«يديعوت أحرونوت» : ليس محبة للقدس، بل كره للعرب!

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 


في النزلة الشديدة من باب العامود الى داخل البلدة القديمة، على المدرجات الحجرية، تنقسم الطريق الى فرعين. من اليمين يمتد زقاق باب خان الزيت ليصل الى كنيسة القيامة. على اليسار يهبط شارع الواد الذي يؤدي عبر الحي الإسلامي الى الحرم والمبكى. في نقطة الانفصال طارت امس رحى حرب. عصبة من فتيان المدارس الدينية نزلت قطعاناً قطعاناً الى شارع الواد، وهم يلبسون القمصان ذات الأكمام القصيرة وصعدوا مرة اخرى الى اتجاه باب العامود. عندما وصلوا الى ساحة التفرع مروا عن نحو 30 شاباً فلسطينياً تجمعوا على جانبي الشارع. «شعب اسرائيل حي»، هتف الفتيان. بعضهم دعم الجملة بحركة يد انتهت بقبضة. كما أن إصبعاً نكراء وُجهت للشبان واضافوا «محمد (..)».
لم يصرخوا فقط بل انشدوا «الرب هو الملك» كانت الانشودة الرائدة الى جانب «شعب الخلد لا يخاف الطريق الطويل» و»فلتحرق لكم شعفاط»، وهي أنشودة شعبية خاصة تذكر بنهاية محمد ابو خضير، الطفل من شعفاط الذي احرقه ثلاثة يهود محرضين.
«الله اكبر»، هتف الشبان الفلسطينيون رداً على ذلك. الصراخ، بصوت واحد وبكثير من الانفعال، تدحرج في اعلى الزقاق. شتموا بالعربية. لوحوا بالأيادي وبصقوا. ومرة كل بضع دقائق نشبت مشادة حقيقية. امتدت يد الى الوجه، كعلم أحمر يرفعه مصارع امام رأس الثور في حرب أثيرة. يد ارسلت الى الصدر. كانت الساعة اثنتين حين توصل اصحاب المحلات الى الاستنتاج بأن هذا اليوم لن يأتي لهم بخير وبدؤوا بالاغلاق. كل الدكاكين في البلدة القديمة تغلق ببوابات حديدية. اغلاق المحلات، محل إثر محل، سمع وكأنه قرع للطبول، كطرقات مطارق. اصحاب المحلات استنجدوا الشرطة، افعلوا شيئاً. وعندما رأوا بأنه لم يأتِ لهم منهم الخلاص رزموا امتعتهم وادخلوها وأغلقوا.
بين المعسكرين وقف ضابطا شرطة وخلايا حرس حدود. التواجد المكثف للشرطة منع فقدان السيطرة. كل مشادة انتهت في غضون دقيقة بفصل للقوات. وبين الحين والآخر ركض رجال حرس الحدود الى الاعلى والى الاسفل، في مطاردة لاحد ما مشبوه وبعد ذلك عادوا ينفخون. فليس سهلا التسلق في هذه الأزقة مع السلاح والسترة الواقية. ضباط الشرطة لجموا الفتيان اليهود بالكلام والعرب بالصراخ «يالله شباب الى البيت»، وبدفعات الى الأسفل، الى خارج التجمهر. اليهود والعرب شتموا الشرطة ولكنهم همسوا لهم في آذانهم ايضا. «انظر ما فعله لي»، صرخ فتى يهودي شتموه. «انظر اي فوضى يفعلون هنا»، صرخ شاب عربي. هو قال ان يهودياً نفخ له الدخان عن قصد في وجهه. يالله امشي. اذهبوا من هنا. قال الشرطة للجميع.
«لنراهم يأتون دون شرطة، نزال نزيه»، قال لي شاب فلسطيني. «من هذا الذي سيشتم محمد. من هذا الذي سيشتم امي». شاب آخر طلب أن يكتب شيئاً ما في دفتري. فكتب بالانجليزية الحرية لفلسطين ووقع اسمه بالعربية.
