"تفككت دولتنا سابقاً مرتين بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمر دولتنا 80 عاماً، والثانية عندما كان عمرها 77 عاماً، ونحن الآن نعيش في حقبتنا الثالثة ونقترب من العقد الثامن، ونقف جميعاً أمام اختبار حقيقي، فهل سنتمكن من الحفاظ على دولتنا"، بهذه الكلمات عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، عن مخاوفه من انهيار دولة الاحتلال، بسبب الخلافات الداخلية التي تُهدد حكومته الهشة.
الذكرى الـ55 للنكسة.. مخاوف التفكك في العقد الثامن
وجاءت مخاوف "بينت" في كتيب مؤلف من 27 صفحة تم نشره عبر وسائل التواصل الإسرائيلي، ولم تقتصر عليه بل عبر عنها قادة دولة الاحتلال، أمثال إيهود بارك، وأفيف كوفاخي؛ لكِن ما يُكسب هذه المخاوف أهمية لدى الفلسطينيين الذين يقبعون تحت الاحتلال الإسرائيلي الإحلالي الاستيطاني، تزامنها مع ذكرى "النكبة 76" التي صادفت 15 مايو الماضي، وكذلك ذكرى "النكسة" الـ 55 التي تُوافق الخامس من يونيو.
ويوافق الأحد (5 يونيو/حزيران)، الذكرى السنوية الـ55 للنكسة" أو حرب عام 1967، التي انتهت بهزيمة "إسرائيل" للجيوش العربية، واحتلالها مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والمصرية والسورية.
ورغم مرور هذه السنوات الطوال على الحرب، إلا أنَّ تداعياتها ما تزال مستمرة، حيث تُواصل "إسرائيل" احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزّة، ومرتفعات الجولان السورية، رغم صدور قرارات دولية عن مجلس الأمن، تُطالبها بالانسحاب منها.
حرب الأيام الستة.. تداعياتها الجغرافية والسياسية مُستمرة
واندلعت الشرارة الأولى للحرب، بعد إقدام سلاح الجو "الإسرائيلي: على شن هجوم مُباغت استهدف قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، في 5 يونيو/حزيران 1967.
واستغرقت هذه الحرب، التي نتجت عنها هزيمة الجيوش العربية 6 أيام، حيث أطلقت "إسرائيل" على هذه الحرب اسم "الأيام الستة"، وذلك من باب التفاخر بالمدة الزمنية القصيرة التي هزمت خلالها الجيوش العربية.
ويقول مؤرخون عرب: "إنَّ إسرائيل استغلت عدة أمور، لتبرير شنّها للحرب، ومنها إغلاق مصر لـ"مضايق تيران" بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي اعتبرته "إعلاناً مصرياً رسمياً للحرب عليها"، وذلك في 22 مايو/ أيار 1967".
وانتهت حرب 1967 عسكرياً لكِن تبعاتها السياسية والجغرافية لم تنته بعد، حيث تُواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، ومُحاصرة قطاع غزّة، إلى جانب ضم القدس والجولان لحدودها، والمضي في المشاريع الاستيطانية بمدينة القدس.
وبحسب تقارير فلسطينية، فإنَّ "إسرائيل" تستولي على 85 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، وتُواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى 15 بالمئة فقط، وتخضع للاحتلال الإسرائيلي.
كما أدت الحرب إلى استشهاد نحو 20 ألف عربي، ومقتل 800 إسرائيلي.
وخلال الأيام الستة، احتلت "إسرائيل" الضفة الغربية وقطاع غزّة، وشبه جزيرة سيناء المصرية وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان السورية.
وترتب على "النكسة"، وفق إحصائيات فلسطينية، تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن.
ووفق بيان لهيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد سُجلت على مدى 55 عاماً نحو مليون حالة اعتقال نفذها الاحتلال الإسرائيلي، بينهم قرابة 4400 لا زالوا رهن الاعتقال.
كما فتحت النكسة، باب الاستيطان "الإسرائيلي" في الضفة الغربية المحتلة، خاصة في مدينة القدس، وقطاع غزّة "انسحبت من داخله عام 2005".
وتُشير تقديرات "إسرائيلية" وفلسطينية، إلى وجود نحو 650 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، يسكنون في 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانية.
وفي نوفمبر 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار 242، والذي يدعو "إسرائيل" للانسحاب من الأراضي التي احتلتها في يونيو/حزيران من ذات العام.
لكِن "إسرائيل" لم تُطبق هذا القرار، في سلوك يصفه الفلسطينيون بأنه "انتهاك واضح وصريح للشرعية الدولية".
إسرائيل تُعاني أزمة وجود
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، أنَّ المختلف في إحياء الذكري الـ55 لنكسة عام 1967 هذا العام، هو وجود حكومة "إسرائيلية" يمينية متطرفة تُعبر عن المجتمع الإسرائيلي الذي يُصر على إنكار وجود الشعب الفلسطيني والتوصل إلى تسوية سلمية معه.
وقال عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ رفض إسرائيل، التسوية السلمية أدى إلى تعميق الاستيطان وانتزاع مناطق "ج" وحشر الفلسطينيين في معازل، في تأكيد على النظام الأبارتهايد العنصري للاحتلال".
وأضاف: "المختلف أيضاً هو تطبيع معظم الدول العربية مع الاحتلال دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وهو أيضاً تغيير عميق في رؤية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني".
وتابع: "إسرائيل تُريد حل الصراع بعيدًا عن القانون الدولي وعن كل المبررات والقرارات"، مُشيراً إلى أنَّ الاحتلال يُريد حل الصراع بالقوة وليس عن طريق القرارات الدولية.
واعتبر أنَّ أكبر تحدٍ يُواجه الفلسطينيين في هذه الذكرى، هو تعمق الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي حماس وفتح المتواصل منذ 14 يونيو 2007 حتى يومنا هذا.
وأكمل عوض: "كما أنَّ المختلف أيضاً في هذه الذكرى، هو حصار المجتمع الدولي والإقليم العربي وإسرائيل للفلسطينيين من كل الأجيال والتنكر لحقوقهم".
واستدرك: "لكِن ما يُعزز قدرة الفلسطينيين في هذا العام، هو شعور قادة دولة الاحتلال بالأزمة البنيوية والوجودية الغير مسبوقة، فالجميع في دولة الاحتلال يتفق على أنَّ التشققات عميقة في الوعي والبنية؛ الأمر الذي يُشكل خطراً وجودياً عليها في ظل رفض إيجاد حل سلمي للفلسطينيين".
وختم عوض حديثه، بالقول: "بعد 76 عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني و55 عاماً على النكسة، إسرائيل تعد المكان الأقل أمناً للشعب الفلسطيني"، مُعتقداً أنَّ المزيد من الوحدة والمقاومة الشعبية كفيلٌ بتعميق أزمة الاحتلال "الإسرائيلي" وتقليل أزمات شعبنا الفلسطيني.