تصدُّع النظرية القائلة إن إيران تهديد عالمي فوري

هارتس : زيارة بايدن للسعودية: انهيار أسطورة الاستقلال الأميركي في مجال الطاقة

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



اعتُبر هبوط الرئيس الأميركي، جو بايدن، في السعودية من قبل البعض أشبه بدفع الجزية. المسألة الرئيسية التي شغلت وسائل الإعلام، مؤخراً، هي إذا كان بايدن سيكتفي بمصافحة محمد بن سلمان أم أنه أيضا سيسعى إلى عناق ولي العهد السعودي، الذي تنسب له المخابرات الأميركية المسؤولية المباشرة عن قتل الصحافي جمال الخاشقجي.
سعى الرئيس الأميركي، الذي اضطر الى إعطاء جولته ذريعة سامية، إلى الإعلان والتأكيد على أن النفط السعودي لن يكون مركز النقاشات مع حكام المملكة ومع زعماء الدول العربية الذين سيجتمعون في جدة في مؤتمر إقليمي. الهدف، هكذا تم تأطير الزيارة، هو تأسيس آلية للتعاون الإقليمي من أجل مواجهة التهديدات الإقليمية، أي إيران. ولكن يمكن التقدير بدون أي مخاطرة كبيرة بأنه لو لم تنفجر ازمة الطاقة، ولو لم يكن المواطنون الأميركيون مطلوبا منهم دفع اكثر من 5 دولارات ثمناً لغالون البنزين بسبب الحرب في اوكرانيا، لكان من المشكوك فيه أن الرئيس الأميركي كان سيسارع الى السفر الى دولة تعهد في حملته الانتخابية بتحويلها الى دولة منبوذة.
قبل نحو ثلاث سنوات احتفلت الولايات المتحدة باستقلالها من ناحية الطاقة، حيث أعلنت الوكالة الوطنية للطاقة بأنه في الأعوام 2019 – 2020 تحولت الولايات المتحدة دولة مصدرة لمنتجات النفط. أثار هذا الإعلان في حينه خلافات بين الخبراء، سواء بخصوص مسألة الكمية التي صدرتها الولايات المتحدة أم بخصوص تعريفها للاستقلالية في الطاقة. ولكن هذه الخلافات لم تمنع محللين سياسيين من القول إن تحرر الولايات المتحدة من النفط العربي هو الذي مكن الرئيس السابق، دونالد ترامب، من الانسحاب من الشرق الأوسط. «تحررت واشنطن من القبضة الخانقة للسعودية»، كتب أحد المحللين. قال هذا المحلل نفسه إن قدرة ترامب على بلورة «صفقة القرن» والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بضم هضبة الجولان تولدت لأنه لم يعد يخشَ من رد العرب أو من مقاطعة نفطية كانت ستذكر بأزمة الطاقة في السبعينيات.
لكن كان لاستقلال الطاقة هذا أيضاً ثمن. ففي العام 2020 أجرت السعودية وروسيا إحدى المنافسات الأكثر عنفاً لليّ الأذرع حول أسعار النفط. زادت روسيا الإنتاج، وخفضت أسعار النفط في العالم من أجل المس بجدوى إنتاج النفط من الصفائح الزيتية، التي ساهمت في استقلال الطاقة في الولايات المتحدة. سارعت السعودية الى الانضمام اليها من اجل أن تحافظ على زبائنها القدامى، وتمتع العالم في حينه بأسعار شبه مجانية للنفط. وقفت صناعة النفط الأميركية على ساقيها، وطلبت من ترامب وقف النزيف السريع في مداخيلها.
في 2 نيسان 2020 اتصل ترامب، الصديق الأميركي الأكثر قرباً من محمد بن سلمان، مع ولي العهد السعودي وحذره: قم بتخفيض إنتاج النفط وإلا فلا يمكنني منع الكونغرس من سن قوانين ستجبرني على سحب القوات الأميركية من السعودية. وعندما طلب من ترامب الرد على هذه القصة التي كانت السبق الصحافي لوكالة «رويترز»، قال: «لم يكن عليّ قول ذلك له». فهم ولي العهد السعودي التهديد. وبعد بضعة أيام قلصت السعودية إنتاج النفط، وهذا ما فعلته روسيا أيضاً.
