يدهشني أن أتبين المرة تلو الأخرى بأنه بعد عشرات السنين من العيش المشترك، يوجد في أوساط عرب إسرائيل من يحاولون تبرير رفع علم فلسطين في ساحات إسرائيل بحجج غير ثابتة وغير مقنعة. وما هو مذهل اكثر هو أنهم يعتقدون اننا لا نفهم ماذا يعني هذا. وبالفعل، أن يأتي أحد ما ويكتب بأن علم فلسطين رفع في مناسبات وفي تظاهرات وكأن هذه كانت بريئة، هو سخف. فلا يوجد حدث او تظاهرة مع أعلام فلسطين كان هدفها الإعراب عن التأييد لدولة إسرائيل. كلها كانت في اطر وملابسات معادية. وأنا أتطرق بالطبع للعرب الذين يعيشون معنا، إذ ان عرب السلطة الفلسطينية يمكنهم أن يرفعوا أي علم يرغبون فيه.
إن رفع علم فلسطين داخل إسرائيل يشدد على ما يفرق وليس على ما يوحد. اولئك الذين في اوساطنا ممن يبررون رفع العلم يسمون المتظاهرين "فلسطينيين إسرائيليين". لا افهم ما هو المقصود، لكن لا يوجد شيء كهذا. يقول المفكرون والنشطاء الاجتماعيون ممن يعبرون في قناة التلفزيون عن عرب إسرائيل صراحة ان العلم هو تعبير عن القومية المكافحة لـ "الفاشية" الإسرائيلية" و "الابرتهايد" فيها.
عندما استقبلت فرنسا المهاجرين من شمال افريقيا، اوضحت لهم بانه اذا كانوا يرغبون في أن يعيشوا وفقا لقوانين الدولة وعاداتها، فإنهم مرحب بهم. اليوم الأقلية الشمال إفريقية في فرنسا هي نحو 20 في المئة من السكان، مثلما هو عندنا. هم لا يتظاهرون مع أعلام الجزائر او المغرب. كما أن عرب إسرائيل الذين هم مواطنو الدولة لا يمكنهم ان يفعلوا هذا.
وتفصيل مشوق آخر: تجري كل المظاهرات والمناسبات موضع الحديث على شرَف العلم الفلسطيني. لا يرفع علم إسرائيل في اي واحدة منها. يعاني عرب إسرائيل من انفصال في الهوية. وهذا مفهوم. عليهم أن يقرروا الى اي جانب سيتوجهون. استمرار رفع علم فلسطين مع شعارات ضد إسرائيل يخلد النزاع فقط بدلا من تسويته.
يوجد للمواطنين العرب في إسرائيل كامل الحق في التظاهر، في الإعراب عن الرأي وفي استخدام حرية التعبير. وكل ذلك في أطار قوانين دولة إسرائيل. التظاهر نعم، علم إسرائيل نعم، علم فلسطين لا. أنا من أولئك الذين يعتقدون بأنه يجب إيضاح الأمور لأجل وقف حملة الأوهام التي تعيق كل حل للنزاع. عرب إسرائيل هم أقلية تستحق كامل الحقوق بصفتها هذه. لن يكون في اي مرحلة وضع يكون فيه للأقلية مكانة متساوية لمكانة الأغلبية في اتخاذ القرارات.
مدى العمل كأقلية في الحياة السياسية واسع ومتنوع بما يكفي، بحيث لا حاجة للحرص على حقوقهم. عندما نسوي النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي ويحل سلام حقيقي، لا مشكلة في أن ترفع اعلام فلسطين معا، وانا اشدد على معاً، مع علم القومية في مناسبات سعيدة وتظاهرات تأييد. بقدر ما يفهم عرب إسرائيل بأن حياتهم ستتغير جذرياً من خلال دمجهم الكامل واحترام قوانين الدولة، هكذا يكون افضل لهم. اما الاعتراضات التي تسمع في الجمهور اليهودي بالنسبة لرفع علم فلسطين ضد إسرائيل فليست أموراً شعبوية كما قيل. هي رؤية واعية. ما هو شعبوي هو الحديث عن تظاهرات ومناسبات جرت مع أعلام فلسطين وكأنها كانت مناسبات بريئة، مبلطة بنوايا حسنة ومبررة.
عن "معاريف"