أكد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، على أن الوكالة الدولية تحتاج بشكل عاجل إلى 48 مليون دولار أمريكي للاستمرار في تقديم المساعدات الغذائية والنقدية الطارئة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن.
وقال خلال اجتماع في هيئة الأمم المتحدة، مساء يوم الخميس: "إنه لمن دواعي سروري أن أتواجد معكم اليوم في مؤتمر التعهدات للأونروا هذا، وأود الإعراب عن تقديري لرئيس الجمعية العامة لعقده هذا المؤتمر"، معبرًا عن امتنانه للأمين العام لحضوره هذا الاجتماع.
وتابع: "إن كلًا من حضوركم وما أعربتم عنه من دعم قوي اليوم ليعكس تضامنكم مع لاجئي فلسطين والتزامكم الراسخ بولاية أونروا"، مقدمًا الشكر إلى كافة ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والمساهمة في قصة من أنجح قصص التنمية البشرية في المنطقة، فمن تعليم أكثر من مليوني فتاة وفتى من لاجئي فلسطين، إلى التطعيم الشامل للرضع وخفض وفيات الأمهات الذي فاق المعايير العالمية، لدينا كلّنا الكثير من مصادر الزهو والفخر حقاً.
وأوضح أنه إبان النزاعات المسلحة مكّن الدعم "أونروا" من توفير المأوى والحماية، وساعد في إعادة بناء الأحياء والتجمعات السكانية المدمرة، مشيرًا إلى أن الوكالة الدولية أصبحت شريان الحياة لواحد من أكثر المجتمعات عوزًا في المنطقة ألا وهو مجتمع لاجئي فلسطين، إلا أن هذه الإنجازات تتعرض اليوم للخطر.
وأفاد بأنه طوال العقد الماضي، اطردت التحديات بوجه الوكالة للإيفاء بالولاية التي أسندتها إليها هذه الجمعية العامة ذاتها، معللًا ذلك لأن الأموال التي أتيحت لـ"أونروا" على مدى السنوات العشر الماضية أصابها الركود، وبالتالي فإن انقطاع التمويل وانخفاضه من المانحين الرئيسيين، بمن فيهم المانحين من المنطقة، وانعدام قدرة الأونروا على التنبؤ بالدخل أرغمنا على العمل على مدى عقد من الزمن بمتوسط عجز يبلغ حوالي 100 مليون دولار أمريكي.
كما بين أنه في الوقت نفسه ازدادت احتياجات لاجئي فلسطين وارتفعت تكلفة تقديم الخدمات ذات الجودة، منوهًا إلى أنه لا مجال لمقارنة "أونروا" بأية وكالة إنسانية أخرى للأمم المتحدة"، حيث تم تفويض الوكالة الدولية بتقديم خدمات شبيهة بالخدمات الحكومية. ولكننا لا نملك الأدوات الضريبية والمالية للحكومات، بل نعتمد اعتماداً شبه كامل على المساهمات الطوعية، بالأساس من الدول الأعضاء.
وقال: "لقد أدرنا، لسنوات، نقص التمويل المزمن من خلال تدابير داخلية مثل ضبط التكاليف والتقشف واعتماد نمو صفري للميزانيات"، مضيفًا: "واليوم، استنفدنا احتياطاتنا المالية ووصلنا إلى أقصى حدود ضبط التكاليف وتدابير التقشف، والتقشف الآن يؤثّر على جودة الخدمات".
وتابع بالقول: "ولإيضاح التقشف، فكروا في 50 طفلاً في صف مدرسي واحد في مدارس تعمل على دوامين كل يوم، أو زيارة طبية يقضي الطبيب فيها أقل من ثلاث دقائق مع المريض"، مؤكدًا على أنه أرهق كاهل موظفي "أونروا" البالغ عددهم 28,000، ومعظمهم لاجئون فلسطينيون من معلمين أو ممرضين أو أطباء أو مهندسين أو عمال نظافة، فيما نواصل نحن مطالبتهم بالمستحيل: بتحقيق المزيد كلّ عام بقدر أقل من الموارد وبعدد أقل من الموظفين.
وأشار إلى أن التحديات المالية التي تواجه الأونروا لا تحدث من فراغ، مبينًا أن تغيّر الأولويات الجيوسياسية والديناميات الإقليمية، ونشوء أزمات إنسانية جديدة، أدى إلى تراجع أولوية النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وأوضح أنه بالنسبة للاجئي فلسطين، فإن إضعاف الوكالة يحدث في غياب حلّ سياسي للنزاع يكونون هم جزءا منه. وهذا هو جوهر المسألة بالنسبة للأونروا، منوهًا إلى أن الخوف من تخلي المجتمع الدولي عن اللاجئين الفلسطينيين يتغلغل جميع محادثاتي معهم، و"أونروا" تظل بالنسبة لهم آخر ركيزة قائمة لالتزام المجتمع الدولي بحقهم في حياة كريمة وحقهم في حل عادل ودائم، وتتنامى مشاعر اليأس والقنوط في مخيمات اللاجئين.
