النصر المؤكد.. هكذا كسرت تهديدات حماس المتضخمة والغرفة المشتركة التي تقودها سيف القدس في القدس.

النصيحة لحماس من جديد هي عدم ربط المقاومة بالسلطة والحكم والهيمنة ويجب الفصل بينهما في حالتنا الفلسطينية فكل انجاز للمقاومة تفسده الرغبة في السلطة وممارستها كما حدث لحماس في سيطرتها على الحكم في قطاع غزة.

الخلاصة:
خسرت حماس و المقاومة معركة غير عسكرية كان يمكن أن يكون مصيرها فيها على المحك بسبب استعدادات الاحتلال والبيئة الحديدة اقليميا ... لكن الخسارة السياسية والمجتمعية والشعبية المتصاعدة لحماس وصولا لهذا الوقت، ستتوقف كثيرا لإستعادة الزخم الذي واكب السنة الحالية .. الخسارة في الشعبية والشارع ليست هينة وأصعب من الهزيمة العسكرية رغم أنها لن ترفع سقف الآخرين والمناويئين لترهلهم وعدم قدرتهم على جني تلك الخسارة الشعبية الحمساوية، لكن بالتأكيد سيواجه محور المقاومة (حماس) نوعا من تمرد الجمهور والشارع واهتزاز الثقة لفترة ليست قريبة، وما على المقاومة لتجبير انكسار سيف القدس إلا الإبتعاد عن الحكم والسلطة كما كانت قبل نشوء السلطة وتذهب للمقاومة فقط إن كانت تستطيع بعد بريق ومنافع الحكم، ولو تجرى الانتخابات في غضون الأشهر الثلاث القادمة ستخسر حماس وحلفائها كثيرا ولا أدري من سيجني خسائر حماس هل هم المستقلين مثلا أو قوى صاعدة تنتظر حظها.

 

 

كلمات دلالية