هل تنتهي إسرائيل، وماذا نفعل نحن؟

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

أُصيب عدد من قادة إسرائيل بإحباط شديد نتيجة للأوضاع التي تمر بها وخاصةً أزمتها السياسية الخانقة والتي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً. وليس آخرها فشل الائتلاف الحكومي في تمرير قانون يسمح بسريان القانون الإسرائيلي على المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، وهو قانون يمثل حالة الفصل العنصري القائم في الأراضي الفلسطينية، وبدونه سيكون وضع المستوطنين غير واضح المعالم من الناحيتين القانونية والسياسية. ومع عدم قدرة الحكومة على الحصول على مصادقة الكنيست على القانون، الذي ينتهي سريانه في نهاية هذا الشهر ويحتاج إلى تجديد كل خمس سنوات، تواجه هذه الحكومة خطر الانهيار السريع مع أنها في كل الأحوال ذاهبة للسقوط في نهاية هذا العام اذا استطاعت الصمود حتى ذلك الوقت.
إسرائيل لا تعاني فقط من عدم استقرار سياسي في الحكومة وقد شهدت أربع عمليات انتخابية في غضون عامين. والائتلاف الحاكم هش للغاية ولم يعد يملك أغلبية تمكنه من الاستمرار إلا إذا حصلت تطورات مفاجئة ليست في الحسبان في هذه الأيام كانضمام أعضاء كنيست جدد للائتلاف. بل هي تعاني ما هو أخطر من ذلك بكثير، ويرى بعض قادة إسرائيل أن الخطر الوجودي على الدولة العبرية هو الانقسام الداخلي والصراعات بين اليهود فيها. فرئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت انضم إلى قادة آخرين سبقوه مثل رئيس «الشاباك» السابق، وإيهود باراك رئيس الحكومة السابق في الإعراب عن خشيته من تفكك إسرائيل، ومن ما يسمونه لعنة العقد الثامن على اعتبار أن الدول اليهودية التي قامت في فلسطين في التاريخ البائد حسب زعمهم لم تعمر أكثر من 80 عاماً، وقد تفككت بسبب الصراعات الداخلية. وهؤلاء يعتقدون أن المخاطر التي تهدد قدرة إسرائيل على البقاء هي ليست خارجية، فلا سلاح إيران النووي ولا سلاح «حزب الله»، ولا «حماس» والفصائل الفلسطينية يمكنه أن يؤدي إلى نهاية إسرائيل وإنما ما يحدث بين اليهود في إسرائيل.
يوفال ديسكين لا يتوقع أن تصمد إسرائيل للجيل القادم لأنها من وجهة نظره لا تتمتع بالتماسك الاجتماعي والمرونة الاقتصادية والقوة العسكرية والأمنية التي نضمن وجودها. ويشير في هذا السياق إلى الانشقاقات بين اليهود وعدم الثقة في مؤسسات الحكم المركزية والفساد. ويقول إنه بعد 40 عاماً سيصبح نصف سكان إسرائيل من العرب والمتدينين الأصوليين وهؤلاء يكرهون الدولة وعبء عليها. ويتوقع ديسكين كذلك أن يغادر جزء كبير من الإسرائيليين المنتجين البلاد للعيش في الخارج في ظل تحمل 30% من الإسرائيليين العبء الاقتصادي.
المشكلة الأخطر هي في تحول الصهيونية التي بدأت كحركة استعمارية استيطانية تتبنى بعض مبادئ الليبرالية والعلمانية الغربية، ما جعلها مقبولة على الغرب كدولة «ديمقراطية»، وأحياناً سميت الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وانتهت الآن بسيادة التيار الصهيوني - الديني الذي لا يؤمن كثيراً بالديمقراطية، ولا يقبل وجود الآخر المختلف حتى في وسط اليهود. لدرجة أن الكثير من الإسرائيليين الذين يتمتعون بالوعي، يقرون بأن الديمقراطية الإسرائيلية في خطر وبعضهم لا يرى إسرائيل الآن كدولة «يهودية وديمقراطية»، كما كان ينص على ذلك القانون قبل سن قانون «القومية» العنصري.
هناك أصوات يهودية وازنة في إسرائيل تزداد باستمرار مع أنها لا تزال قليلة تطالب بإلغاء الصهيونية، على اعتبار أنه لم يعد لوجودها أي داعٍ، فهي لا تمثل سوى حركة عنصرية احتلالية، يشكل بقاؤها تهديداً لاستمرار وجود إسرائيل. ويبدو أنه مع اشتداد التطرف والصراعات الداخلية ليس فقط بين التيارات والقبائل والقوميات المختلفة، بل وفي داخل كل تيار ومجموعة حزبية وايدولوجية، سيتزايد عدد الذين سيطالبون بالتخلي عن الفكر الاستعماري الذي يمنع أنسنة المجتمع الإسرائيلي ليس تجاه الفلسطينيين فقط، وإنما بين اليهود أنفسهم. وليس بعيداً عن هذا الجدل موقف يهود الولايات المتحدة الذين باتوا أكثر معارضة لسياسات إسرائيل ويعتقدون أن اليمين المتطرف سيقضي عليها كدولة تخص كل يهود العالم.
من المبكر الحديث عن نهاية إسرائيل، فلا تزال هذه الدولة قوية اقتصادياً وأمنياً، ولا تزال مهمة للغرب والمشروع الاستعماري في المنطقة ولم تفقد دورها كذراع لهذا المشروع بعد. وطالما هي تحتكم في خلافاتها الداخلية للطرق والأساليب الديمقراطية بالانتخابات وغيرها. ولكنها مهددة اذا استمر الاحتلال واستمرت العنصرية وكل أشكال التطرف في التحكم بسلوكها وسياستها.
ونحن نستطيع أن نعجل هذه العملية أو ننقل الإسرائيليين إلى واقع آخر أكثر إنسانية يقوم على المساواة الكاملة بين البشر والإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها وأقرت بها الشرعية الدولية. وهذا لا يتم بالتمني ولا بحسابات رقمية للمتنبئين بزوال إسرائيل خلال عام 2022 أو بعده بقليل، بل بجهد ونضال فلسطيني جبار ضد الاحتلال والعنصرية. وأول متطلبات هذا النضال توحيد الشعب الفلسطيني تحت قيادة وطنية واحدة، واعتماد أساليب وخطط واستراتيجيات كفاحية يتم الاتفاق عليها ويمكنها أن تزيد من حجم التأييد والتدخل الدوليين وكذلك من حجم التناقضات والخلافات داخل إسرائيل. فنحن بحاجة للعمل المتكامل والتناغم على كل الساحات، بدءاً من ساحتنا الداخلية مروراً بالساحة الإسرائيلية وانتهاءً بالفضاء الإقليمي ودول العالم.