هارتس : زيارة بايدن: محمد بن سلمان الرابح الأكبر

الون بنكاس.jpeg
حجم الخط

بقلم: ألون بنكاس

 

 



بدأ انتقاد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في السعودية قبل فترة طويلة من الإقلاع من واشنطن.
في حين أن معادلة التكلفة - الفائدة السياسية ظهرت غير متوازنة تماما. فالتكلفة السياسية وتكلفة السمعة واضحة في حين أن الفائدة السياسية مشكوك فيها.
في حين أن الولايات المتحدة منقسمة بعد حكم المحكمة العليا في موضوع الإجهاض، وسناتور ديمقراطي مارق هو جو منتشن يقضي بشكل دائم وبنجاح على جميع المبادرات وعلى إنجازات التشريع لبايدن، سافر الرئيس من أجل افتتاح ألعاب المكابية في إسرائيل والالتقاء مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وهذا ليس بالضبط استخداما ذكيا ودقيقا للقوة الرئاسية الأميركية.
ها أنتم تشاهدون أن بايدن سيمنح تحسينا لصورة وشرعية واحترام شخص أقسم بأنه سيحوله إلى "منبوذ" و"مجذوم". وأن يحترم في زيارة رئاسية دولة وصفها الرئيس باراك أوباما، الذي كان بايدن نائبه، بأنها دولة "تأكل بالمجان".
"لا أسافر من أجل الالتقاء مع محمد بن سلمان، كتب بايدن في "واشنطن بوست"، لكن ليس فقط أنه التقى مع محمد بن سلمان بشكل منفرد، بل هو أيضا قام بمصافحته. مراسلو "واشنطن بوست"، وهي الصحيفة التي كتب فيها جمال الخاشقجي قبل أن يقتل في 2018، لم يسمح بدخولهم المؤتمر الصحافي.
مع ذلك، ادعى ويدعي رجال ومؤيدو الرئيس بأن الزيارة مبررة وجديرة بالدفاع عنها؛ لأن الرئيس الأميركي لا يمكنه التعامل بالمقاطعة والإقصاء، بل بالمصالح والأمن القومي.
هدفه هو إدارة وتوسيع التحالفات، ليس النفط وليس المصافحة. إدارته المثالية للأزمة في أوكرانيا والوقوف الحازم أمام عدوان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تشير إلى حنكة سياسية يجدر تطبيقها أيضا في الشرق الأوسط، حتى لو كان ذلك يتضمن تنازلات مؤلمة.
إذا كانت هناك حاجة إلى إبقاء السعودية حليفة فيجب فعل كل ما يجب فعله.
هذه التفسيرات بالتأكيد تبدو منطقية. فقط من المشكوك فيه إذا كان بايدن حقق أي شيء من كل ذلك أثناء زيارته في السعودية، باستثناء تطوير العلامة التجارية "محمد بن سلمان".
التفسير الأول للرحلة هو نفط السعودية. بعد بضع ساعات على مغادرة بايدن أعلنت السعودية أنها ستزيد إنتاج النفط إلى 13 مليون برميل في اليوم. طوبى لمن يصدق التقارير والبيانات السعودية. في وسائل الإعلام الأميركية بدؤوا بتوقعات سعيدة عن خفض سعر البرميل.
في موضوع النفط من الجدير إعادة ترتيب الأمور قليلا. في الأسابيع التي سبقت غزو روسيا لأوكرانيا وعلى الفور بعد فرض العقوبات الغربية الشديدة على تصدير الطاقة من روسيا، كان من الواضح أنه في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي ستكون حاجة لتعويض فقدان النفط والغاز الروسي.
بالإجمال، تصدير النفط الروسي إلى أوروبا في 2021 بلغ 3.2 مليون برميل يوميا، وسوية مع الغاز الروسي فإن اعتماد دول رئيسة في أوروبا مثل ألمانيا، كان كبيرا.
بسبب أن إيران التي لها قدرة على إنتاج 2.5 مليون برميل يومياً تخضع للعقوبات، ولأن فنزويلا، الدولة التي لديها احتياطي النفط الأكبر في العالم، تخضع أيضا للعقوبات، فقد ولدت أسطورة "بايدن سيغفر لمحمد بن سلمان، وسيقوم بتقبيل الخاتم الملكي، وستوافق السعودية على الفور على زيادة الإنتاج بصورة تعوض بدرجة كبيرة النقص في النفط الروسي".
