عن "N12": "السقف الزجاجي" الإسرائيلي في المعركة ضد إيران

عاموس جلعاد.jpeg
حجم الخط

بقلم: عاموس غلعاد ود. ميخائيل ميلشتاين*

 

 




ارتفعت درجة التوتر الأساسي، ووتيرة المناوشات خلال الأسابيع الأخيرة بين إسرائيل وإيران، والقائمة منذ أعوام في الإقليم.
ويدور الحديث عن معركة متعددة الجبهات في الوقت نفسه (بشكل خاص إيران وسورية وتركيا)، وعلى عدة مستويات عملياتية؛ إحباط عمليات ومهاجمة أهداف عسكرية بالإضافة إلى المعارك في المجال السيبراني وعلى مستوى الوعي.
ويزيد من حدة التوتر الشجاعة الإيرانية المتزايدة بسبب تقديرات طهران أن الولايات المتحدة تعيش حالة ضعف عميقة ومشغولة بالحرب في أوكرانيا، يقابلها ردات الفعل الحادة من جانب إسرائيل التي ترد على كل تهديد من طرف إيران، وخصوصاً في كل ما له علاقة بتسريع بناء قوة "حزب الله" والدفع قدماً بـ"الإرهاب" في أكثر من جبهة إقليمية ودولية.
ومن شأن هذه الديناميكية في حال استمرت أن تتطور في المنظور القريب إلى مواجهة متصاعدة بين القدس وطهران يمكن أن تتجلى في خطوات إيرانية حادة تتمثل في استهداف إسرائيليين بمناصب رفيعة، أو في جهود لإطلاق مسيرات، أو في قذائف تجاه إسرائيل.
في أعقاب ضرب مطار دمشق قبل حوالى أسبوع، والذي وُصف بأنه محاولة لزرع الفرقة بين الأسد والإيرانيين، اندلع نقاش واسع في إسرائيل بشأن الطريقة الأمثل لطرد إيران من سورية، أو على الأقل كبح تأثيرها في الدولة. لكن عدم الاستقرار الأساسي الذي يميز حياتنا في إسرائيل، يجعل من الصعب تشخيص ظواهر استراتيجية في العمق، وفي هذه الحالة يجب الاعتراف أن الحديث يدور عن نقاش عمره أكثر من عشرة أعوام، ولم يؤدِ إلى النتائج المرجوة.
هناك فرضية أساسية في أوساط متخذي القرار وأجهزة الاستخبارات في إسرائيل، وبحسبها فإن سورية هي "الحلقة الأضعف" أو الاستثنائية فيما يسمى "محور المقاومة" في الشرق الأوسط بقيادة إيران. وهذا يعود إلى حقيقة أنها ليست دولة دينية، ولا تستبعد نهائياً حواراً أو تسوية مع إسرائيل، حتى إنها خاضت عدة مرات سابقاً مفاوضات سياسية. ولذلك، يتطور دائماً النقاش حول الطريقة الأمثل التي يمكن من خلالها قطع العلاقة بين دمشق ومعسكر المقاومة، وفي المقابل تقليل التأثير الذي تتمتع فيه إيران في سورية.
منذ أكثر من عشرة أعوام – أي قبل سنوات معدودة من اندلاع الحرب الأهلية في سورية – كان ثمة ادعاء يقول إن الدفع بالمفاوضات السياسية لإعادة هضبة الجولان إلى سورية سيعزلها عن معسكر المقاومة. أمّا في الأعوام الأخيرة فتم طرح العديد من الأفكار التي اقترحت مثلاً أن اغتيال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، يشكل فرصة لكبح إيران في سورية، وأن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها ستساعد في تحقيق الهدف، أو يمكن تحقيقه من خلال الضغط الروسي على إيران، أو من خلال تغيير علاقات العالم العربي بالأسد، حيث تكون مصحوبة بمساعدات اقتصادية تشكل البديل من الدعم الإيراني، وبذلك يمكن طرد طهران من سورية.
نقطة الذروة في هذا النقاش كانت في الفترة 2019 - 2020، حينها شددت القيادة الإسرائيلية على أن طرد إيران من سورية هو هدف استراتيجي ومركزي وممكن.
وفي إطار هذا النقاش جرى تداول تصريحات رئيسة وعلنية تقول إن "سورية تحولت إلى فيتنام بالنسبة إلى الإيرانيين الذين يدرسون مساراتهم من جديد بشأن وجودهم فيها".
عملياً، على الرغم من كل التصريحات والضربات العسكرية، فإن سيطرة إيران في سورية تتعزز. ولا يقتصر الحديث على الدعم العسكري الذي يقدمه كل من حزب الله وطهران لنظام الأسد، من خلال تأسيس ميليشيات شيعية في سورية، واستعمال أراضيها بهدف تطوير وتمرير أسلحة متطورة إلى لبنان، بل إن التأثير الإيراني في سورية يتحقق اليوم عبر مساعدة واسعة وشاملة من خلال نشاط مسياني ديني (وخصوصاً في أوساط الطائفة العلوية)، ومشاريع في مجالات التعليم والثقافة، وبنقل سكان شيعة إلى بلدات مهجورة في سورية، بشكل سيغير تدريجياً الميزان الديمغرافي في الدولة.
ويستند الحلف غير الطبيعي، منذ 40 عاماً، بين النظام الإسلامي في إيران ونظام البعث الاشتراكي في دمشق، في الأساس، إلى مصالح استراتيجية مشتركة تبين أنها صامدة في مواجهة خطوات إسرائيل العسكرية والضغوط العربية والدولية. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية يرى الأسد في إيران سنداً وجودياً لا بديل منه، كما ويتعزز الفهم الإيراني بخصوص سورية كمنطقة استراتيجية تسمح بتشكيل ممر إقليمي (هلال شيعي من الخليج حتى البحر المتوسط)، وجبهة عمل مهمة جداً ضد إسرائيل.
يشعر الإيرانيون بأن هامش العمل في سورية توسع في أعقاب تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، وتوجه إدارة بايدن إلى المفاوضات مع إيران، كما التركيز الدولي على المعركة في أوكرانيا. ولذلك فإنهم يسرّعون جهودهم لتهريب السلاح إلى سورية، ومن خلالها إلى حزب الله، ويعملون على مأسسة البنى التابعة لحزب الله والميليشيات السورية، والدفع بنشاطات ضد إسرائيل.
وتبرز بين الحين والآخر توترات بين الأسد وإيران، ولا سيما حين تدفع إيران قدماً بخطوات عسكرية ترى فيها دمشق وروسيا، حليفتها الدولية، اختراقاً كبيراً لسيادة النظام السوري، ومغامرات من الممكن أن تؤدي إلى مواجهة حادة مع إسرائيل.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الإيرانيين، المزودين بحساسية وحذر أساسي، يعرفون كيفية تشخيص الأزمات المحتملة، وكيف يمكن الانسحاب بشكل تكتيكي، كانسحاب أغلبية الميليشيات الشيعية من جنوب سورية، أو كبح التأثير داخل الجيش السوري.
على إسرائيل الاعتراف أن لـ"المعركة بين الحروب"، التي تديرها بنجاح في الجبهة الشمالية منذ أكثر من عشرة أعوام، سقفاً زجاجياً سميكاً جداً.
وهذه الجهود التي تُفضَّل إدارتها بضبابية، تضر بتعاظم قوة طهران وحلفائها، ولا سيما "حزب الله"، لكنها غير قادرة على زعزعة الحلف الاستراتيجي القديم بين طهران ودمشق.
ولتحقيق هذا الأمر، ولو بشكل جزئي، يجب الدمج بين العمل العسكري والسياسي، وخصوصاً الدولي الجاد من طرف روسيا والولايات المتحدة، لكن هذين اللاعبين الأساسيين يعيشان اليوم مواجهة فيما بينهما وينحصر تركيزهما فيما يجري في أوكرانيا. وفي المدى المنظور، يبدو أن الهدف الذي وضعته إسرائيل لذاتها في كل ما يخص العلاقات بين إيران وروسيا غير قابل للتطبيق، والأكيد ليس بأدوات عسكرية.

