الضفة الغربية بين "حراك الحاجة" و"حراك الفتنة"..الخيط الرفيع!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 فجأة، عادت شرارة "الحراك الاجتماعي"، تعود الى بعض مدن الضفة الغربية تحت يافطات مختلفة وأسماء متعددة، حراك تلى بعض من أفعال حملت بعدا "عشائريا"، في مواجهة السلطة الفلسطينية، مستغلة سياسيات آن أوان التوقف أمامها، كون المواطن الفلسطيني يعيش تحت وطأة من القهر والفقر والتمييز بين فئاته، فلا مساواة ولا عدالة في تحمل تبعيات الوضع العام.

يمكن تلخيص حال الواقع بعبارة مصرية دارجة "يا ناس ياللي فوق ما تبصوا على اللي تحت"، كلمات تكثف بعمق جوهر الأزمة الاجتماعية، وبدون شك جزء منها نتاج سياسة دولة الأبرتهايد، وسرقة أموال المقاصة من جهة وتقييد حركة الاستثمار والنمو الاقتصادي، ومنع السلطة من الاستفادة بنحو 60% من أرض الضفة المعروفة بمنطقة (ج)، والتي تمثل ثروة حقيقية وقاعدة انطلاق للتطور الشمولي.

وأيضا، لا يمكن تجاهل حركة فساد تحولت الى ركن من أركان الواقع القائم، تخلو من المحاسبة والرقابة، بل تجد لها "جدار واق" من اركان المؤسسة الرسمية، وهناك من يتحرك بلا أدني خجل وكأن الأمر بات "حق" خارج الحساب.

الحراك الاجتماعي في الضفة، رغم صوابية الشعارات التي رفعت، لكن ما يجب التوقف أمامه، دوافع محركيه الحقيقة، أهي سياسية ام مطلبية، وتوقيت ذلك المفاجئ، وهل هو صدفة أم ضمن مخطط ما، يراد له أن يعيد رسم المشهد العام ضمن "جدول أعمال" لخدمة أهداف لا علاقة لها مطلقا بحقيقة "الحاجة الاجتماعية".
فمن حيث المبدأ، شرارة "الحراك الاجتماعي" انطلقت في ظل معركة التهويد التي تتسارع في مدينة القدس، خاصة ما يتعلق بالحرم القدسي والمسجد الأقصى، ومتزامن مع فتح ملف بناء استيطاني جديد، ومناقشة قانون "شرعنة الاحتلال"، وجرائم حرب دولة الكيان وجيشها مع اعدامات ميدانية..توقيت لا يمكن لفلسطيني وطني أن لا يتوقف أمام "التزامن" وكأنه جاء صدفة، خاصة من أطراف تعلم جيدا ما تريد.

الحراك الاجتماعي رفضا للأزمة المعيشية واللا عدالة الاجتماعية في نظام السلطة الاقتصادي، كان له أن يذهب في مسار مختلف، وعبر مظاهر غير "إشكالية"، تضعه تحت "دائرة الاتهام" أو "الشك الوطني"، وتحديدا بعد ملاحظة بصمات قوة فتحت ملف خيارها الاستبدالي للشرعية الفلسطينية، سلطة ومنظمة، لإكمال مشروع شارون الذي بدأ تنفيذه في أواخر 2005، وفتح الباب واسعا لفوز تلك القوة في انتخابات هندستها أمريكا وحكومة الكيان، بمساعدة "صديق عربي"، لتكون بداية الخراب الكيانية عبر "باب الديمقراطية"، خاصة أن الحركة التي فازت وتتفاخر بذلك، هي أكثر من غيرها من كانت أداة تخريب بناء السلطة الأول منذ عام 1994 وحتى اغتيال الخالد، في صف حلف التدمير التخريبي.

"الحراك الاجتماعي"، انطلق بالتوازي مع حراكات حزبوية صريحة تقوم بها حركة حماس الإسلاموية في أكثر من مكان ومدينة بالضفة، وأيضا تحت نشاطات مختلفة، مجهز لها إعلاميا بشكل كبير عبر مختلف وسائل الاستخدام، ترمي الى فتح "معارك متعددة" مع السلطة وأجهزتها، ثم تذهب لتصرخ بالكذبة الكبرى، أن ما يحدث استهداف لـ "المقاومة"، وهنا وجب فتح قوس سياسي للسؤال، هل حقا حركة حماس تقوم بأي نشاط ضد العدو الاحتلالي في الضفة والقدس منذ أشهر بعيدة، وربما بعد الانتهاء من ترتيب "صفقة ما بعد حرب مايو" - التهدئة مقابل مال وامتيازات لتعزيز حكم حماس - في قطاع غزة.

