على الرغم من الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أثناء حملته الانتخابية بالالتزام بخيار حل الدولتين للقضية الفلسطينية ورفض "صفقة القرن" إلا أنَّ سياسته في التعامل مع الفلسطينيين قائمة على إطفاء الحرائق مثل ما حدث حينما تدخل لإيقاف الحرب على غزّة؛ وليس بتنفيذ وعود فتح القنصلية الأمريكية في القدس وإزالة منظمة التحرير عن قوائم الإرهاب.
ثلاث قضايا مركزية على أجندة زيارة بايدن
وفي ضوء هامشية القضية الفلسطينية على أجندة زيارة الرئيس بايدن للمنطقة، تنخفض تطلعات وآمال الفلسطينيين على نتائج هذه الزيارة التي يفوح منها رائحة النفط وتوفير الأمن لدولة الاحتلال.
لكِن ما سبق يطرح علامات استفهام حول أسباب تهميش إدارة بايدن للقضية الفلسطينية، وكيف سيتعامل الفلسطينيون مع محاولات إدارة الرئيس "بايدن"، استبدال "الحل السياسي" بآخر "إنساني اقتصادي".
بدوره، رأى مدير مركز الاستشارات الدولية في حيفا، وديع أبو نصار، أنَّ "الرئيس بايدن لا يتعامل خلال زيارتة للمنطقة مع الفلسطينيين على أساس أنهم أصحاب حق تحت الاحتلال، وإنّما بحاجة لمساعدات إنسانية؛ بينما يتعامل مع إسرائيل من ناحية سياسية".
وقال أبو نصار، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ الهدف الرئيس من زيارة بايدن للمنطقة هو السعودية، أما زيارته لإسرائيل وفلسطين فهي على الهامش".
وأضاف: "إنَّ ثلاث قضايا مركزية ستكون على أجندة زيارة بايدن، الأولى هي أسعار النفط، والثانية إيران، أما الثالثة فهي قضايا أمنية، تهم سياسات إسرائيل وعلاقاتها مع الولايات المتحدة"، لافتاً إلى أنَّ الفلسطيني لاعب ثانوي في هذه القضايا.
الأداء الفلسطيني التعيس وراء تهميشهم
وبالحديث عن أسباب تهميش الإدارة الأمريكية للقضية الفلسطينية، أوضح أبو نصار، أنَّ السبب الأبرز والأهم هو الأداء الفلسطيني التعيس، مُشيراً إلى أنَّ هذا الأمر لا ينطبق على الرئيس محمود عباس، بل على كل الفرقاء الفلسطينيين حتى حركة حماس، فليس هناك عمل عسكري أو سياسي.
وتابع: "الجانب الفلسطيني في حالة ترهل وضياع للبوصلة بسبب الخلافات الداخلية؛ والتي تعكس للآخرين بأنَّ الفلسطيني ليس صاحب قضية وهذه مأساة كبيرة"، مُستدركاً: "من بين الأسباب أيضاً غياب دعم العالم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية وشعبها".
وأردف: "ومن بين الأسباب كذلك تحييد القضية الفلسطينية، بسبب انشغال الإقليم بقضايا أخرى"، مُضيفاً: "عالميًا يكاد لا نجد أحد يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني أو عن ضرورة إنهاء الصراع، فالأكثرية تتحدث عن حلول إنسانية واقتصادية، وقلائل من يتحدثون عن حق تقرير المصير الذي يجب أنّ يتمتع به الفلسطينيون شأنهم شأن سائر دول العالم".
ولفت إلى أنَّ "إسرائيل" غير معنية بالحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتتعامل مع الفلسطينيين كرعايا، مُعتقداً أنّه لا أحد يجرؤ على مواجهة "إسرائيل" مروراً بإيران والعرب؛ وبالتالي هذه الأسباب مجتمعه تدفع إلى الوضع الراهن.
سلاح الديمغرافيا والوهم
أما عن خطورة قبول الفلسطينيين بالتسهيلات الاقتصادية على حساب الحل السلمي، قال أبو نصار: "إنَّ الكثير من الفلسطينيين يعيشون في الوهم، بمعنى أنّه طالما غير قادرين على فعل شيء، فدعونا نقبل بالوضع الاقتصادي، والحالة الديمغرافية والتكاثر الطبيعي ستفرض على إسرائيل عاجلاً أم أجلاً حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة".
