بات من الواضح ان دولة الكيان بعد المصادقة على حل " الكنيست" البرلمان "الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية بأغلبية 110 أصوات،هم من حضروا جلسة التصويت، هذا التصويت الذي سيستكمل لاحقا، للمصادقة على قرار حل " الكنيست" بالقراءتين الثانية والثالثة،ومع دخول هذا القرار حيز التنفيذ،تدخل دولة الكيان في حالة من الفراغ السياسي،وتصبح الحكومة القائمة ،حكومة تسيير أعمال بقيادة لبيد وزير الخارجية الحالي،وبالتالي تصبح غير قادرة على اتخاذ قرارات ذات طابع استراتيجي، فالعملية السياسية ستستمر" مجمدة" في الثلاجة،ولن يكون هناك لا مفاوضات ولا عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية،والتي عليها أن تنتظر،وهي التي عودت و"طوعت" نفسها على سياسة الإنتظار وقدوم " غودو" إما من واشنطن او تل ابيب،وهي تعرف بأن "غودو" هذا الذي انتظرته وتنتظر قدومه منذ ثمانية وعشرين عاماً من بعد توقيع اتفاق أوسلو الكارثي لن يأتي.
ولكن قضايا الإستيطان ونهب الأرض الفلسطينية وقضمها واستمرار زرع المستوطنات في الضفة والقدس وحتى في الداخل الفلسطيني – 48 -،لن يتوقف فهذا محط اجماع صهيوني،وواحد من مرتكزات الوجود والإجماع القومي الصهيوني.
نحن كنا متأكدين بان حكومة يقودها عضو كنيست لم يحصل حزبه سوى على سبعة اعضاء في " الكنيست"،ولدت ميتة وهشة سياسياً،فهي جمعت متناقصات سياسية وحزبية من اليمين واليمين المتطرف إلى يمين الوسط، مختلفة برنامجياً في الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية،ولكن عملية جمعها وتوحيدها وجاهياً وعقائدياً،هو الرغبة في اقصاء نتنياهو عن رئاسة الوزراء،بما ذلك رغبة الإدارة الأمريكية.
الأزمة السياسية العميقة التي عاشتها حكومة بينت والتي أكثر من مرة كانت قاب قوسين او ادنى من السقوط،والتي حاول بينت ان يمنع سقوطها عبر تصدير تلك الأزمة خارجياً بالتصعيد مع الفلسطينيين،كما حدث في مسيرة او رقصة" الأعلام والإستباحة الكبرى للمسجد الأقصى في نفس اليوم،الأحد 29/5/2022،في ذكرى ما عرف بخراب الهيكل و" توحيد القدس" ،او بالقيام بإستهداف جنين ومخيمها بحروب استباقية إنهاكية مستمرة،عبر الإقتحامات شبه اليومية،والقيام بعمليات اغتيال وتصفيات بحق المقاومين والنشطاء الفلسطينيين،او من خلال سياسة الإعتقالات الوقائية والتي شملت نشطاء وأسرى محررين،ولا غرابة بأن جنين التي يخشى المحتل ،تحولها لحاضنة للمقاومة "جنين غراد" أو غزة الصغرى،ان تدفع منذ بداية العام 26 شهيداً.
ولا ننسى تهديد بينت لفصائل وقوى المقاومة في القطاع،والتهديدات بإجتياحات غزة برياً،وكذلك تصعيد حرب الإغتيالات ضد قادة عسكريين وعلماء نوويين ايرانيين،والإعتداءات على منشأت نووية ايرانية،واستمرار العدوان على سوريا عبر القصف الجوي والصاروخي،والتي كان آخرها استهداف مطار دمشق الدولي،ولا ننسى التحرش بلبنان من خلال إحضار "الحفار" الإسرائيلي " بور انيرجي" الى حقل " كاريش" الغازي،من أجل القيام بعمليات التنقيب والإستخراج للغاز والنفط،في عدوان على ثروة لبنان النفطية والغازية.
ولكن كل ذلك لم يفلح في إنقاذ حكومة بينت من السقوط،لأن تلك الأزمة ليست تعبيراً عن أزمة حكومة،بل هي أزمة نظام سياسي اخذة في الإزدياد والتعمق..ويضاف لذلك الأزمات التي عصفت بحزب "يمينا نفسه،من إستقالات بدأ بها عميحاي شيكلي وتبعه بعد ذلك رئيسة ما عرف بإئتلاف التغيير الحكومي عيديت سيلمان" ولتنتهي بإستقالة " نير اورباخ" ،وكذلك الطاقم المحيط ببينت من سكرتيرته الخاصة الى مدير مكتبه ومستشاره الإعلامي ومستشارته السياسية،ولعل أيدي نتنياهو وقوى المعارضة الإسرائيلية،ليست بعيدة عن الإختراقات والتفكك في حزب" يمينا"،وكذلك التصدعات في احزاب اليمين الأخرى.
