بيان الخارجية الأمريكية بخصوص المقذوف قاصر ومشوه !!‏

44idX.png
حجم الخط

بقلم:ابراهيم شعبان


بعد الضجيج والتصريحات القائلة بعدم التسليم المقذوف الناري الذي أخرج من رأس ‏المرحومة الشهيدة شيرين أبو عاقلة لأية جهة كانت، تراجعت السلطة الفلسطينية بعد ضغوطات ‏متعددة، لتقوم بتسليم المقذوف إلى منسق امريكي حضر خصيصا، ليقوم بفحص المقذوف في ‏السفارة الأمريكية بمشاركة إسرائيلية وعدم حضور فلسطيني. وبعدها لتقوم وزارة الخارجية ‏الأمريكية عبر ناطقها الرسمي بإصدار بيان رسمي ناقص مشوه غير إيجابي منحاز غير محايد ‏قاصر، بخصوص الحادث والفحص في عدة سطور، شابه التلخيص والإيجاز كما يقول البيان ‏نفسه.‏
الخبير الأمريكي الذي لم يفصح عن اسمه ولم يعرّف ولم يبّين وصفه إن كان فردا أو لجنة أو ‏مؤهلاته وخبرته، اعتبر أن المقذوف (هكذا ) وصل بشكل مشوه ‏Damaged‏ ‏Badly‏ ، دون ‏بيان أوجه التشويه وأسبابه، وبالتالي لا يمكن الجزم برأي حاسم وقاطع حول السبب الحقيقي في ‏مقتل شيرين ابو عاقلة الفلسطينية الأمريكية رغم نتائج الطب الشرعي والتحقيقات الفلسطينية ‏والإسرائيلية. ووجد الخبير عدم توفر قصد جنائي واضح في القتل بل حدثا مأساويا في ظل ‏عملية عسكرية إسرائيلية ضد منظمات الجهاد الإسلامي التي تبعت سلسلة من العمليات ‏"الإرهابية" ضد إسرائيل. ‏
ولم ينس بيان وزارة الخارجية الأمريكية في ختامه أن يزجي الشكر لتشجيع التعاون بين ‏إسرائيل والسلطة في هذه القضية الحساسة والتفكير في الخطوات التالية لتحقيق العدالة وكشف ‏المسؤولية، وتقديم العزاء لعائلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة.‏
بهذا اختتم الدور الأمريكي غير المحايد السلبي في موضوع المقذوف، ولم يكن متوقعا أفضل ‏من ذلك، ولم يكن سوى ذر للرماد في العيون. وبذا أقفلت القضية، واختصرت الموضوع برّمته ‏في مقذوف ناري عبر ما يسمى بالقانون برابطة السببية. واجتزىء الموضوع وتم تشويهه عبر ‏الفلسفة والسياسة البراغماتية الأمريكية وقبره في مهده وحصره في جزئية صغيرة محدودة.‏
كتبنا وكتب غيرنا أن اي محقق أو لجنة تحقيق في أي موضوع على الإطلاق - فما بالك حينما ‏تكون أمام جريمة قتل لصحافية محترمة - ، يجب أن يكون محايدا مستقلا نزيها. ومن المبادىء ‏المستقرة في العلوم القانونية والإنساني أنه لا يجوز للمتهم أن يحقق مع نفسه أو مع ذاته. ‏وبالتالي لا يجوز لجيش الإحتلال أن يقبل تحقيقه مع جنوده وضباطه كبينة قانونية أمام محاكمة ‏عادلة، لشبهة التواطؤ الظاهرة الواضحة لتنازع المصالح. يمكن لجيش الإحتلال أو غيره من ‏جيوش العالم، أن يحقق تحقيقا داخليا مع أحد جنوده أو ضباطه، فهذا أمر لا يعنينا البتة لأنه ‏شأن داخلي ، فالذي يعنينا هو التحقيق الموضوعي الذي يصلح أن يقدم كبينة أمام محكمة ‏منصفة لتقديم العدالة.‏
