"مباط عال" : زيارة بايدن فرصة لترسيخ مكانة إسرائيل في المنطقة

حجم الخط

بقلم: تامير هايمن وإلداد شافيط*


من المتوقع أن يزور رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الشرق الأوسط بين 13-16 تموز، وستشمل الزيارة إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وبعدها، سيطير مباشرة إلى جدة في السعودية لإجراء لقاءات مع القيادات السعودية، قبل أن يشارك في قمة تجمع قيادات الدول الخليجية، التي سينضم إليها زعماء مصر والأردن والعراق.
اتخذ قرار بايدن زيارة إسرائيل قبل عدة أشهر، قبل أن يتم إضافة السعودية إليه. وتعكس الزيارة بالأساس رغبته بالتشديد على التزامه الشخصي الاستثنائي تجاه إسرائيل، ورغبته بالتعبير عن "التزام الولايات المتحدة الكامل بأمنها وازدهارها". ومن وجهة نظره، فإن أهمية الزيارة تنبع من مجرّد القيام بها، ومن إجرائها على الرغم من التطورات السياسية في إسرائيل. وخلال اللقاءات مع القيادة الفلسطينية ستؤكد الإدارة التزامها بحل الدولتين، من دون الكثير من التوقعات بشأن اختراقات في المسار السياسي.
وفي حين تعد زيارة إسرائيل مهمة شخصياً لبايدن، فإن الإدارة تولي أهمية فائقة لنجاح الزيارة في السعودية. وكان الرئيس وافق على إجراء الزيارة بعد تردد طويل ومعرفة بأن خطوة كهذه من شأنها أن تكون منتقدة أميركياً داخلياً، وخصوصاً بسبب الموقف من دور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. لكن الوضع الجيو- استراتيجي حالياً يستوجب أن تتبنى الإدارة طريقة أكثر واقعية من الالتزام بالمبادئ. فالأزمة الاقتصادية العالمية، التي حدثت بسبب الحرب المستمرة بين أوكرانيا وروسيا، تؤثر مباشرة في الولايات المتحدة وبصورة رئيسية تؤدي إلى ارتفاع كبير في التضخم، وتعزّز المخاوف من ركود اقتصادي حاد في أميركا. والانتخابات النصفية، التي ستُجرى في تشرين الثاني 2022، والخوف الحقيقي من خسارة الأغلبية الديمقراطية، عزّزا الفهم لدى الإدارة بأهمية تغيير النهج والاستراتيجية الشاملة بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط، بهدف إحداث تأثير إيجابي في أسعار النفط. مع ذلك لا يزال من المبكر التقدير إن كان الحديث يدور عن انقلاب في سلم أولويات الإدارة، واستعدادها لاستثمار موارد في المنطقة.
على جدول الأعمال الأميركي - السعودي هناك قضايا كثيرة، وثمة شكوك في إمكان حلّها جميعاً خلال الزيارة. ومن أهداف الزيارة:
- تخفيض سعر النفط من خلال التزام سعودي واضح بزيادة الإنتاج لوقت طويل. ومن وجهة نظر الإدارة، فإن التزاماً كهذا حتى لو لم يكن له تأثيرات مباشرة في الأسعار، فإنه سيؤدي إلى استقرار معيّن سيكون له تأثير في المدى البعيد.
- ترميم مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتمرير رسالة إلى الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، مفادها أنه من الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف مركزي، وذلك على خلفية النظرة التي ترسخت في السنة الأخيرة بأن الولايات المتحدة ستنأى بنفسها عن الشرق الأوسط. وأن لدى دول المنطقة نيّة بالتوجه إلى الشرق، وخصوصاً نحو الصين.
- تأسيس مخطط لتوسيع التعاون مع الدول الخليجية وسائر الدول العربية فيما يتعلق بإيران، وبالتنسيق مع إسرائيل بقدر الإمكان. من الواضح للإدارة أنه في ظل الاحتمالات الضئيلة لتجديد الاتفاق النووي مع إيران، فإن الأخيرة ستمضي قدماً في خطتها النووية. وفي حال تم التوصل أو لم يتم التوصل إلى اتفاق، تتوقع دول المنطقة من الولايات المتحدة أن يكون لديها خطة تضمن مصالح هذه الدول. ويبدو أن لدى الإدارة أيضاً مصلحة في تحمل جزء من المواجهة مع إيران ودول المنطقة، ومنع هذه الدول من التوجّه إلى خيارات لا تتماشى مع المصالح الأميركية.
- الدفع قدماً بخطوات تطبيعية إقليمية، بالأساس بين السعودية وإسرائيل. وقد ذكرت مصادر أميركية للصحافة أن الإدارة تعمل على "خارطة طريق للتطبيع" بين الدولتين، حتى أن بعض المصادر الإعلامية أشارت إلى لقاءات جرت بين مسؤولين إسرائيليين وسعوديين في مصر برعاية أميركية. هذا بالإضافة إلى أنه تم الإعلان عن نية الرئيس أن يبحث مع مضيفيه بـ "رؤية إنشاء منظومة دفاعية متكاملة ضد الصواريخ والسفن الهجومية". وسيكون من المهم للرئيس بايدن أن يسجل إنجازاً سياسياً ناجحاً كهذا قبل الانتخابات النصفية.

