تدعو الأصوات التي تصدر عن لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، إلى التصلب في الموقف اللبناني تجاه إسرائيل. فبعد الانتخابات العامة التي أجريت الشهر الماضي، كان يخيل أن بيروت ستفضل الحل الوسط كي تستخرج الغاز من البحر وتضمن مداخيل عظيمة لصندوق الدولة.
قبل أكثر من عقد، نقلت إسرائيل ولبنان موقفيهما في الموضوع إلى الأمم المتحدة. ويفهم من ذلك أن الدولتين توافقان على أن الخلاف بينهما هو على مساحة 860 كيلومتراً مربعاً فقط. وقد طلبتا مساعدة واشنطن في تسوية الخلاف. الدبلوماسي الأمريكي فريدريك هوف، الذي كلف بمعالجة الموضوع، مد خطاً مباشراً وقسم مساحة الخلاف بين الدولتين، حيث حصل لبنان على 57 في المئة منها، فيما حصلت إسرائيل على ما تبقى. إسرائيل وافقت، لكن لبنان لم يوافق لأن جزءاً من طوافة الغاز اللبنانية “قانا”، حسب هذا المخطط، يجب أن يبقى بيد إسرائيل. عارض “حزب الله” ذلك، بدعوى أن استخراج الغاز من إسرائيل ولبنان في قانا سيستوجب التعاون بينهما، ويعد هذا في نظره تطبيعاً.
في نهاية 2020 استؤنفت الاتصالات بين إسرائيل ولبنان، بوساطة أمريكية، في الناقورة وعلى أساس مساحة الخلاف المذكورة أعلاه. غير أنه في أعقاب ضغط الجيش اللبناني وبحوث شركة بريطانية ورأي خبراء دوليين، غير لبنان موقفه وبدأ يطالب بمساحة 1.460 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى الـ 860. إسرائيل بالطبع عارضت ذلك؛ لأنه حسب مطلب لبنان، فإن حقل الغاز “كاريش” الذي هو في يد إسرائيل اليوم، سينتقل كله إلى لبنان. عين الرئيس الأمريكي وسيطاً جديداً، هو الأمريكي الإسرائيلي عاموس هوكشتاين. وضع هوكشتاين اقتراحًا يتلخص في نقطتين أساسيتين: الأولى أن تجرى المباحثات بين الطرفين حسب مساحة الخلاف الأولى، أي 860 كيلومتراً مربعاً. النقطة الثانية، هي نقل خط فريدريك هوف كي يبقى حقل قانا كله في أيدي لبنان، بحيث لا يكون تطبيعاً. رفض لبنان هذا المخطط. وكما أسلفنا، فإن الرياح التي تهب اليوم تطالب بتصليب موقف لبنان والطرح الرسمي للمطالبة بالمساحة الإضافية، بحيث تكون المباحثات حول مساحة الخصام الأصلية، مضافاً إليها 1.460 كيلومتراً مربعاً. في هذا المخطط يؤخذ حقل كاريش من إسرائيل لصالح لبنان.
في بداية هذه السنة، حذرت كل من إسرائيل ولبنان إحداهما الأخرى من استخراج الغاز من مساحة الخلاف. ويفترض أن يصل هوكشتاين إلى المنطقة كي يدفع الموضوع إلى الأمام، لكن يبدو أن نتائج الانتخابات في لبنان تعرقله. إذا تقدم لبنان بوثيقة رسمية إلى الأمم المتحدة تلغي الوثيقة السابقة التي رفعت في 2011 وتضيف المساحة الكبيرة التي تطالب بها، فهذا سيعيدنا إلى الخانة الأولى ويرفع التوتر بين الدولتين. يمكن الافتراض بأن الأمريكيين الذين كانوا قد دعوا رئيس جهاز الأمن في لبنان عباس إبراهيم، المقرب من “حزب الله”، إلى البيت الأبيض سيطرحون المسألة عليه. وتدخل الولايات المتحدة الآن يعد أمراً حاسماً. والرئيس اللبناني ميشيل عون، الذي ضعف موقف حزبه في الانتخابات الأخيرة، ربما يلعب بورقة ترسيم الحدود البحرية كي يحقق أجندته لانتخاب صهره جبران باسيل، حليف “حزب الله”، ليكون رئيساً تالياً. إسرائيل يمكنها أن تسرق الأوراق من خلال استخراج الغاز من مساحة الخلاف المخصصة لها، دون انتظار الحل، وبذلك تجبر لبنان للعودة إلى طاولة المباحثات مع نوايا الحل وليس التصلب.