أحداث القدس الأخيرة، ومعها جنين ونابلس وطوباس وبيت لحم وغيرها من مناطق تشهد مواجهات مستمرة، لا تشارك بها أبدا، بينما فتحت باب حراك آخر ولكنه ضد السلطة وأجهزتها، وذلك ليس حدثا جزئيا، بل ضمن خطة متكاملة بدأت ملامحها تنكشف، عنونتها بنشر الاشاعات حول "وفاة الرئيس عباس"، بكل ما رافقها من حملات إعلامية لكتبتها و"ذبابها الإلكتروني".

لم يعد مجهولا أبدا أن ما تبحث عنه حماس ليس حقا دعم "حراك اجتماعي"، فلو أن ذلك هو مطلبها لنظرت الى "الكارثة الإنسانية" لأهل قطاع غزة التي هي نتاج رئيسي لسياستها، وقبلها كيف قامت كل أجهزتها الأمنية بأبشع حرب تصفية لحراكات مختلفة، أبرزها "بدنا نعيش" و"الاتصالات"، ولا تزال تقوم بحملات قمع وترهيب ضد الباحثين عن دخل ما عبر عربات فردية..مشاهد تكشف وحدها أن الأمر لدى حماس ليس حراكا اجتماعيا مطلقا، بل له هدف سياسي محدد معلوم تماما.

لماذا لم تتساءل قوى "الحراك" عن سبب قيام رئيس حكومة الإرهاب في دولة الكيان بينيت بـ "مدح" الهدوء غير المسبوق على السياج الفاصل شرق قطاع غزة، وتقديم مكافأة فورية بزيادة عدد العمال من 12 ألف عامل الى 15 ألف، رغم الانتهاكات اليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد أهل المنطقة، وكذا في البحر، دون ادنى رد فعل غير بيانات "المكذبة المقاومتية".

حراك "الحاجة الاجتماعية" ليس جرما وطنيا ما دام سياقه مرتبط بشعاراته، وعدم استخدامه بطريقة ما لخدمة "حراك فتنة وطنية"، بدأ يطل برأسه سريعا، لخدمة مشروع شارون – ترامب نحو "نتوء كياني حمساوي في غزة ومحميات تشاركية في الضفة".

لم يكن مصادفة، أن يرفض بينيت المشيد جدا بحكم حماس وسلوكها المؤدب، لقاء الرئيس محمود عباس رغم "الوساطة الأمريكية"، وبالتأكيد لا يمكن اعتبار رأس الإرهاب بات "مقاوما" ضمن "محور الفرس" المستحدث لخدمة المشروع الاستبدالي المستحدث.

ولكيلا يعاد مشاهد ما قبل انقلاب حماس في قطاع غزة، الذي يصادف ذات شهر يونيو، وكأن الشهر اليونيوي بات جزءا من الثقافة الانقلابية للحركة الإسلاموية، وجب على السلطة مؤسسات وأجهزة، البحث عن الخيط الرفيع بين "الحق الاجتماعي" و"الخراب الوطني"، ومعالجة ما يجب علاجه قبل ندم لا ينفع معه الندم.

ملاحظة: تراجع الرئيس عباس والسلطة عن تنفيذ "التهديد" حول فك الارتباط بدولة الفصل العنصري واحتلالها، هو الخدمة الأفضل والأسرع لأطراف "مؤامرة الاستبدال" التي طلت بأظافرها عبر "باب الجوع والحقوق"...كل تأخيرة مش خيرة بل وكسة كبيرة!

تنويه خاص: من طرائف التصويت على قانون "شرعنة الاحتلال" كيف أن تحالف الليكود وبن غفير صوتوا ضده..الانتهازية السياسية لا حدود لها وبالطبع لا أخلاق لها...أكيد متذكرين مين كان ضد السلطة في زمن الخالد ومين الان غارق في امتيازات زبالة بقاياها!