ليست الشرطة وحدها هي التي حمت الفتيان، بل السير في عصبة، 10، 20 فتى في جماعة. اسميتهم فتيانا – لعله من الاصح ان نسميهم اطفالاً. لم يكونوا بعيدين عن سن البلوغ «الثأر»، هتف الفتيان جميعا وهم ينزلون من باب العامود. آخرون ارتدوا لباس الصلاة فلعلهم ظنوا ان هذا سيمنحهم الشجاعة. ولعلهم ظنوا انه سيحميهم من سكين، حجر او بصقة. في وقت لاحق وصلت ايضا عصابات لا فاميليا ولاهفا وتبجحوا بهتافات «الموت للعرب».
مسعفون من الهلال الاحمر، شباب وشابات بستر برتقالية وقفوا استعدادا في حالة أن تولّد المشادات مصابين فلسطينيين. كما أن مسعفي نجمة داود الحمراء كانوا هناك ايضاً ليعالجوا اليهود. كل شعب ومصابيه.
كان الطقس حاراً وجافاً مثلما يحصل كثيراً في القدس مع نهاية الربيع. حسب معطيات الشرطة، اكثر من 20 الف محتفل وصلوا الى المبكى، معظمهم من باب العامود، بعضهم من باب الخليل، قلة صغيرة، قاصرون في معظمهم استفزوا وشاغبوا. الآخرون جاءوا للاحتفال ولترك رسالة.
القدس هي عاصمة دولتي وشعبي. هي مدينة مهمة ومشوقة. تستحق يوما في السنة يكرس لها فقط. خسارة فقط ان قطاعاً واحداً، قطاع المستوطنين، سيطروا على هذا اليوم واحتلوه لأنفسهم. هذا حقهم، بالطبع. لكن للسيطرة يوجد ثمن: باستثناء افراد قلائل، لم أرَ امس اناساً لا يعتمرون «الكيبا» المنسوجة بين المحتفلين. لا العلمانيين، لا الحريديين. فقط من يسمون صهاينة متدينين يمينيين. يوم القدس يملأ في لوحة الكيبات المنسوجة دوراً مشابهاً لما كان يشكله في الماضي الاول من ايار في احزاب اليسار.
اكثر مما هو هذا سبب للاحتفال هو سبب للاستفزاز – استفزاز كل حكومة ليست يمينية بما يكفي على حد رأيهم وبالأساس استفزاز لمجرد وجود العرب، في القدس وفي المناطق. ليس محبة للقدس بل كرها للعرب.
وبالفعل ارتدت البلدة القديمة امس سيماء مدينة محتلة: المحلات مغلقة، وفرة الاشخاص بالبزات، مظاهر كراهية السكان.
في الصباح كنت في اللد، مدينة نزفت دما في الموعد اياه في السنة الماضية. 15 باصا ربما اكثر، من شركة تنمية بنيامين، تنمية السامرة، تنمية جبل الخليل، جلبت فتيات المعاهد وفتيان المدارس الدينية لمسيرة في المدينة. كل شيء مر بسلام، كما كان متوقعا، ولكن كل واحد عرف لماذا تجري المسيرة – لاستفزاز العرب. اما القدس فهي الذريعة.
بعد الظهر جرى في جفعات هتحموشت الحدث السنوي لكتيبة 66. كتيبة المظليين التي فقدت 30 من مقاتليها في معارك مريرة في القدس. كتيبة الاحتياط التي كان لي شرف الخدمة فيها. قدامى الكتيبة يصلون الى سن 80. احد منهم لم يرقص على التلة (جفعا). تذكروا القتلى فقط. مصاعب المعركة، الجهد للحفاظ على الطابع الانساني حتى في اثناء القتال. هوة فصلت بين باب العامود وجفعات هتحموشت. لن تتمكن اي رقصة من جسرها.

عن «يديعوت أحرونوت»