بعد مرور سنتين على ذلك لا تزال الولايات المتحدة تلوح بعلم استقلال الطاقة. ولكن تبين لها أنه مع هذا الاستقلال لا يمكنها إدارة سياسة عالمية كما هو جدير بدولة عظمى. العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا، التي هي أحد الهدفين لبايدن على سلم أولويات سياسته الخارجية، تكلف ثمناً يجد الجمهور في أميركا وفي أوروبا صعوبة في تحمله. تحتاج الولايات المتحدة مرة أخرى الى النفط والغاز العربي. ويمكن أن تكون المملكة السعودية «المنبوذة»، التي رفض بايدن حتى الآن التحدث مباشرة مع حاكمها الفعلي، خشبة الإنقاذ لإدارته. في هذه المرة ليس البيت الأبيض هو الذي يحذر السعودية، بل ابن سلمان هو الذي يمسك بقائمة الأسعار. حقوق إنسان؟ قتل الخاشقجي؟ الدمقرطة؟، كل ذلك تم دفنه عميقا في الدرج. أولاً، يجب بناء حزام أمان اقتصادي لأوروبا وتهدئة الناخبين الأميركيين الذين سيذهبون بعد نحو أربعة اشهر إلى انتخابات التجديد النصفي.
السؤال ليس هل السعودية تريد المساعدة – الافتراض هو نعم – بل هل هي في الأصل قادرة؟ السعودية ليست مصدرة للغاز، وحجم كمية النفط التي يمكنها إضافتها للسوق العالمية مختلَف فيه. تدعي شركة «أرامكو» السعودية أنها تستطيع انتاج اكثر من 12 مليون برميل يومياً، أي أكثر من 1.5 مليون برميل نفط مما تنتج الآن. ولكن في حينه ستصل الى نهاية حدود قدرتها على الانتاج. يوجد لدى السعودية احتياطي كبير للنفط مُخزن في هولندا ومصر واليابان، وأيضاً خمسة مواقع سرية في المملكة، لكن كمية النفط المخزنة فيها غير معروفة. هذه مخزونات استراتيجية تستطيع السعودية في الواقع أن تسحب منها النفط من أجل إشباع العطش العالمي، لكن فقط لفترة محدودة تبلغ نحو ثلاثة أشهر. هذه المخزونات تستخدمها السعودية أيضاً عندما تكون ثمة حاجة الى وقف الإنتاج في آبار النفط من أجل الصيانة، وهي التي تم استغلالها عندما هاجم الحوثيون موقع شركة «أرامكو».
مع ذلك، حتى لو لم يكن في يد شركة أرامكو قدرة فورية على استبدال النفط الروسي لأوروبا، فان مجرد الإعلان عن زيادة الإنتاج يمكن أن يخفف هستيريا الأسعار. من الجدير الذكر بأنه في ظروف أخرى كان يمكن للرئيس الأميركي الاكتفاء بمكالمة، ولم يكن يجب عليه القدوم شخصياً في حرارة 37 درجة مئوية في مدينة جدة من أجل مصافحة محمد بن سلمان. لسعد حظه أنه لن يهبط في الرياض، التي وصلت درجة الحرارة فيها، أول من أمس، الى 42 درجة مئوية.
بالنسبة لبايدن، سيعتبر تعهُّد السعودية بزيادة إنتاج النفط إنجازاً مهماً، ليس فقط بسبب النفط نفسه. إعلان كهذا يعني اتخاذ موقف سياسي يقضي بأن السعودية تقف الى جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية مقابل روسيا. ذات يوم، قبل سنتين، كان هذا الموقف مفهوماً ضمناً ولا يحتاج الى إثبات، وأساساً راسخاً في الحلف الذي استمر عشرات السنين بين أميركا والسعودية. ولكن القطيعة السياسية بين بايدن وابن سلمان ولدت تعاوناً اقتصادياً بين السعودية وروسيا، اتسع في السنوات الأخيرة.
خطط السعودية لشراء السلاح من روسيا ورفضها الانضمام للعقوبات التي تم فرضها على روسيا في أعقاب غزو أوكرانيا قاربت بين الدولتين بمستوى غير مسبوق. تفسير الأمر هو أن السعودية تنوي تحويل تحالفها مع الولايات المتحدة إلى تحالف مع روسيا، لكن شبكة علاقاتها مع الولايات المتحدة ومع الصين وروسيا ومع دول المنطقة مرت بـ «إعادة معايرة»، المفهوم الذي استخدمه بايدن لتعريف طبيعة العلاقات الباردة مع المملكة التي سادت منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. «المعايرة»، كما يتبين، تعمل مثل جهاز للأواني المستطرقة يمكنه أيضا إطلاق سهم مرتد على من يقوم بالمعايرة.
إلى جانب إفلاس الفرضية الاستراتيجية التي تقول إن استقلال الطاقة للولايات المتحدة حررها من التورط في الشرق الاوسط، تصدع ايضا التصور السائد الذي يعتبر إيران تهديداً عالمياً فورياً. أعلن بايدن في الواقع، كما هو مطلوب، أنه «في ولايته لن تصل إيران الى السلاح النووي». ولكن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مسألة متى يمكن اعتبار إيران دولة حافة نووية ما زال على حاله. هل فقط عندما تنجح إيران في تخصيب كمية كافية من اليورانيوم بمستوى 90 في المئة ستعتبر هذه المادة سلاحاً نووياً، أو بمستوى تخصيب 20 – 60 في المئة يمكن اعتبارها دولة نووية. حول هذه المسائل ليس فقط إسرائيل والولايات المتحدة تختلفان، بل أيضا الدول الأوروبية لا تتفق مع إسرائيل في تفسيرها. موقفها حيوي لأنه إذا قررت الولايات المتحدة أنها استنفدت جميع الوسائل، وأنه حان وقت الحل العسكري، فهي تريد حولها حزاماً أوروبياً داعماً.
