تعاني فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، هذا الاحتلال الذي أسس وغرس بقوة السلاح والظلم والتآمر الذي نفذ عام 1917 بإعلان تصريح بلفور المشؤوم الذي عبر عن المؤامرة التي صنعتها الحركة الصهيونية والمملكة المتحدة بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. هذا التصريح الذي يعتبر باطلا أخلاقيا وقانونيا والذي وعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين رغم أنهم لم يشكلوا أكثر من 7% بعدد إجمالي لا يتجاوز 60 ألف نسمة من سكان فلسطين في ذلك الوقت، وأنكر حقوق الأغلبية وحصرها بالحقوق الدينية والمدنية وأنكر كافة حقوقهم السياسية والسيادية، ولم تكتف بريطانيا بإصدار هذا الوعد بل تعهدت صراحة بتنفيذه.
وفي عام 1922 صادقت عصبة الأمم على صك الانتداب بضغط من بريطانيا وأمريكا وفرنسا الذي تضمن بنصه أهداف تصريح بلفور، مخالفا ميثاق عصبة الأمم، ولتعمل بريطانيا على تقديم فلسطين للعصابات الصهيونية بدلا من تهيئتها للاستقلال. من خلال جهود منظمة قادها هربرت صموئيل أول مندوب سامي عين في فلسطين والذي حرص على بناء شراكة كاملة مع الوكالة اليهودية بما يحقق أطماع الحركة الصهيونية في فلسطين، وارتكبت بريطانيا فترة انتدابها أبشع جرائم القتل والتطهير العرقي والتهجير والنفي وهدم مدن كاملة بالتنسيق مع العصابات الصهيونية التي ساهمت بريطانيا بشكل كبير في تسليحها وتدريبها تمهيدا لتسليم فلسطين بشكل مفاجئ وقبل انتهاء فترة الانتداب للعصابات الصهيونية ليتحول الانتداب البريطاني إلى احتلال صهيوني. وليتورث الاحتلال من الانتداب أيضا الأنظمة والقوانين العنصرية التي ما زال يعمل بها حتى اللحظة في إشارة لوحدة المنهج والرؤية مثل قانون هدم المنازل، والاعتقال الإداري وتصنيف الأراضي وغير ذلك من القوانين الجائرة.
وهنا أنوه للمعركة القانونية التي بدأناها ضد الحكومة البريطانية بشأن الآثار الناتجة عن تصريح بلفور أمام القضاء الفلسطيني ابتداء وثم تكليف المحامي الدولي بن اميرسون والذي بدأ بتجهيز ملف الدعوى لتحريكها أمام القضاء البريطاني ، وبذلك عودة لأصل النكبة ولتذكير العالم بأن إسرائيل دولة احتلال أسست بموجب سند باطل.
وفي عام 1947 أصدرت هيئة الأمم المتحدة قرار التقسيم 181 والذي كان ظالما بكل ما تحمله الكلمة من معنى حين منح 54% من أراضي فلسطين التاريخية لليهود الصهاينة وكانوا في حينه لا يشكلون أكثر من 33% من سكان فلسطين، ولم يمتلكوا أكثر من 7 % من الأراضي رغم كل التسهيلات البريطانية التي سعت لتشجيع هجرة اليهود لفلسطين وتمكينهم من الاستيلاء على الأراضي.
وفي عام 1948 كانت نكبة فلسطين والإنسانية، حين شهد العالم أبشع جريمة ضد الإنسانية تمثلت بتهجير شعب بأكمله وهدم مدن وحرق بيارات وغير ذلك من الجرائم والمجازر.
ومنذ ذلك الوقت يقدم الشعب الفلسطيني التضحيات ويسطر أروع صور البطولة والنضال في مواجهة الاحتلال والدفاع عن حقوقه، وعانى لأجل ذلك كافة أشكال المعاناة ، وقدم كذلك الكثير من التنازلات أبرزها التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993 كاتفاق مرحلي واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية اعترافا متبادلا بإسرائيل التي نسفت ودمرت كافة بنود الاتفاقية منذ اغتيال رابين عام 1995 وثم العمل على حصار الشهيد ياسر عرفات وصولا لاغتياله عام 2004.
ولاحقا قبل الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي المبادرة العربية للسلام عام 2002 والتي نصت على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ، رغم الحق الفلسطيني بكامل فلسطين من النهر إلى البحر.
وأمام هذه التنازلات مقابل السلام ،يمضي الاحتلال الإسرائيلي بضم الضفة وتهويد القدس وممارسة الارهاب ودعم إرهاب المستوطنين، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد تخلت عن دورها كراع نزيه لعملية السلام فأغلقت مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية و صنفتها منظمة إرهابية ونقلت السفارة واعترفت بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وأعلنت عن صفقة القرن، أما المجتمع الدولي الذي يتغنى بحقوق الإنسان والقانون الدولي والأخلاق والقيم الإنسانية فلم يفلح في تنفيذ أي قرار من قراراته التي اتخذها ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه والتي بلغت مئات القرارات ، بل كافأ إسرائيل بانتخابها رئيسا للجنة القانونية في الأمم المتحدة. أما بعض الأشقاء العرب فقد هرولوا نحو التطبيع المجاني ، وحاولوا سلب إرادة الشعب الفلسطيني والتفاوض نيابة عنه رغم تبنيهم سابقا للمبادرة العربية للسلام.
