بقلم: تمير باردو*
يجري غير قليل من الحديث عن التهديد الكبير الذي يحوم فوق دولة اسرائيل – هذا يدعي ايران، وأولئك يدعون الفلسطينيين. أما في نظري، فان التهديد الأكبر هو نحن. او للدقة، آلية التدمير الذاتي التي تتطور في السنوات الأخيرة. تماما مثلما في عهد خراب البيت الثاني، الذي كتب عنه اسبسيانوس في "تاريخ حرب اليهود ضد الرومان": "الرب هو استراتيجي عسكري اعظم مني، فهو سيسلم اليهود للرومان ويعطينا النصر دون أن يتعرض جيشنا للخطر، بينما يقتل أعداؤنا الواحد أخاه بكلتا يديه".
في حينه، وقفت فيالق الرومان وانتظرت بصبر أن ينهي اليهود تقريبا المهمة عنهم. علينا أن نوقف هذا قبل نقطة اللاعودة.
إن دولة إسرائيل هي أعجوبة تاريخية، من بقايا اللجوء و سبعين منفى ضد كل الاحتمالات أقيمت دولة في قلب منطقة معادية، تنجح في ظل حرب دفاعية في أن تقيم بيتا للشعب اليهودي.
سبع حروب وحرب لا تتوقف ضد أولئك الذين لا يزالون يحاولون القضاء علينا لم تمنع جعل قطعة بلاد بلا مقدرات طبيعية قوة عظمى اقتصادية. لكن الدولة ممزقة ودامية، والساعون لإيقاع الشر بنا ينتظرون اللحظة المناسبة. بعد اربع معارك انتخابية في غضون سنتين قامت حكومة، صعبة على الهضم، نالت الأغلبية، وان كانت طفيفة، لكن أولئك الذين أطيحوا من الحكومة بعد 12 سنة يرفضون الاعتراف بالنتيجة. بل ويرفضون التوجه إلى رئيس الوزراء بلقبه. عندما لا ينفذ زعيم عشرات المقاعد مثل هذه البادرة الرمزية، فهذا تقويض حاد لخلاصة الإجماع السياسي الذي يشكل حجر الأساس لوجود الدولة.
وهذه المعارضة إياها تقاطع كل مشروع قانون، ولا شك بأن دور المعارضة وحقها الكامل هو أن تحاول إسقاط الحكومة، لكن لا يحتمل أن تمنع إجازة القوانين التي تناسب فكرها، الامن القومي أو المصلحة العامة. فشلل عمل الحكومة لا يستوفي قواعد العقد الاجتماعي الذي على أساسه يقوم النظام الديمقراطي.
فضلا عن ذلك، فان الخطاب الإسرائيلي يتميز بانعدام التسامح، العنف اللفظي تجاه من يفكر بشكل مختلف، وكنيست إسرائيل تشكل مثالا سلبيا يتغلغل إلى المجتمع الإسرائيلي. الاستقطاب ليس بين فكر اجتماعي ورأسمالية، بل ليس بين الليبرالية والمحافظة أو اليسار واليمين، كما درج على الاعتقاد. الاستقطاب الحقيقي، المخفي عمدا، أساسه في الفكر الأساس لجوهر الدولة اليهودية. النقاش الحقيقي في العام 1948 كان في مواضيع الدين والدولة، والخلاف السياسي في الموضوع منع وضع دستور. النقاش الثاني، الذي لم يحسم، كان ما هي حدود الدولة. وذلك رغم أن التعريف الأساس للدولة هو "تنظيم سياسي لتنفيذ مصالح مدنية في ارض اقليمية محددة".
من العاشر من حزيران 1967 ليس لدولة اسرائيل حدود. حكومات اسرائيل على مدى 55 سنة، من اليمين ومن اليسار، باستثناء ضم القدس الشرقية وهضبة الجولان، لم تعرف يهودا والسامرة وقطاع غزة في داخل حدودها. اليوم يعيش في الدولة ثلاثة أجيال لا تعرف واقعا آخر، يهودا وغير يهود على حد سواء. منذ حزيران 1967 ونحن دولة بلا استراتيجية. على سؤال كيف نريد أن نرى دولة اليهود بعد 30 سنة لا يوجد جواب، ولا يوجد أي سياسي مستعد لان يضع هدفا، معظمهم يدحرجون عيونهم الى السماء. زعماء الدولة على أجيالهم امتنعوا عن اتخاذ القرار، خافوا ويخافون من اتخاذ القرار، يخشون من أخذ المسؤولية عن التنازل عن أجزاء من البلاد الموعودة ومن جهة اخرى يخافون من فقدان الحلم الصهيوني لدولة يهودية إذا ما ضموا كل أجزاء الوطن.
لكل شخص يعرف نفسه كصهيوني، مفهوم، أن الدولة التي ليس فيها أغلبية يهودية مطلقة ستشكل نهاية الحلم الصهيوني. اليوم بين النهر والبحر يوجد يهود صهاينة، يهود غير صهاينة، غير يهود في نطاق حدود 1967، غير يهود في يهودا والسامرة وغير يهود في الأرض الإقليمية الغزية. التفكير أو الوهم بأنه سيأتي يوم نجد أولئك البشر ممن يوافقون على التمييز بحقهم، بلا حقوق متساوية مع ارباب البيت اليهود، هو هذيان مجنون. يجدر بنا أن نفهم مرة واحدة والى الأبد: لا توجد قوة في العالم تمنع البشر من ان يتطلعوا ويعملوا بكل الوسائل من أجل الحرية والمساواة.
في اللغة العبرية يوجد لكلمة "حدود" عدة معانٍ – وانعدام ترسيم الحدود، الأرض الاقليمية، من شأنه أن يؤدي إلى تشويش الحدود الأخلاقية ومعايير السلوك. فانعدام التسامح تجاه الرأي الآخر، رفض حماة الحمى والعنف على أنواعه، كل هذه هي فقط جزء من فقدان الحدود النابع من انعدام الرغبة في تناول المشكلة رقم واحد لدولة اسرائيل: أي دولة نريد، وما هي حدودها؟
عن "يديعوت أحرونوت"
*رئيس الموساد الأسبق وعضو حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل".