زيارة بايدن: سياسية الى الكيان..سياحية في بيت لحم وانتهازية في الرياض!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 في 14 ديسمبر 1998 وصل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الى أرض مطار غزة، في زيارة جسدت تطورا في التعامل مع فلسطين، بعد أن أفشل رئيس حكومة دولة الكيان العنصري في حينه نتنياهو، نتائج تفاهمات "واي ريفر قبلها بأسابيع، فكان قرار إسقاطه وإجراء انتخابات جديدة في الكيان.

زيارة كرست بعدا سياسيا خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع فلسطين القضية والخالد ياسر عرفات، عندما قرر دخولها عبر مطارها الأول منذ قيام السلطة الوطنية 1994، كرسالة تعزيز، ولكنها زيارة لم تتمكن من حماية مسار سلام يصل الى نهايته المتفق عليها في اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو)، رغم نجاح المرشح الأمريكي بارك في انتخابات الكيان، بل حدث عكس كل التوقعات.

فبدلا من قيادة استكمال معركة السلام التي بدأت 1993، قاد باراك معركة الحرب والتخريب لكل ما تم اتفاقا، واختار شارون "حليفا سريا" لتدمير أسس السلطة الفلسطينية بكل مكوناتها، وبدأ بمطار غزة الذي استقبل كلينتون قبل عدة أشهر لا غير...

الحديث عن زيارة الرئيس الأمريكي الأول الى أرض فلسطين في زمن الخالد أبو عمار، بكل ما حملت من "رغبات خاصة" حملها كلينتون، إلا أن حكومة باراك اقتلعت كل مجال للمضي قدما بما بدأ، فكان الخراب العام، الذي بدا مساره بعد 11 نوفمبر 2004، باغتيال المؤسس أبو عمار، وفتح الباب لتخريب سياسي بعد التدمير الكياني الأول، من باب "ديمقراطي" عبر انتخابات يناير 2006، التي جاءت تكملة لمخطط باراك شارون بالخلاص من ياسر عرفات الرمز والإرث والتكوين الكياني..وحدث لهم ما خططوا بفوز حماس التي قادت أول تخريب وطني بأيد محلية تلبية لرغبة إسرائيلية – أمريكية.

ولاحقا زار بوش وأوباما وترامب وفلسطين ولكنها زيارات لم تترك أثرا حتى في الذاكرة الوطنية، لأنها زيارات تكميلية، بل مع كل زيارة نتج عنها مزيدا من "تهويد واستيطان" وفصل القدس عن فلسطين، بأشكال مختلفة، وما تركت لأهل البلد غير ابتسامات و"فرحة فردية" لبعض ممن يبحثون صورا مع رئيس أمريكي، دون تفكير بما قدمه لعدوهم مقابل ابتساماتهم.

زيارة بايدن الى فلسطين التاريخية يوم 13 يوليو 2022، قد تكون هي الأخطر من بين كل زيارات رؤوساء أمريكا (عدا كلينتون)، حيث سيؤكد رسميا أن "القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة"، وأن ما حدث من قرار سابق بات واقعا، وتأكيدا لذلك سيكرسها في "إعلان القدس" الاستراتيجي لتعزيز الحماية الأمنية لدولة الأبرتهايد، تحت مسمى مواجهة "الخطر الإيراني"، وكلاهما يعرف أنه ليس سوى "خطر وهمي" يخترعانه لتبرير أشكال أخرى من الابتزاز للواقع العربي.

زيارة بايدن الى إسرائيل، ستؤكد أنها "الدولة الوحيدة" التي تنال الغطاء الأمريكي المطلق، وترتيبات الزيارة وأماكنها مؤشر لجوهرها، ليس فقط بإعلان تأكيد العاصمة، بل للمصانع الأمنية المنتجة لسلاح خاص، وليس بعدا سياسيا فحسب، ترسيخا لتطور جذري نحو علاقة استراتيجية بشراكة أمنية جديدة، رغم ان الكيان يعيش مرحلة انتقالية سياسيا انتظارا لانتخابات قادمة في أكتوبر 2022.

لا ضرورة لإعادة التأكيد ما قاله بايدن قبل أشهر في رسالته بمناسبة اعلان دولة الكيان غزوا في فلسطين، بأنها لو لم تكن موجودة لوجب إيجادها، إهانة سياسية كانت تستحق ردا ممن يرون أنهم يمثلون فلسطين، ليس فقط بيانا أو تغريدة بل موقفا من فصيلهم المركزي، الذ أطلق رصاصة الثورة التي أمل شعب فلسطين ألا يتم خطفها مرتين.

