جونسون.. «كش ملك»

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

كان متوقعاً أن يستقيل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من زعامة الحزب الحاكم ورئاسة الوزراء؛ على خلفية المخالفات الكثيرة التي ارتكبها خلال فترة حكمه، وبعد جملة الاستقالات لعدد من وزرائه وموظفين حكوميين، وأمناء الحزب الحاكم في البرلمان.
جونسون الذي أرغم على الاستقالة بضغط من حزب المحافظين الحاكم، تعرض قبل ذلك لمثل هذه الأجواء، واستقال من عضوية الحزب بسبب الكذب حول علاقة عاطفية، لكنه عاد مرةً أخرى إلى «المحافظين» وتألق نجمه حينما كان عمدة لندن وأشرف على تنظيم الأولمبياد عام 2012.
مشكلة رئيس الوزراء المستقيل تمثلت في الكذب المستمر، وتضليل حزبه والمؤسسة التشريعية والرأي العام البريطاني بشأن الحفلات الجماعية التي أقيمت في مقر الحكومة خلال فترة الإغلاق العام بسبب جائحة «كورونا».
لقد حاول جونسون عبثاً أن يدير أزمة الثقة في حكومته على خلفية استقالة عدد من وزرائه ومسؤولين كثر بسبب الفضائح الجنسية لنواب في البرلمان استقالوا على إثرها، ولم يكن يعتقد أن حزب المحافظين كان يعد العدة للبتّ بشأن مستقبله السياسي، خصوصاً أن الحزب تعرض لخسارة كبيرة بفقدانه مجالس رئيسة في الانتخابات المحلية التي أجريت قبل أكثر من شهرين.
لو كان الأمر بيد بوريس لظل في منصبه حتى موعد الانتخابات العامة بعد عامين، ففي خطاب الاستقالة خارج مقر إقامته في 10 «داوننغ ستريت»، وصف وظيفته بأنها أجمل وظيفة في العالم، وضغط على زملائه في البرلمان بشأن بقائه في المنصب لكنه فشل.
رئيس الوزراء المستقيل ذكر في كلمته «غريزة القطيع»، حين اعتبر أن البقاء للأقوى، وأن هذه الغريزة الجمعية حتّمت عليه الرحيل، وربما هذا اعتراف منه بأنه لم يرتكب مخالفات كبيرة تستحق أن يفقد منصبه الحكومي الرفيع.
المشكلة أنه أصبح مكشوفاً أمام الجميع.. أمام حكومته المستقيلة وحزب المحافظين، وحتى أيضاً أمام الرأي العام البريطاني الذي يلومه على تردي الوضع الاقتصادي بعد وعود الخروج من الاتحاد الأوروبي والانتصار لعظمة بريطانيا وعودة مجدها.
عدا المخالفات التي ارتكبها جونسون، ومن ضمنها الكذب بشأن معرفته بالاتهامات الجنسية السابقة، التي طالت كريس بينشر مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين المستقيل من منصبه، لم يفلح الأول في كبح جماح التضخم الاقتصادي والغلاء المعيشي الذي يهدد الأسر الفقيرة والطبقات المتوسطة.
جونسون وضع كل ثقله في السياسة الخارجية على حساب إدارة الملفات الداخلية، إذ فتح النار على روسيا ودعا إلى «شيطنة» الرئيس فلاديمير بوتين وزيادة الحصار على موسكو، وزار كييف والتقى بالرئيس زيلينسكي مرتين منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا أوخر شباط الماضي.
هذا التركيز على السياسة الخارجية لإرضاء واشنطن، وترسيخ التحالف الثنائي بين البلدين، وتصوير بريطانيا بالدولة القوية بعد الخروج من مظلة الاتحاد الأوروبي وإهمال القضايا الداخلية، أدخل البلاد في وضع اقتصادي صعب، متأثرةً بالتضخم العالمي مع تداعيات تفشي فيروس كورونا والحرب الحالية في أوكرانيا، إذ تواجه بريطانيا أعلى تضخم منذ 40 عاماً.
التضخم وصل حوالى 9% حتى أيار الماضي، ومن المتوقع أن تصل معدلاته إلى أكثر من 10% في الأشهر المقبلة، وكذلك من غير المستبعد أن تتآكل قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار، في وقت ترتفع فيه أسعار الوقود والغاز.
من الجائز القول: إن جونسون لم يفشل وحده في اختبار نجاح الحكومة وعلاقتها مع الشعب، وإنما كل طاقمه الوزاري، بما فيه الذين استقالوا من مناصبهم، فشلوا في مهامهم الحكومية، والفرق بينهم وبينه أنهم تطوعوا بتقديم استقالاتهم بينما تمسك هو بالمنصب إلى أن أُرغم على الاستقالة.
الآن بدأ سباق الترشّح بين عدد من الوزراء المستقيلين في حكومة جونسون لخلافته في حزب المحافظين ورئاسة الوزراء، وهذا الاستعجال في اختيار خليفة له جاء بضغط كبير من قيادة حزب المحافظين وعلى رأسهم جون ميجور رئيس الوزراء السابق.
الاستعجال في اختيار رئيس جديد للحكومة يؤكد أن حزب المحافظين غير راضٍ تماماً عن أكاذيب جونسون، وقد يُمنع لاحقاً من مزاولة العمل السياسي، أو تجري ملاحقته قضائياً كما حصل مع مسألة تغريمه مادياً بخصوص تضليل الشرطة حول ملابسات حفلات «داوننغ ستريت».
في الخامس من أيلول المقبل، ستشهد بريطانيا اختيار خليفة لبوريس جونسون، وسيكون رئيس الوزراء الجديد أمام أكبر تحدٍ يتعلق بضبط الغلاء المعيشي، ومنع البلاد من الذهاب في أزمة ركود اقتصادي، وسط حرب روسيا على أوكرانيا التي لا تزال غير واضحة الأفق.
قد يكون رئيس الوزراء الجديد من «المطبخ» الحكومي السابق في عهد جونسون، وبالتالي قد يسير على خطاه بشأن العلاقة القوية مع الولايات المتحدة الأميركية والموقف الحازم ضد روسيا. ربما لن يكون نسخة عنه، لكن هناك مثلاً في التراث الشعبي يقول: «اللي في الطنجرة بتطوله المغرفة».