المعنى السياسي لاستطلاعات المقاعد، التي نشرت قبل أربعة أشهر من الانتخابات وقدرتها على التنبؤ بالضبط بنتائجها، مشكوك فيه.
وتقدم أزمة المناخ السياسي في إسرائيل في السنوات الأخيرة سوابق حية جدّاً، تعزز الشك. هكذا على سبيل المثال، عشية حل الكنيست السابقة في كانون الأول 2020، أظهر استطلاع “حدشوت 12” أن أحزاب ائتلاف بينيت – لبيد الحالي ستحصل على 64 مقعداً، دون “راعم” (التي اعتبرت في حينه جزءاً من القائمة المشتركة).
اكتفى حزب العمل في حينه بـ 0.3%، وهي أقل بكثير من المقاعد السبعة التي حصل عليها فعلياً.
أيضا في انتخابات نيسان 2019 كان الاستطلاع الأول مختلفاً بصورة جوهرية عن النتائج الحقيقية.
في “كان 11” أعطوا لحزب نفتالي بينيت واييلت شكيد 14 مقعداً، ولكن كما هو معروف، أنهوا الجولة بصفر.
مع ذلك، ثمة للاستطلاعات تأثير كبير على جولة الانتخابات. ليس كمراقبين للواقع بل كمشكلين له. فهي تؤثر أيضا على الناخبين، الذين من شأنهم أن يخافوا من حزب بقاؤه مشكوك فيه، ولا يرغبون في إضاعة صوتهم، ولكن أيضا يؤثر على اللاعبين الذين يحسبون خطواتهم طبقا لذلك. استطلاعات أول من امس هي، إذاً، نقطة البداية للعبة السياسية للأشهر الأربعة القادمة، ومنها ستشتق الخطوات القادمة.
الصورة التي تظهر من الاستطلاعات هي أن شيئا لم يتغير: مجرد الإعلان عن حل الكنيست لم يغير الخارطة الانتخابية، سيفوز “الليكود” بعدد جيد من المقاعد، 35 – 36، وتكاد كتلة نتنياهو تصل إلى الـ 61 مقعدا المأمولة، والتي ستمكن رئيس المعارضة من تشكيل الحكومة فقط مع أحزاب تخضع لسيادته المطلقة.
ولكن حتى الآن لم تصل، حسب كل الاستطلاعات. الكتلة التي تأتي بعد “الليكود” مرورا بالأحزاب الحريدية وحتى حزب الصهيونية الدينية ستحصل على 59 – 60 مقعداً.
بالمقابل، أحزاب الائتلاف الحالي لديها 54 – 56 مقعداً، والأحزاب الستة الأعضاء فيه – العمل، إسرائيل بيتنا، يمينا، أمل جديد، ساعر وميرتس – تخلق في الفضاء الخطير الواقع ما بين 4 – 6 مقاعد. في احد الاستطلاعات، استطلاع “كان 11″، لم يجتز “ميرتس” نسبة الحسم.
المعنى الفوري من ناحية الواقع السياسي هو أن احتمالات تشكيل حكومة بديلة في الكنيست الحالية، والتي كانت متدنية أصلا، تحولت بعد الاستطلاعات إلى ضئيلة أكثر. من جانب، كل أحزاب الائتلاف ترى أن نتنياهو ما زال غير قادر على الوصول إلى 61 مقعداً، حتى وهو في أوج زخمه.
في هذا الوضع ليس لجدعون ساعر، نفتالي بينت، وبني غانتس سبب للسير في المسار الذي يمقتونه مسبقا.
ومن الجانب الآخر نتنياهو هو حقا قريب جدا من الهدف، ما يضعف جدا دافعيته للسعي إلى حكومة تنازلات مع أي واحد من خصومه الذين يكرههم، وهو قريب جداً من حكومة الأحلام، التي ستمكنه ربما أيضا من إيقاف محاكمته.
تشرح الاستطلاعات أيضا لماذا رؤساء الأحزاب الحريدية هم الوحيدون الذين يدفعون قدماً وبقوة بتشكيل حكومة بديلة.
من جانب هم يخافون من الدخول المؤقت ليائير لابيد إلى مكتب رئيس الحكومة، بالأحرى في مستهل حملة سيحاول فيها أن يظهر للجمهور العلماني المساهمة العظيمة التي ستجلبها هذه الوظيفة له، إذا بقي فيها.
هم أيضا يخافون من أنه إذا تحققت الاستطلاعات في صندوق الانتخابات فإن نتنياهو لن ينجح في تشكيل حكومة، وسيتحول لبيد المؤقت إلى دائم.