وشدد على أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تتدهور في حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من مستويات عالية من نزع الملكية والعنف وانعدام الأمن، مشيرًا إلى أن غزة ما تزال تسعى جاهدة للتعافي من أثر نزاع العام الماضي. وبرغم ما أحرزناه من تقدم في إعادة تأهيل وإعادة بناء المساكن المتضررة، فثمة مسألة أخرى سيستغرق إعادة بنائها وقتاً أطول بكثير، وهي الرفاه النفسي-الاجتماعي للفلسطينيين في غزة، ولا سيّما الأطفال منهم.
وقال: فأيّ طفل ذو 12 ربيعاً في مدرسة من مدارس الأونروا عاش أربع نزاعات مسلحة وقضى حياته كلها تحت وطأة حصار اقتصادي واجتماعي، فيما دخل الصراع في سوريا الآن عامه الثاني عشر، وبلغت الاحتياجات الإنسانية مستوياتها الأعلى منذ بداية الحرب".
وذكر أنه خلال زياراته الأخيرة، رأى عدداً متزايداً من لاجئي فلسطين يعودون للعيش وسط ركام مساكنهم في مخيمات اللاجئين مثل اليرموك أو عين التل، لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الإيجار في مكان آخر، مطالبًا بأن تتمكن الوكالة الدولية من إعادة تأهيل مدارس الأونروا وعياداتها لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية للعائدين.
وفيما يتعلق بالأوضاع في لبنان، أشار إلى أن انهيار البلاد اجتماعيا واقتصاديا والارتفاع الحاد في أسعار الوقود والمواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية دفع بمعظم اللاجئين الفلسطينيين الشباب إلى التفكير في خيار واحد فقط: ألا وهو مغادرة المنطقة بأي ّثمن، حتى لو كان على حساب حيواتهم.
أما في الأردن، بين أنه يعيش اللاجئون الفلسطينيون في بيئة أكثر تساهلاً، تتزايد احتياجاتهم، خاصة في ظل آثار جائحة كوفيد-19 على الوضع الاقتصادي في البلاد.
كما تطرق لازاريني إلى الوضع في أوكرانيا، موضحًا أنه أدى إلى تفاقم الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً خطيراً على الاقتصاد الأسري المعيشي للاجئين الفلسطينيين، مشيرًا إلى أنه في مناطق عملياتنا الخمس، ارتفعت معدلات الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين لتصل إلى 80 في المئة أو أكثر في لبنان وسوريا وغزة. ويفيد عدد كبير جداً من لاجئي فلسطين بأنهم يقتاتون بوجبة واحدة في اليوم، وقد ضغط ذلك على الوضع المالي الهش للأونروا.
بينما في غزة، أكد لازاريني على أنه ارتفعت تكلفة سلتنا الغذائية بأكثر من 40 في المئة بالمقارنة مع متوسط تكلفتها في العام الماضي. وهذا يتركنا أمام فجوة تمويلية هذا العام تبلغ 72 مليون دولار أمريكي للحفاظ على إمدادات الغذاء إلى ما بعد الربع الثالث من العام لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني، كما تحتاج الأونروا بشكل عاجل إلى 48 مليون دولار أمريكي للاستمرار في تقديم المساعدات الغذائية والنقدية الطارئة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن.
وشدد على أن ولاية "أونروا" هي مسؤولية جماعية لأعضاء الجمعية العامة، والمحققون أو المقيّمون الخارجيون من ذوي المصداقية، مثل البنك الدولي أو شبكة تقييم أداء المنظمات المتعددة الأطراف (MOPAN)، يؤكدون على أن برامجنا التعليمية والصحية لا تشكل قيمة كبيرة مقابل المال فحسب، بل ولها أيضاً كبير الأثر الإيجابي على حياة اللاجئين.
وطالب بأن يكون أثر الخدمات التي يمكن التنبؤ بها على سلامة اللاجئين وعلى استقرار المنطقة كافياً لإقناع كلّ دولة عضو بالالتزام بتمويل الأونروا تمشياً مع القرارات التي اعتمدتها هي، مستدركًا بالقول: "ولكن بدلاً من ذلك، تستمر الوكالة في انضوائها تحت ثلاثة أنواع من الضغط الحادة، أولاً: التزام الجمعية العامة، بدعم شبه شامل، بإعلاء حقوق لاجئي فلسطين وتوجيهاتها للأونروا لتقديم الخدمات الأساسية إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم؛ ثانياً: الافتقار إلى التمويل الكافي من الدول الأعضاء لتنفيذ هذه الولاية، ومطالبة بعض المانحين للأونروا بتعديل عملياتها حتى تعيش في حدود إمكانياتها؛ وأخيراً: اعتراض البلدان المضيفة ومجتمعات لاجئي فلسطين على تخفيض الخدمات أو تسليمها إلى طرف ثالث، وهو ما ينظر إليه على أنه يمثل تعدياً على حقوق اللاجئين وخطوة نحو تفكيك الوكالة".