عندما أعلن البيت الأبيض عن زيارة بايدن المخطط لها، تم تغليفها في البداية بهذا التفسير.
أيضا هذه فكرة منطقية كما يبدو، حيث إن الكثير من الأشخاص في واشنطن وفي الدول الأوروبية قاموا بترديدها، إضافة إلى أمرين. الأول هو أنه لا توجد للسعودية قدرة كبيرة على إنتاج فائض على المدى القصير. الثاني، هو أنها غير معنية بإنتاج كميات أكبر من النفط وخفض الأسعار.
قبل أسبوعين تقريبا تغيرت رواية زيارة بايدن، وبدأت الولايات المتحدة في الادعاء بأن الرئيس بشكل عام يأتي للدفع قدما بدمج إسرائيل في المنطقة وزيادة التعاون التكنولوجي – العسكري بين إسرائيل ودول الخليج ورعاية أميركية لنوع من الشراكة وآلية تنسيق إقليمية دفاعية ضد الاستخدام الواسع لإيران للطائرات المسيرة.
بخصوص النفط كان يمكن أن تكون المشكلة واضحة للأميركيين بفضل معطى دال واحد وهو أنه منذ نيسان تشتري السعودية 250 ألف برميل نفط روسي "ثقيل" يوميا. ويدور الحديث عما يسمى "نفط غني بالكبريت" (اتش.اس.اف.أو)، الأرخص من أسعار النفط في الأسواق العالمية.
هذا النفط اشترته السعودية لأغراض داخلية من أجل التصدير والربح من النفط النوعي الذي بلغ سعره 130 دولارا للبرميل. أراد السعوديون استغلال النقص والربح.
وهنا من المهم الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بأزمة طاقة حقيقية، بل أزمة أسعار مؤقتة، لأنه لا يوجد في الحقيقة نقص نفط في العالم.
يستهلك العالم نحو 100 مليون برميل نفط يوميا، حسب معطيات الربعين الأولين للعام 2022. من بينها، دول "أوبيك بلاس"، أي الدول التسع في أوبيك ودول مرافقة لاتفاق الحصص ومنها روسيا، تنتج نحو 38.3 مليون برميل يوميا، والسعودية التي تنتج 10.3 – 10.7 مليون برميل يوميا، والإمارات التي تنتج 3.2 مليون برميل يوميا. ذروة إنتاج السعودية هي 11 مليون برميل يوميا. جزء منها من آبار وحقول جفت.
موضوع نفط السعودية وقدرتها على "إنتاج فائض"، أي إنتاج نفط يتجاوز الكمية القائمة للإنتاج ويتجاوز الحصص الملزمة لمنظمة "أوبيك"، أصبح ساحة توجد فيها معطيات متناقضة، وطموحات وتحليلات سياسية منحازة ومختلطة.
الغرب وفي معاهد الأبحاث وشركات الاستشارة المختصة في الاحتياطي والاكتشاف وتطوير الحقول وتسويق الطاقة، طرحوا شكوكا بخصوص دقة تقارير السعودية حول احتياطي النفط فيها.
التقديرات الأكثر تفاؤلاً هي أن السعودية يمكنها إنتاج نحو 550 ألف برميل يوميا، أكثر من إنتاجها الحالي، وهذا فقط قبل كانون الأول. هناك خبراء طاقة في الإدارة الأميركية يقولون إن النقص السعودي معاكس. فالسعودية بالتأكيد يمكنها إنتاج مليون برميل إضافي يوميا حتى كانون الثاني، بالأساس في المنطقة المحايدة التي تتقاسمها السعودية مع الكويت وفي حقلين آخرين في البحر، فقط هم اختاروا عدم فعل ذلك من أجل الكسب أكثر الآن حيث الأسعار مرتفعة، بالأساس من أجل جعل الرئيس الأميركي يقوم بزيارة بلادهم و"تقبيل الخاتم الملكي".
ربما بعد مرور وقت فإن الزيارة في السعودية ستظهر بشكل مختلف، خطوة واضحة وحيوية للواقع السياسي، التي فائدتها أكبر من تكلفتها.
هذا أمر من المشكوك فيه ولكنه محتمل. في هذه الأثناء يبدو الأمر وكأنه سياسة خارجية مؤقتة وعرضية.

عن "هآرتس"