ثالثا وهو الأخطر، هم يرون كيف أن بتسلئيل سموتريتش، وبالأساس بفضل شريكه إيتمار بن غبير، يصل إلى 9 مقاعد ويصبح الحزب الثالث في حجمه في الكنيست. وحسب ما نشاهد، هو بالأساس يتقوى على حسابهم.
حولت شعبية بن غبير في أوساط الشباب الحريديين عضو الكنيست المتطرف ذخراً بالنسبة لسموتريتش، الذي رأى فيه في الماضي عبئا فرض عليه أن يحمله على ظهره، بتعليمات من الزعيم نتنياهو.
ذخر كبير إلى درجة أنه لا يمكن إنكار أن بن غبير أيضا سيطالب بأن يكون في مقدمة القائمة المشتركة هذه.
حتى إذا لم يحدث هذا، فإن صعود سموتريتش هو أخبار سيئة للأحزاب الحريدية، ولكنها أخبار جيدة للابيد ومعسكر “فقط ليس بيبي”.
يعرف رؤساء الأحزاب في الكتلة جيداً أن زيادة قوة سموتريتش وبن غبير سوف تسهل عليهم كثيراً إيقاظ الجمهور المعتدل والعلماني في إسرائيل، إزاء الخطر المقترب. سموتريتش قوى حملة تكتب نفسها لصالحهم.
ما يبدو أخباراً جيدة للابيد هي طبقا لذلك اخبار سيئة لنتنياهو، والذي سيكون مسرورا عندما يتقلص سموتريتش قليلا. ولكن هذه تقريبا الأخبار السيئة الوحيدة بالنسبة له في استطلاعات أول من امس، والتي تحدد بالنسبة له الاستراتيجية: استراتيجية القبو الحصين. يرى رئيس “الليكود” الاستطلاعات، ويفهم بالتأكيد أنه لا حاجة إلى خطوات إبداعية وخطيرة. عندما تكون قريبا جدا من الهدف تكفي تعديلات صغيرة لضمان أن بن غبير عليه أن يتنافس مع سموتريتش. وان عميحاي شيكلي لن يتنافس مطلقا، وان المواطنين العرب لن يذهبوا للتصويت، وإذا كان بالإمكان أن يتنافس “العمل” و”ميرتس” بصورة منفردة ويعرضا نفسيهما للخطر. اتجاه الحملة الذي أراده حصل عليه: وجهاً لوجه أمام لابيد، والذي يرى فيه خصماً سهلاً، كما يبدو، والذي لا يستطيع تجاوزه من اليمين.
في الكتلة المقابلة سيكون مطلوبا ابداعية استثنائية من أجل الخروج منتصرين. أولاً، تظهر الاستطلاعات ما كان واضحا حتى في الجولة السابقة: “ميرتس” و”العمل” يجب أن يتنافسا في قائمة واحدة.
الشريك الأول مهتم بذلك تماما، والشريك الثاني ما زال غير مهتم، ولكن كلاهما يعرض نفسه للخطر وكذلك يعرض الكتلة كلها. هذا شرط ضروري ولكنه غير كافٍ من أجل أن يقترب الائتلاف من الأرض الموعودة.
هذه الكتلة سيكون مطلوباً منها القيام بخطوة دراماتيكية حقاً: على سبيل المثال تشكيل قائمة موحدة من قوى الوسط – اليمين بمشاركة بينيت، غانتس، وساعر.
قائمة تضمن مصير الثلاثة، وستغير الزخم، وستستطيع ربما أن تقضم اثنين إلى ثلاثة مقاعد من “الليكود”، وبالأساس تدمر لنتنياهو حلم التنافس وجها لوجه أمام لبيد.
خطوة كهذه ربما تبدو لا أساس لها اليوم، ولكن أربعة أشهر في حملة انتخابات في إسرائيل هي زمن يبدو أبديا.
بناءً على ذلك، فحتى استطلاعات المقاعد يمكن أن تنقلب: من يحتفل اليوم بالفضاء الآمن لستة أو سبعة مقاعد يمكن أن يختفي، ومن شأنه أن يكون مفاجأة الانتخابات، ربما لم يفكر بعد مطلقا بالدخول إلى الساحة. ولكن من أجل تغيير الاستطلاعات، فإن الكتلة المتخلفة يجب أن تمارس إبداعية، انضباطاً ومسؤولية. ربما هذه المرة.