واستدرك: "البعض يرى أنّه طالما ليس لدينا القدرة العسكرية ولا السياسية لمواجهة إسرائيل؛ فدعونا نقبل بالفتات المعروض علينا وهي أفضل من لا شيء، والزمن سيلعب لصالحنا"، مُتابعاً "هذه أحلام وأوهام؛ لأنّنا سمعناها عبر عشرات السنين، وإسرائيل تزيد قوة وسيطرة على الوضع في الميدان؛ وبالتالي يكفي النظر إلى الخريطة لمعرفة من المسيطر على الأرض".
واستطرد: "الديمغرافيا مهمة ولاعب مركزي؛ لكِن ثبت أنّ أكثر من مليار مسلم لم يستطع عمل شيء لدولة إسرائيل؛ وبالتالي هذه الأحلام والأوهام عند بعض الفلسطينيين سواء في الضفة أو غزّة كارثية لأنّها تؤدي إلى الكسل"، مُعتقداً أنَّ الحل كفاح غير مسلح لأنَّ الكفاح المسلح ذو حدين، ولابّد من كفاح غير مسلح مع قيادة نظيفة اليد وجريئة وواضحة.
الانشقاق الفلسطيني
من جهته، بيّن المختص في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي، أنَّ "القضية الفلسطينية تُعتبر هامشية بالنسبة للإدارة الأمريكية؛ خاصةً في ظل الانشقاق الفلسطيني الذي ترك آثار عميقة على القضية".
وقال الهندي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ زيارة الرئيس بايدن، ليست كعادة الرؤساء الأمريكان، فالهدف منها معالجة بعض الأزمات التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا؛ خاصةً أزمة أوكرانيا وما يترتب عليها من ارتفاع أسعار النفط والبترول".
وتابع: "إنَّ هدف الزيارة الأول والأخير هو النفط وليس أيّ شيء آخر، وهي أيضاً بناءً على ضغوطات إسرائيلية ومطالب من بعض اللولبيات الصهيونية في الولايات المتحدة، ليس لإنشاء تحالف شرق أوسطي؛ لأنّه موجود في اللحظة التي نقلت فيها الإدارة الأمريكية السابقة "إسرائيل" من قيادة أوروبا في الناتو إلى الشرق الأوسط".
كما استبعد الإعلان عن هكذا حلف؛ لسبب بسيط وهو أنَّ إدخال "إسرائيل" على المنظومة الإقليمية، يُقيد وجود دول كبرى في الشرق الأوسط مثل مصر والجزائر، وبالتالي مصر سترفض أنّ تكون جزءً من الحلف الذي سينتقص من قوتها الإقليمية.
واستكمل: "الهدف الأساس هو دفع السعودية إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، وفي حال نجاح ذلك الأمر فستكون أكبر ضربة يتم توجيهها للقضية الفلسطينية، حيث سيتم ترك الفلسطيني للغول الإسرائيلي"، مُعتبراً أنَّ القضية الفلسطينية بالنسبة للإدارة الأمريكية، عبارة عن إطفاء حرائق ليس أكثر، وتهدئة إلى حين مواجهة أخرى تماماً كالسياسية الإسرائيلية.
وبسؤاله عن خطورة استبدال الإدارة الأمريكية الحل السياسي بالحل الاقتصادي للقضية الفلسطينية، أشار الهندي، إلى أنَّ "المساعي الأمريكية والإسرائيلية هي إلهاء الفلسطينيين في غزّة بالبحث عن الماء والكهرباء، والضفة في البحث عن بعض الإنجازات للشعب على شكل لم شمل وتصاريح، وبذلك يتم تغييب الشق السياسي لدى كلا الجانبين".
وختم الهندي حديثه، بالقول: "يجب على الشعب الفلسطيني أنّ يُجبر قياداته على تبني معادلة جديدة ليس لها علاقة فيما يجري بالمنطقة من محاولات تحويل الفلسطينيين سواء في غزّة أو الضفة إلى عبيد في سوق العمل الإسرائيلي".