ظلم وقهر بدأ ويستمر بل ويتزايد في ظل عالم يشارك ويتحمل مسؤولية كل الجرائم التي ترتكب يوميا في فلسطين، وفي الوقت الذي يتوجب علينا أن نزداد توحدا وتلاحما في مواجهة هذا الإرهاب والتآمر العالمي والتطبيع العربي المجاني للأسف نزداد تشتتا وضعفا وانقساما.
الواقع لم يعد يحتمل أن نمضي بنفس النهج فنحن نمضي نحو التهلكة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وقد حان الوقت أن ننفض الغبار عن واقعنا المرير ، وأن نحاسب أنفسنا أولا ونعلن إنهاء الإنقسام فورا ونجتمع تحت مظلة البيت الفلسطيني والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية لنعيد بناءها ونتوجه لصناديق الاقتراع ضمن جدول زمني لا يتجاوز ستة أشهر وجميع الاتفاقيات السابقة لإنهاء الإنقسام والتي وقعت برعاية من الشقيقة الكبرى مصر كفيلة بتصويب الحالة الفلسطينية. حان الوقت أن نمضي ضمن استراتيجية نضالية واحدة تحصن بيتنا الفلسطيني وتمضي بنا نحو إنهاء الاحتلال وتقدم كخطة واضحة للقمة العربية القادمة والمزمع تنظيمها في جمهورية الجزائر خلال شهر تشرين الثاني وبتاريخ يصادف الذكرى الخامسة بعد المائة لتصريح بلفور المشؤوم.
حان الوقت أن نحسم تحالفاتنا مع من ينتصر لقضيتنا و نقطعها مع من يتآمر علينا ، حان الوقت أن نغير خطابنا مع الغرب والولايات المتحدة الأميريكية ونحدد مطالبنا بشكل واضح ضمن فترة زمنية محددة.
حان الوقت أن نعود لشعبنا وأن نتسلح بإرادة شعبنا الذي أثبت أنه صمام الآمان والضامن الأول لحماية الحق الفلسطيني والدفاع عنه وأن نحسم خياراتنا اتجاه المقاومة الممنهجة والمدروسة والتي هي السبيل الوحيد لإنهاء أي احتلال على الكرة الأرضية.
المنطقة اليوم تترقب زيارة الرئيس بايدن وهي تغلي على صفيح من لهب، الرئيس بايدن القادم لعدة أهداف أبرزها إنقاذ معسكر الغرب في مواجهة آثار الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك يحاول جاهدا بناء تحالف عسكري جديد يعزز دور إسرائيل وسيطرتها العسكرية في المنطقة، إضافة لمحاولته تقديم بعض المجاملات للفلسطينيين لا ترتقي لمستوى الطموحات السياسية المطلوبة، أو حتى مستوى التعهدات الأمريكية الخجولة والمتمثلة بالالتزام بإعادة فتح القنصلية الاميركية في القدس الشرقية، وفتح مكتب المنظمة في واشنطن وإزالتها من قائمة الإرهاب واعتبارها شريكا للسلام.
فلسطين ضحية ظلم عالمي ، والعالم بأسره مسؤول عن إنهاء الاحتلال فورا، والاعتراف فورا بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والعمل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية بشأن الحقوق الفلسطينية كافة وتحديدا حق العودة.
وعليه رسالتنا يجب أن تكون واضحة للإدارة الأميركية بأنه لا مكان للمجاملات ، وبأن الكيل قد طفح وما عاد مجال للاستمرار على هذا الحال ، ورسالتنا للقادة العرب قبل لقائهم مع الرئيس بايدن في جدة بأن ينتصروا لفلسطين ليس لأجل فلسطين فحسب وإنما من أجل الوطن العربي بأسره وحمايته من أطماع الحركة الصهيونية التي ظهرت جليا من خلال أحداث الربيع العربي والتي دمرت دولا وأضعفت دولا أخرى.
وقبل هذا كله علينا أن ندرك بأن شعبنا لن يثق بنا ، والعالم لن يأبه بنا ونحن منقسمين مشتتين ، وأمامنا فرصة تاريخية وهي مبادرة الجزائر لإنهاء الإنقسام ، وهي فرصة تكاد تكون الأخيرة من دولة شقيقة هي الأقرب على فلسطين وترتبط مع القضية الفلسطينية بعلاقات تاريخية ومواقف مشرفة تنطلق من منطلق حرص واحد وهو حرص الجزائر على فلسطين، وعليه فإن الاستجابة للمبادرة الجزائرية واجب ، ورفضها خيانة وجريمة ستتسبب لنا بكارثة حقيقة . وهنا رسالتنا لقادة حركتي فتح وحماس للاستجابة لنداء الشعب الفلسطيني ونداء الغالبية العظمى من كوادرهم وكوادر القوى والفصائل الفلسطينية ، وقريبا سنعلن عن عريضة شعبية وقعت من قبل مليون شخص حول العالم لتفويض الجزائر لإنهاء الإنقسام.
فلسطين أرض الأنبياء ، وبوابة الأرض إلى السماء ، ووصية الأحرار ، وعهد الشهداء ، فلسطين قضية الحق ، والحق يعلو ولا يعلى عليه، فلسطين هي فلسطين من شمالها إلى جنوبها أرضا عربية محتلة مؤقتا ولا بد أن يستمر النضال وتتراكم الجهود حتى إنهاء الاحتلال والسبيل الوحيد لذلك هو إنهاء الانقسام وتعزيز المقاومة كحق طبيعي كفله القانون الدولي