ولأن فلسطين قضية من الصعب مغادرتها بقرار أمريكي أو غيره، لم يكن بإمكانه أن لا يجدول "زمنا مقطوعا- Time Out" للذهاب الى بيت لحم "بمكانتها الدينية"، فيلتقي رئيس سلطة متعثرة التعريف، وفريق أصيب بهوس "لقاء دقائق محسوبة"، سيكون ثمنه السياسي "فك ارتباط رسمي بقرارات المجلس المركزي"، بدلا من "فك ارتباط" بدولة العدو القومي، ووقف كل مطارة لدولة الكيان في الجنائية الدولية، والسماح بدم شيرين أبو عاقلة بعد تقريرهم الأخير، وتهويد القدس رسميا، وتعزيز تهويد الضفة وفتح الباب لاستيطان جديد، مع وعد ببحث "قائمة الطلبات الفلسطينية الخمسة" (فتح قنصلية بالقدس الشرقية، إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، رفع اسم المنظمة من قائمة الإرهاب، إعادة المساعدات المالية وفتح أفق سياسي".

التدقيق في المطالب ذاتها، تمثل إهانة سياسية مضافة بتقزيم الحق الى رجاء، وانعدام أي حالية شرطية تلزم الكيان بوقف التهويد والاستيطان، ووضع حد لقضية القدس، التي كان يجب أن يتم انتزاع بيان أمريكي رسمي حول القدس الشرقية عاصمة لفلسطين مقابل الغربية عاصمة للكيان، لو كان التمثيل الرسمي يدرك قيمة القضية الوطنية في صوابها وليس في تيهها.

ربما يمنح بايدن وعودا جديدا، كي لا يشجع الفلسطيني الذي يختزنه غضب مركب، كوعد بترتيب لقاء بين عباس ولا بيد لاحقا، ومنح بعض مال من أموال غير أمريكية، للمستشفيات، (يبدو أن اعلان الإمارات حرمه من استغلال مالهم كدعاية له)، ووعد بدراسة مسألة المكتب ووضع المنظمة وتفكير ما بقضية مكتب بديلا للقنصلية، كجزء من السفارة الرسمية، وهنا يربح التهويد السابق ويعززه بتهويد جديد.

زيارة بيت لحم ليس سوى سياحة سياسية للذهاب منها الى المكان الأكثر تعقيدا في رحلته التي هي أصل الزيارة، السعودية، بعدما "اقسم أيمانا مغلظة" بعدم زيارتها للقاء أميرها الفاعل بالحكم، وصاحب القرار الأول محمد بن سلمان.

زيارة بايدن الى الرياض، هي المسألة المركزية لرحلته المفاجئة، والتي تردد القيام بها تجنبا للقاء الحاكم السعودي بن سلمان، ولكن حرب أوكرانيا وتطورات أزمة الطاقة وتداعيتها العالمية، كسرت شوكة "الكبرياء الأمريكي" فقرر الحضور، محاولا تبرئة الذمة بإعلان أنه سيزور السعودية دون لقاء بن سلمان، ليجد نفسه في ورطة مضافة بأنه لا زيارة ستكون بذلك "الشرط الغبي"، ليعلن تراجعا مهينا، ندر أن يصدر من رئيس أمريكي، بإعلانه لقاء ولي العهد.

زيارة بايدن الى الرياض، بعيدا عما يقال ويتم ترويجه في قضية "التطبيع" وتعزيز أواصره، لكن الحقيقة غير ذلك وربما حاولت "الصهيونية" في أمريكا والكيان تضخيمها لتغطية "هرولة بايدن" نحو بن سلمان بحثا عن تغيير معادلة "انتاج النفط"، والتي قد يخرج منها بخفي حنين، فكان البديل الآخر لكيلا يبدو رئيس أمريكا عاد منتكسا، فكان ترويج قضية "الناتو الشرق أوسطي"، وهي الفكرة التي لن تر نورا ولا شمعة في الزمن الراهن.

زيارة بايدن ستحمل مفارقة تاريخية...صفعة للرسمية الفلسطينية بتجاهل كل ما راهنت عليه دعما لمكانتها المرتعشة جدا...مقابل صفعة سعودية له من الرياض بأن النفط لن يكون سلاحا بيده ضد روسيا.

المعادلة التي أنتجتها حرب أوكرانيا.. عالم مختلف وجديد..لن يكون العرب أداة استخدام أمريكية، بل أداة فرض في معادلة تتكون بأسرع مما يعتقد البلداء!

ملاحظة: التسابق في اعلان "خطوات لم شمل ومنح هويات" عشية زيارة بايدن، اعتراف مسبق بثمنها المدفوع للرسمية الفلسطينية...كل واحد وسعرة!

تنويه خاص: كان محزن جدا بلاش نقول معيب جدا، ان يغيب الرئيس محمود عباس عن زيارة ضريح الخالد صباح يوم "عيد الأضحى" ومعه كل أعضاء التنفيذية ومركزية فتح (م7)...تجاهل يثير غضبا دون أن يمس مكانة الخالد أبدا!