هارتس : خلق "واقع الدولتين" من أجل مستقبل إسرائيل

حجم الخط

بقلم: اورني بتروشكا وغلعاد سار وعامي ايلون

 

 




حلل ديمتري شومسكي هنا أهمية النضال ضد عودة نتنياهو إلى الحكم من أجل تمكين عودة العملية السياسية. وبشكل خاص يقول شومسكي، إنه من ناحية سياسية واقعية يجب على من يعارضون الاحتلال الإدراك بأن "الشرط الأساسي والضروري لإعادة المسألة الفلسطينية إلى مركز الخطاب العام والسياسي في إسرائيل هو طرد نتنياهو إلى الصحراء السياسية بشكل دائم" ("هآرتس"، 29/6).
ليست قضية فلسطين هي التي تهمنا، بل مستقبل دولة إسرائيل دولة الشعب اليهودي الديمقراطية والآمنة، بروح وثيقة الاستقلال. وبخصوص الادعاء ذاته فإن شومسكي محق. ولكن في أي لحظة لا ننشغل فيها نحن وأمثالنا من الوطنيين والأمنيين الصهاينة في قضية الاحتلال وتداعياته فإننا نخلي الساحة لاستمرار عملية الضم الزاحف. وفي كل يوم لا ننشغل فيه بالانفصال عن الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال فإن الضم الزاحف يبعدنا عن احتمالية تغيير الواقع.
لذلك، يجب على المعسكر أن يناضل ضد الاحتلال وكأنه لا يوجد نتنياهو، وأن نحارب نتنياهو وكأنه لا يوجد احتلال. يجب القيام بالحرب ضد الاحتلال بمساعدة جميع القوى التي تعارضه، بمن في ذلك أشخاص مثل جدعون ليفي، الذين يؤيدون نتنياهو. يجب محاربة عودة نتنياهو بمساعدة كل من هو ضده، بمن في ذلك أشخاص مثل جدعون ساعر، الذين يؤيدون استمرار السيطرة على الشعب الفلسطيني. مصطلحات "تقليص النزاع"، الذي نقشته حكومة التغيير على رايتها ليس سوى غسل كلمات هدفه مواصلة الضم الزاحف. في زمن الكلمات التي تغطي كل شيء بالضباب فإن إسرائيل عمليا تسمح بقيام مستوطنات في "ايتمار" و"حومش"، وهي تتعامل باستخذاء وعجز أمام "شبيبة التلال" وظواهر قاسية لعنف المستوطنين، والأكثر أهمية هو أنها تستبعد بشكل قاطع أي حديث مع الفلسطينيين.
من هذه الناحية، فإن رفض إسرائيل يحاكي سياسة اللاءات الثلاث التاريخية للعالم العربي في مؤتمر الخرطوم الذي عقد في العام 1967، ويضع أمامهم ثلاث لاءات من إنتاج البلاد: لا للسلام ولا للاعتراف بدولة فلسطينية ولا للمفاوضات مع ممثلي الشعب الفلسطيني. سارع بني غانتس الى الإعلان بعد توحيد قائمته "ازرق ــ ابيض" مع "أمل جديد" بأن سياسة اللاءات الثلاث التي تعني تخليد النزاع ستكون سياسة الحكومة القادمة إذا كانوا شركاء فيها.
نرحب بتصريح رئيس الحكومة، يائير لابيد، قبل سنة في مؤتمر لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي بحسبه فإنه يؤيد حل الدولتين، وإنه في هذا الوقت يجب "التأكد من عدم القيام بخطوات تمنع احتمالية قيام سلام في المستقبل". ولكن موافقته على غياب أي مفاوضات هي التي تؤدي الى تعميق الضم. ويجب الأمل بأن الرئيس الأميركي، جو بايدن، سيعمل على تغيير الاتجاه في زيارته هنا.
حتى لو لم يكن هناك أي إمكانية سياسية لحل الدولتين في هذا الوقت فما زال المعسكر المعتدل – بامتداداته السياسية والمدنية والجماهيرية برئاسة لابيد – عليه أن يتجمع حول برنامج ورسالة تدفع قدما بخلق واقع دولتين والحفاظ على احتمالية وشروط الانفصال بشكل سلمي في المستقبل.
يجب الدعوة الى تجميد الاستيطان خارج الكتل، والدفع قدما بآليات تمكن من إخلاء المستوطنات التي أقيمت وراء الجدار الأمني. أي وضع آخر يعني أن اليسار – الوسط ينضم الى سياسة الضم التي نهايتها فقدان هوية الدولة كدولة يهودية وديمقراطية، وسياسة الدولة الواحدة التي ستقضي على المشروع الصهيوني، وستكون كارثة لنا وللفلسطينيين على حد سواء.
إضافة الى ذلك، يجب على لابيد والمعسكر المعتدل الفهم بأن الشركاء الطبيعيين للنضال في الساحتين – سواء ضد نتنياهو أو ضد الاحتلال – هم العرب مواطنو إسرائيل. ومحاولة المعسكر المضاد عرضهم بأنهم غير جديرين بأن يكونوا شركاء في القيادة هي عنصرية خالصة من جهة، وصهيونية سياسية من جهة أخرى. يجب عدم الاندهاش من عنصرية المعسكر المناوئ، وعدم إشراك العرب في القيادة كضرورة أو كخيار إجباري. هذا هو الحق الطبيعي للمواطنين الذين يساهمون في الدولة واحيانا يفعلون ذلك بدرجة اكبر بكثير من عدد كبير من أجزاء واسعة في معسكر اليمين.
إذا كان الأمر هكذا فإن زيارة الرئيس الأميركي في المنطقة هي فرصة جيدة لتوضيح أن إسرائيل لا تؤيد سياسة اللاءات الثلاث. بل هي تطمح الى الدفع قدما بعملية الانفصال عن الفلسطينيين. العملية ستكون بالتدريج ومسؤولة ومتواصلة وجذرية، وبذلك ستضمن مستقبلها دولة يهودية وديمقراطية آمنة ومساواتية.
رئيس الحكومة لابيد والمعسكر المحيط به يجب عليهم إبداء الاستعداد للدفع قدما بخطة هدفها اكثر طموحا من مجرد مراوحة سياسية في المكان وتقديس الوضع الراهن وتجميله ببادرات حسن نية وتعديلات بسيطة ومحلية؛ كذلك يجب تحديد الهدف لـ"حكومة التغيير الثانية" على أمل أن يتم تشكيلها بسرعة بعد الانتخابات.

عن "هآرتس"