خلاصات وتوصيات لإسرائيل
تشكّل زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل لحظة مهمة، من شأنها أن تساهم في تعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة وأبعد من ذلك، وتوضح أن الولايات المتحدة لا تزال إلى جانب إسرائيل، وأن القيادة الأميركية لا تزال ملتزمة بأمن إسرائيل ورفاهيتها. لهذه الرسالة أهمية فائقة، وخصوصاً في الفترة الحالية، حيث تشير التقديرات إلى أن الإدارة الأميركية تخرج من المنطقة. وإن كانت الزيارة رمزية في جوهرها، إلاّ إنها، إلى جانب خطوات كثيرة تم اتخاذها في العام الأخير، تؤشّر إلى الاتجاه العام للإدارة بإيلاء الرئيس أهمية للتواصل الدائم مع إسرائيل على الصعد كافة. ولإسرائيل مصلحة في الحفاظ على الموضوعية والخصوصية التي تميّز هذه العلاقات، في الوقت الذي تحاول الإدارة منع الاختلافات من التأثير في العلاقة. وعلى إسرائيل أن تحافظ على العلاقات بهذه الروح وهذه الطريقة.
سمح الحديث الحميمي، الذي جرى بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال العام الماضي، بطرح المواقف بحريّة، ولو كانت متناقضة. ويجب أن تكون المصالح المشتركة والمختلفة واضحة لكلا الدولتين، في الوقت الذي تشكّل القدرة على تخطي الخلافات السياسية، والقدرة على صوغ سياسات مشتركة، مصلحة إسرائيلية عليا. وفي هذا السياق من الأفضل لمتخذي القرار في إسرائيل أن تكون هناك صورة واضحة للمصالح الأميركية وسلم أولويات الإدارة، وخصوصاً في مجال التنافس مع الصين والحرب الأوكرانية، وأن تأخذ السياسة الإسرائيلية هذه المصالح بعين الاعتبار قدر الممكن بهدف التوضيح أمام الإدارة، والكونغرس أيضاً، أن إسرائيل هي حليفة للولايات المتحدة تماماً كما الولايات المتحدة حليفة لإسرائيل.
ستكون إيران في صلب زيارة بايدن. فحتى بعد الإعلان عن تجديد المفاوضات، لا يزال مصير الاتفاق النووي غير واضح. فالإدارة واعية لأهمية الاستعداد لواقع من دون اتفاق نووي ولاستمرار خطة إيران النووية. ولهذا فإن التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضروري، وعلى إسرائيل أن تضع مع الإدارة الخطوط الحمر، والاتفاق مسبقاً على ردود سياسية، واقتصادية، وعسكرية في حال تخطّي هذه الخطوط. وفي المقابل، هناك ضرورة لتحليل المخاطر والفرص في حال تجديد الاتفاق، ومن المهم أن تعكس الزيارة رغبة الطرفين بالتخطيط سوياً للمعركة ضد إيران. وحتى لو طوّرت إسرائيل قدرات ذاتية، فإن لتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة في المجال العملياتي، وللدعم الأميركي للخطوات الإسرائيلية أهمية فائقة، بالأساس كورقة ضغط على إيران. وقد أثبتت الحرب في أوكرانيا أن المجتمع الدولي لا يتسامح مع هجمات عسكرية أحادية الجانب (وهذا ما سيحدث لمن ينظر من الخارج إلى عملية عسكرية في إيران).
في جميع الأحوال، إن تم تجديد الاتفاق النووي أو لم يتم فإنه يجب استغلال زيارة الرئيس بايدن لتقوية التنسيق الإقليمي أمام جهود إيران بالتمركز في المنطقة وتوسيع استعمال الصواريخ والطائرات المسيّرة. وفي هذا السياق، من المهم استمرار الدعم الأميركي للمعركة الإسرائيلية بين الحروب، بالتنسيق مع الدول العربية، والتشديد أمام الرئيس بايدن على أهمية إبقاء الوجود الأميركي في العراق وسورية.
في الزيارة فرصة كامنة لتعميق التوجه نحو التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، بصورة عامة والسعودية بصورة خاصة. وإن كانت فرضية إقامة حلف ناتو إقليمي منخفضة، فإن لـ"خطة طريق" تقوية العلاقات السعودية- الإسرائيلية أهمية استراتيجية لجميع الأطراف. من المفضّل لإسرائيل أن تركز جهودها بطرح أفكار لخطوات سرية وعلنية من جانبها لمساعدة السعودية على كسر الجمود والدفع قدماً بالعلاقات بوتيرة ملائمة. فإحداث اختراق في العلاقات السعودية - الإسرائيلية، سيشكّل نتيجة مهمة لجهود الرئيس بايدن.
وأخيراً، إن زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل والمنطقة هي فرصة لترسيخ الأمن القومي الإسرائيلي تستند إلى التزام أميركي كبير به. ومع أن التغيير في سياسة الإدارة تجاه السعودية - صحيح أنه نتاج أسباب دولية متغيّرة- إلاّ إنه ينطوي على فرصة لإسرائيل لتثبيت مكانتها والاستفادة من الفرص الكامنة في هذا التغيير.

عن "مباط عال"
*تامير هايمن باحث في المعهد، وإلداد شافيط باحث في المعهد في مركز أبحاث الأمن القومي.