هل فقدت شعوبنا العربية قدرتها على الغضب؟

حجم الخط

بقلم  معتصم حمادة

 

 والمقصود بالغضب هنا هو الغضب في مواجهة الولايات المتحدة وإدارتها، وسياساتها في المنطقة بل في العالم كله.

من الذكريات التي لم تغادرني، ذلك اليوم الذي أعلن فيه في لبنان إضراب شامل، سارت في مدنه التظاهرات الشعبية الحاشدة، لا لشيء، سوى لأن مسؤولاً أميركياً بارزاً سوف يعبر بطائرته الرسمية الأجواء الدولية للبنان، هو لن يحط في مطار بيروت، لتناول القهوة، ومقابلة المسؤولين وغيرهم، فقط عبوره الأجواء الدولية اللبنانية شكل استفزازاً للشعور القومي للشعب اللبناني، فأضربت مدنه وتظاهرات تعبيراً عن غضبها الشديد لأن مسؤولاً أميركياً «ذا الوجه البشع» سوف يعبر الأجواء الدولية اللبنانية.

وإذا ما قارنا الأمس باليوم ماذا نرى؟

رئيس الولايات المتحدة الأميركية سوف يحط في مطار اللد في فلسطين «مطار بن غورين» ليلتقي قادة دولة الاحتلال، ثم زيارة خاطفة إلى بيت لحم للقاء الرئيس الفلسطيني ثم رحلة طيران مباشرة من إسرائيل إلى العربية السعودية حيث سيحتفي بوصوله حوالي قادة عشر دول عربية، قد يضاف لها إسرائيل في لحظة ما.

بالمقابل نرى أن الشارع العربي غير مبال بما سيحدث.

فقد أتى من قبل الرئيس ترامب، الذي حول فلسطين إلى عقار «باعتباره تاجر عقارات» قرر تقسيمه إلى عقارات بين أطراف المنطقة في صفقة أكاذيب أراد أن يزينها بالألفاظ الرنانة فأطلق عليها اسم صفقة القرن، مما أسال لعاب الكثيرين من عرب وفلسطينيين، ليتبين أن بائع العقارات لص من الدرجة الأولى، يعرف كيف يعيد توزيع الملكية على الحضور، محققاً لأنصاره وشركائه الحصة الأكبر.

جاء من قبل باراك أوباما الذي حاول أن يظهر بمظهر الرجل المثقف وطرح مشروعاً للتصالح مع الإسلام السياسي، فاشتعلت النيران في أكثر من بلد عربي، بحثاً عن أنظمة مالية جديدة، موالية للولايات المتحدة تلتحف بالإسلام، تستعمله سلاحاً في تكفير من يعارضها، فوجدت المنطقة نفسها أمام فئتين من التكفيريين «داعش من جهة، والإخوان المسلمون من جهة أخرى» كما وعدنا بحل قضية فلسطين ليدعي في نهاية ولايته الثانية أنه كان عاجزاً عن الضغط على حكومة نتنياهو لتستجيب لمشروع «حل الدولتين»؟ تحت إشراف واشنطن، مسلحة بالرباعية الدولية.

كما جاء بوش الابن «الذي استقبله العراقيون بالأحذية» مكافأة له على تدمير العراق وتدمير أفغانستان، وإتباع سياسة العربدة في أنحاء الكرة الأرضية، فقتل آلاف البشر لا لشيء سوى للدفاع عن حقوق الإنسان.

كما اعتبر والده، في بعض أقطارنا العربية بطلاً من أبطال الحرية.

أعاد الاستقلال إلى بعض البلدان التي احتلتها جيوش عربية في صراع فوضوي شهدته المنطقة أذكت نيرانه الولايات المتحدة.

كل هؤلاء قدموا إلى بلادنا، فأقاموا في أفخم القصور والفنادق، وأقيمت لهم الولائم والمآدب، وعزفت موسيقى الشرف، واقتحموا المساجد الفخمة واستدعى لهم الرؤساء والملوك والأمراء ليقدموا لهم واجب الطاعة والوفاء، وفي الوقت نفسه، كان يرافقهم رجال مال وأعمال، ومؤسسات وشركات اقتصادية تعقد الصفقات في الشركات والمصارف المحلية، بعشرات مليارات الدولارات، بما يمكنهم من شفط مليارات الدولارات من الأسواق العربية إلى أسواق الولايات المتحدة.

وتبقى الحالة العربية غارقة في الفقر المدقع، البطالة، والمرض، وسوء التغذية، والافتقار إلى البنية التحتية، ما أبقى عموم الحالة العربية، رغم البهرجة والبذخ، «خارج التاريخ».

كل هذا تجري وقائعه في واد والحالة الشعبية العربية في واد.

 صحيح أن الأحزاب العربية على اختلاف ألوانها السياسية، وطنية، قومية، يسارية، تقدمية، اسلامية، وغيرها، أعلنت عن رفضها قدوم الرئيس الأميركي بايدن إلى المنطقة، وأبدت امتعاضها من حكوماتها العربية التي ستكون في عداد المستقبلين، وصحيح أن هناك مؤتمرات قد ضمت، القومي، والإسلامي، وأطراف اليسار وغيرهم.

لكن صدى هذه المؤتمرات لم يتجاوز حدود النبأ الصحفي، في الصحف المحلية في زاوية ميتة صحفياً، أو على شاشات الفضائيات، في نهاية النشرات الأخبار، خبراً دون صورة فانزلقت هذه الأخبار في زحمة الحدث، وكأن شيئاً لم يحدث.

مالها شعوبنا العربية؟  هل فقدت القدرة على الغضب؟

الوقائع اليومية تقول عكس ذلك.   

فحجم الغضب الذي يجتاح شعوبنا، جماعات وأفراداً، كبير، يصل أحياناً إلى درجة حد الانفجار ثم يعاد تفريغه.

شعوبنا تغضب يومياً عند شراء ربطة الخبز «العيش كما يقول إخواننا المصريون» وهم يقفون في البرد القارص، والحر الحارق في طوابير الانتظار يغضبون، وهم يملؤون سياراتهم بالوقود، ويغضبون عندما ينقطع التيار الكهربائي، وتنقطع مياه الشرب وعندما تأتيهم فواتير الكهرباء والماء في نهاية الشهر، يغضبهم ارتفاع أقساط المدارس، وغلاء الكتب، وارتفاع أسعار النقليات والخضار واللحم، والأهم يغضبهم تدني مستوى الراتب والمهانة الوطنية.

تجليات الغضب في كل مكان على الخارطة العربية ولعل سببه هو فشل الأنظمة العربية في بناء الدولة الوطنية، دولة المواطن.

التي تضع نصب عينها تلبية احتياجاته المادية والإنسانية والروحية بعيداً عن نظام الهيمنة والتفرد، والمحاصصات الطائفية والحزبية، والعرقية والجهوية، على حساب وحدة الوطن وحريته وكرامته الوطنية واقتصاده الوطني، بحيث باتت الدول العربية دوماً في أدنى جداول الدول الناجحة، وفي أعلى جداول الدول الفاشلة.

باختصار لقد نجح الفساد السياسي والإداري والمالي والأخلاقي في تشويه الدولة العربية، وإفشال تجربتها، وفي إخراجها من التاريخ، بحيث بات الهم اليومي للمواطن تلبية احتياجاته المادية، أما الاحتجاج على وصول رئيس أميركي، أو إسرائيلي إلى عاصمة عربية، فهذا شيء من الترف لا يملك المواطن العربي الوقت الكافي ليمارسه.■