دعونا من التاريخ البعيد، ألا نتعلم درسا من التاريخ القريب في الحياد الأمريكي وأنا لا أتحدث ‏عن الجانب السياسي بل عن الجانب القانوني. متى كانت الولايات المتحدة تنتهج سياسة الحياد ‏في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي القانوني. ألا نتعظ من دروس التاريخ وكيف تصرفت ‏الولايات المتحدة حينما تكون الضحية أمريكية من أصل فلسطيني. استشهد قبل زمن ليس ‏ببعيد، الكهل عمر عبد المجيد أسعد ألأمريكي البالغ الثمانين من العمر في جلجليا. فماذا فعلت ‏أمريكا وماذا قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكي نيد برايس وقتها وهو ذاته الذي أصدر ‏بيان وزارته الحديث. لقد تهرب من مسؤولية إدانة الجيش الإسرائيلي رغم وضوح مسؤوليته ‏واكتفى بكلمات عبثية تحمل المواساة الكاذبة، لكنها لا تتخذ إجراءات فعالة ضد مرتكبي جريمة ‏القتل من جنود الجيش الإسرائيلي. قد يقال أن هذه حادثة نادرة، ولكن دعونا نذّكر بنسف بيت ‏أو فيلا المواطن الأمريكي من ترمسعيا والأب لسبعة أبناء والبالغ من العمر أربعة وأربعين ‏عاما، ولم تتحرك الإدارة الأمريكية تجاه أمر يشكل ضربا من ضروب العقوبات الجماعية ‏وخرقا فاضحا للقانون الدواي الإنساني. ماذا فعلت أمريكا تجاه منتجات المستوطنات، تجاه ‏منظمة بي دي إس للمقاطعة، تجاه شركة حفارات كاتر بيلر العملاقة التي تهدم بيوت ‏الفلسطينيين الآمنة، وشركات إنتاج القنابل الغازية والرصاص المطاطي والمعدني، التي يمطر ‏الجيش الإسرائيلي بها المدنيين الفلسطينيين وتتركهم مشوهين. أليست هذه العدالة الأمريكية ‏والحياد الأمريكي الذي نقبل به ونتوسل إليه. ‏
الولايات المتحدة الأمريكية ليست وسيطا منصفا، ولا محكما عادلا، ولا طرفا مستقلا، في ‏موضوع قتل المرحومة شيرين أبو عاقلة، فكيف سلمناها مقاليد الأمور ووضعنا بيضنا في ‏سلتها لتخرج علينا بهذا البيان الهزيل، فتاريخها ينضح بالعكس. فهذه الدولة لن تستطيع المساس ‏باللوبي الصهيوني الإسرائيلي تماما مثل لوبي السلاح. الولايات ليست عضوا في ميثاق روما، ‏ولا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية كمحكمة جنائية دولية لمحاربة الإجرام الدولي، بل تحاربها ‏في كل مجال وتشتري ولاء كثير من الدول الفقيرة في هذا المجال، لأنها تعلم هي وربيبتها ‏إسرائيل أن هذه المحكمة خلقت لمحاكمة الجنود الأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم إذا ما ‏اقترفوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة أو جرائم العدوان. ‏
تورط بيان الخارجية الأمريكية، بدون سبب سوى مجاملة الإسرائيليين على حساب الدم ‏الفلسطيني، بوصف أعمال المقاومة الفلسطينية بالأعمال الإرهابية. وبالمقابل لم يذكر كلمة ‏واحدة أو إشارة واحدة للإحتلال الإسرائيلي للمنطقة ، وصلاحياته تجاه المدنيين وكيفية دخوله ‏المناطق المدنية، وهو أمر مقر به دوليا وقانونيا. ومن نافل القول أن هذا البيان لم يتطرق ‏لحماية الصحفيين اثناء النزاعات المسلحة. ‏
حتى المحكمة الجنائية الدولية القابعة في لاهاي، من ساعة تولي كريم خان البريطاني وظيفة ‏المدعي العام لها قبل عام، وهي تراوح مكانها ولم تتقدم باية خطوة جدية في مسائلة الجيش ‏الإسرائيلي عن جرائمه في الأراضي المحتلة. وبالتالي يجب أن يبحث الفلسطينيون عن ملاذ ‏آخر غير هذه المحكمة المتثاقلة. ‏
يجب أن لا نثق كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا في سياساتها ولا في قوانينها، فهي من ‏عام 1948 تتبنى السياسة الاسرائيلية ولا يرجى منها خير، ولا تملك 99% من أوراق اللعبة كما ‏يشيع البعض، ولنعتمد على سواعدنا أولا وأخيرا ولا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين!!!‏