الإنتخابات التبكيرية الخامسة التي تجري خلال ثلاث سنوات ونصف،تأتي في ظل تنامي " الداعشية اليهودية" في المجتمع الإسرائيلي،والتي أصبحت قوة وازنة في المجتمع الإسرائيلي،وكذلك قوة التأثير في القرار السياسي الإسرائيلي،حتى ان الجماعات التلمودية والتوراتية،باتت تتحكم في بقاء الحكومات الإسرائيلية بقاءً وسقوطاً، في ظل ما يشهده المجتمع الإسرائيلي من تفكك وتشظي الأحزاب الإسرائيلية الكبرى،ولذلك الإنتخابات التبكيرية الخامسة، رغم أن نتنياهو الذي توجد ثلاثة تهم ضده أمام القضاء الإسرائيلي، من رشوة وسوء ائتمان وخيانة امانة،ولكن كل ذلك لم يؤثر لا على شعبية نتنياهو ولا الحزب الذي يقوده في المجتمع الإسرائيلي،فنتنياهو والليكود ما زالا يتقدمان استطلاعات الرأي، نتنياهو لرئاسة الوزراء الإسرائيلية والليكود الحزب الأول من حيث عدد المقاعد التي سيحصل عليها في الإنتخابات القادمة.
الليكود ومعسكره حسب استطلاعات الرأي،لن يستطيعوا حسم مسألة الإنتخابات والحصول على أغلبية مريحة فيها،او حتى تخطي نسبة الحسم لتشكيل حكومة جديدة 61 مقعداً،حيث تلك الإستطلاعات تقول بحصول معسكر الليكود وحلفائه على 59 مقعداً ،ومعسكر بينت – لبيد على 55مقعداً،و 6مقاعد للقائمة العربية المشتركة،مع ملاحظة أن استطلاعات الرأي تقول بأن حزب "ميرتس" اليساري،لن يجتاز نسبة الحسم،في مؤشر على اختفاء واندثار ظاهرة اليسار في المجتمع الإسرائيلي.
الإنتخابات القادمة ستعمق من أزمة نظام الحكم السياسي في دولة الكيان،وسيحاول نتنياهو تشكيل حكومة " وطنية " يمنية واسعة من قوى اليمين الديني والعلماني،وكذلك تتعمق ازمة المجتمع الإسرائيلي وجبهته الداخلية،ليس بسبب الصراعات الأثنية والطبقية والعرقية في داخله،بل هذا المجتمع لم تعد جبهته الداخلية محصنة، وبات جمهور دولة الكيان لا يشعر بالأمن والأمان ولا يثق بقيادته العسكرية والأمنية في توفير الأمن والأمان له،ولمسنا ذلك من بعد معركة "سيف القدس" في آيار من العام الماضي.
نتنياهو سيستغل التطورات والمتغيرات الحاصلة في العالم والإقليم والمنطقة من أجل تشكيل هذه الحكومة الواسعة لمواجهة ما يسميه بالأخطار الوجودية المحيطة بدولة الكيان ،وضرورة التصعيد ضد كل قوى محور القدس في غزة وجنين والقدس والداخل الفلسطيني- 48 - ،وضد حزب الله والمقاومة اللبنانية وضد سوريا وايران ،معتقداً بان تصدير الأزمة الداخلية لدولة الكيان نحو هذا المحور وبناء حلف أمني مع دول "الناتو" العربي الرسمي في مواجهة طهران،سيمكن دولة الكيان من تجاوز ازمتها،وان ترسخ وجودها في المنطقة كقوة قائدة برعاية أمريكية،متناسياً بان المشروع الأمريكي في العالم والمنطقة أخذ في التراجع والأفول، وبأن هناك عالم قطبية متعددة يبرز ويترسخ اقطابه روسيا والصين،ومعه قوى اقليمية وازنة مثل الهند وايران والبرازيل.... نتنياهو وغير نتنياهو لن ينجحوا في اخراج دولة الإحتلال من أزمتها العميقة لا سياسياً ولا مجتمعياً،ويبدو بأن دولة الكيان ستصل الى المرحلة التي وصلت اليها الدولة العثمانية في أواخر أيامها.