وأوضح أن الفشل في التوفيق بين هذه المطالب سيدفع الوكالة نحو الانهيار المالي، متسائلًا: "إذن، كيف يمكن التوفيق بين هذه التوقعات؟".
وأشار إلى أنه لعل أقصر الطرق وأكثرها عملية وجدوى من حيث التكلفة هي تقديم المانحين أموالاً تضاهي التكاليف السنوية لتشغيل خدمات الأونروا، منوهًا إلى أن الوكالة الدولية لم تدخر وسعًا في توسيع قاعدة المانحين، والسعي إلى إعادة مَنْ فك الارتباط منهم، وتنويع مصادر التمويل، بما فيها من القطاع الخاص.
وأوضح أن الوكالة الدولية طلبت من المانحين الذين خفضوا التمويل أن يعيدوا النظر في أثر قرارهم على استقرار المنطقة، كما ناشدت جميع المانحين أن يكفلوا ألا يصبح اللاجئون الفلسطينيون رهينة للأحداث في أوكرانيا.
وقال: "وتماشياً مع ولايتنا، نستكشف أيضاً إمكانية عقد شراكات مع وكالات الأمم المتحدة الشقيقة"، متابعًا: "ونحن بصدد سنّ سلسلة من الإصلاحات الإدارية الداخلية لتحديث الطريقة التي نقدم بها الخدمات ولتعزيز الشفافية والمساءلة والكفاءة في كلّ ما نضطلع به، لكن هذا لن يكون كافيًا، فقدرتنا على مواصلة الإيفاء بولايتنا تكمن لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإرادتهم السياسية لتمويل ميزانيتنا الأساسية بالكامل".
وأضاف قائلًا: "لدينا الفرصة اليوم وفي الأشهر المقبلة لعكس التوجّه وتجنب انهيار الوكالة، ففي يناير قدمت ميزانية برامج لعام 2022 يكون النمو فيها صفرا، وذلك للسنة الثالثة على التوالي".
وأوضح أن هذه الميزانية تغطي تعليم أكثر من نصف مليون فتاة وفتى، وتقديم الرعاية الصحية الأولية لما يقرب من مليوني شخص، وتوفير شبكة أمان اجتماعي لما يقرب من 400,000 لاجئ فلسطيني من الأكثر فقراً، مبينًا أنه في سبيل تقديم هذه الخدمات، نحن بحاجة إلى 817 مليون دولار أمريكي. 817 مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال، ولم تعد الوكالة الدولية في وضع يسمح لها باعتماد تدابير تقشفية والتحكم في التكاليف بقدر يضاهي حجم الفجوة التمويلية.
وختم بالقول، إنه في العام 2017 دعا الأمين العام الدول الأعضاء إلى التماس حلول تجعل الأونروا مستدامة مالياً، وبعد خمس سنوات، أجلس أمامكم، مكرراً ما قاله أسلافي، ولكن بمزيد من الإلحاح لأننا استنفدنا القدرة الداخلية على التصدّي، لوحدنا، إلى النقص المزمن في التمويل.
وطالب بزيادة القدرة على التنبؤ المالي والتمويل المتعدد السنوات، وهذه هي الطريقة التي ينبغي أن تدار بها وكالة بحجم الأونروا ونطاقها إذا ما أرادت أن تواصل تقديم خدمات شبيهة بالخدمات الحكومية والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.
وأكد على أن ولاية الجمعية العامة واضحة للعيان تماماً: ينبغي أن يتلقى اللاجئون الفلسطينيون الخدمات حتى التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم، وانقطاع الخدمات لن يكون فشلاً للأونروا فقط. بل سيكون فشلاً جماعياً وفشلاً لنهج تعددية الأطراف.
ودعا لازاراني إلى العمل معًا لتجنب أزمة جديدة تتكشف في جزء من العالم شهد بالفعل ما يكفي من ألم وبؤس، وفي وقت تكثر فيه الأزمات العالمية، من أوكرانيا إلى أفغانستان وإلى القرن الأفريقي.
وما زلنا، زملائي وأنا، ملتزمين بالعمل بلا كلل ولا ملل لحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وسبل حصولهم على الخدمات – متطلعين إلى إشراككم أنتم وأعضاء لجنتنا الاستشارية في هذا الشأن.
وأتطلع بصفة خاصة إلى الإعلان عن التعهدات في هذا المؤتمر وأناشدكم لتقديم دعمكم المالي القوي في الأشهر المقبلة.
مع خالص الشكر.