في غضون ذلك، يبدو أن الإدارة الأميركية ليس فقط تواصل التمسك بالمسار الدبلوماسي من اجل التوصل الى اتفاق نووي جديد، بل لم تذكر أي موعد محدد ستتوقف بعده عن الدبلوماسية، وستنتقل الى «وسائل أخرى»، كما قال بايدن في مقابلة مع القناة 12. يمكنه إيجاد شريك في هذا الموقف وهو السعودية، التي سبق لها أن أجرت خمس جولات محادثات مع إيران حول استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما والتي توقفت في العام 2016. وأيضا سيجد شريكاً في الإمارات التي سبق لها ووقعت على عدة اتفاقات مع إيران. لا تلغي هذه الخطوات الشعور بالتهديد الذي تخلقه إيران في دول الخليج، لكن هناك فرقاً كبيراً بين موافقتها على تشكيل آلية تعاون دفاعي ضد الصواريخ الإيرانية وبين استعدادها لشن حرب عسكرية ستضع المنطقة والعالم في حرب نتائجها مدمرة. إذا سمحت السعودية لطائرات إسرائيلية بالطيران في مجالها الجوي أو سمحت برحلات طيران مباشرة للحجاج الإسرائيليين فهذا لا يعني أنها ستكون مستعدة أيضاً لإرسال طائراتها القتالية نحو طهران.
أكدت إيران، هذا الأسبوع، أن المفاوضات للدفع قدماً بالاتفاق النووي مستمرة مع ممثلي ثلاث دول أوروبية، حتى بعد أن فشلت المباحثات التي أجراها ممثلوها مع بعثة أميركية في عاصمة قطر الدوحة. في الاتحاد الأوروبي يفحصون الآن كيف يمكن أن يساعد رفع العقوبات عن إيران في حل أزمة الغاز والنفط. وأوضح دبلوماسيون أوروبيون بأن إيران لن تكف عن كونها تهديداً حتى بدون سلاح نووي، وأن الجهد العالمي هو من اجل وقف استمرار تخصيب اليورانيوم. ولكن مقارنة مع التهديد الروسي الملموس، الذي أوضح بأن موسكو مستعدة ويمكنها استخدام السلاح ضد دولة أخرى وخلق أزمة اقتصادية في العالم، «إيران هي تهديد يمكن تجنبه»، حسب أقوال دبلوماسي اوروبي تحدث للصحيفة. وحسب قوله «قدرة استيعاب المشروع النووي الإيراني، على الأقل في المرحلة الحالية، ما زالت مرتفعة». أي أنه لا يوجد الآن أي سبب لشن حرب عسكرية. باستثناء إسرائيل، يبدو أن أصدقاءها في الشرق الأوسط، في أوروبا وفي الولايات المتحدة وبالطبع في الصين وروسيا، لا يشاركونها في اعتبار إيران «خطراً فورياً واضحاً».
في الوقت ذاته لا يمكن أن تشكل إيران أيضاً بديلاً للنفط والغاز الروسي. إيران، التي تمتلك احتياطي الغاز الثاني في حجمه في العالم، تستهلك نحو 80 في المئة من الغاز الذي تنتجه. ومن اجل أن تكون قادرة على تصدير غازها الى أوروبا فهي ستحتاج الى استثمارات تقدر بأكثر من 100 مليار دولار من اجل تطوير حقول الغاز وبناء منشآت التسييل التي لا توجد لديها الآن. هكذا، فانه حتى لو تم رفع العقوبات عنها في الغد فهي تحتاج الى 2 – 3 سنوات قبل أن يستطيع الغاز الإيراني تدفئة البيوت في أوروبا. إضافة الى ذلك فإن موارد الطاقة الإيرانية خاضعة للصين حسب الاتفاق طويل المدى الذي وقع بينهما قبل نحو سنتين. إضافة الى ذلك لن تسارع إيران الى مساعدة الغرب في تعزيز العقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا. ولكن لأن أسعار الغاز والنفط مرتبطة بمؤشر الذعر النفسي فان رفع العقوبات عن إيران يمكن أن يؤثر فوراً على معايرة الأسعار في مضخات الوقود في ولاية وسكنسن. هذه العلاقة غير خافية حتى عن عيون بايدن.

 عن «هآرتس»