العيون على تركيا
صحيح أن سورية تعتبر الجبهة المركزية في المواجهة بين إسرائيل وإيران، لكنها ليست الوحيدة.
في الأسبوع الأخير برز التحذير من عمليات متوقعة تدفع بها إيران ضد أهداف إسرائيلية في تركيا، كانتقام لسلسلة اغتيالات لمسؤولين في أجهزة الأمن الإيرانية تُنسب إلى إسرائيل. فالتحذيرات الخطرة التي أرسلتها إسرائيل إلى مواطنيها الذين يزورون تركيا غير مسبوقة، وتم دمجها بجهود عملياتية واستخباراتية إلى جانب خطوات تؤثر في المعركة على الوعي (حملة إعلامية تتطرق إلى الخطط الإيرانية بهدف إحراج إيران أمام الرأي العالمي وخلق توتر بينها وبين السلطات في أنقرة).
وكما الحالة السورية، كذلك التركية، حققت الجهود المشتركة حتى الآن إنجازات أخذت شكل إحباط عملية مخططة وتقوية العلاقة مع جهات استخباراتية تركية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لا يشكل الحل للطموح الإيراني بالانتقام، والذي يمكن أن يتم التعبير عنه في جبهات أُخرى غير تركيا، وحتى اللحظة لا يوجد ضغط دولي كبير على طهران، أو إضرار بصورتها، أو مواجهة جدية بينها وبين تركيا.
على إسرائيل في الوقت القريب أن تستمر في جهوزيتها الخاصة في مقابل جهود إيران، إذ من المتوقع أن تزداد بسبب التقديرات الإيرانية أن إسرائيل تعيش حالة بلبلة سياسية ستحتد وتجعل من الصعب عليها إدارة استراتيجيا واحدة منظمة، ولا سيما فيما يتعلق بالمعركة المستمرة ضد إيران.
وينطوي هذا الواقع على احتمالات تطور وتصعيد واسع بين الدولتين من المحتمل أيضاً في المدى القريب.

عن "N12"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عاموس غلعاد باحث وجنرال بالاحتياط، ود. ميخائيل ميلشتاين باحث.