تراجع سعر اليورو إلى ما دون دولار واحد، للمرة الأولى منذ 20 عاما، في خطوة يراها مراقبون ستؤثر على المدخرين وستزيد من حدة أزمة تكلفة المعيشة في أوروبا.
وتم تداول اليورو مقابل 0,9998 دولار قرابة، في سابقة منذ بداية التداول بالعملة الأوروبية، قبل أن يسجل ارتفاعا جديدا، منخفضا بنحو 12 في المئة منذ بداية العام، وهو أقل مستوى منذ العام 2002.
ويرى محللون وخبراء اقتصاديون أن لانخفاض سعر اليورو أمام الدولار العديد من التأثيرات، ففي الوقت الذي يمثل عاملًا إيجابياً لمصدري منطقة اليورو الذين قد يشهدون زيادة في الطلب على سلعهم الأرخص نسبيًا، إلا أنه يجعل الواردات أكثر تكلفة، مما يزيد من مخاوف التضخم وزيادة أسعار السلع والمنتجات.
ويعاني اليورو من عدة أزمات في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية التي ساهمت في ارتفاع أسعار النفط والغاز والأغذية، بالإضافة إلى تأخر البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة رغم معدلات التضخم الأعلى منذ نحو 40 عاما.
وعلى مدار سنوات مضت، كان صانعو السياسة الأوروبية يرحبون بضعف العملة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، لأنه يجعل صادرات الكتلة أكثر قدرة على المنافسة. لكن الآن، مع ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياته منذ بدء مثل هذه الأرقام القياسية، فإن ضعف العملة لم يعد مرغوبا فيه لأنه يعزز ارتفاع الأسعار بجعل الواردات أكثر تكلفة.
وجاء على رأس من حذروا من انخفاض سعر اليورو أمام الدولار، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، فرانسوا فيليروي دي غالو، الذي قال إن البنك سيرصد بعناية التطورات في سعر الصرف الفعلي، كمحرك مهم للتضخم المستورد.
وشدد على أن "انخفاض سعر اليورو بشكله الراهن سيتعارض مع هدفنا المتمثل في استقرار الأسعار".
وقدرت ورقة نشرها البنك المركزي الأوروبي عام 2020، أن انخفاض قيمة اليورو بنسبة 1 في المئة مقابل سلة العملات يمكن أن يضيف ما يصل إلى 0.11 نقطة مئوية للتضخم في غضون عام، و0.25 نقطة مئوية على مدى ثلاث سنوات.
انعكاسات الحرب
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي وأستاذ التمويل والاستثمار، مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "ببساطة؛ فالعملة تعد انعكاسا للأوضاع الاقتصادية في منطقتها، مما يدل على أن الوضع في منطقة اليورو في أزمة شديدة وهذا اتضح مع تراجع قيمة العملة".
وشدد بدرة على أن "الانخفاض الكبير الذي لم يحدث منذ 20 عامًا، يعكس الموقف الاقتصادي المتأزم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيرات العقوبات على موسكو والعقوبات المضادة التي أقرها النظام الروسي على أوروبا والولايات المتحدة، مما وضع ضعوطا كبيرة على العملة".
وتوقّع المحلل الاقتصادي أن يكون هناك مزيد من الانخفاض لليورو مع قرار الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة مجددا، وهذا يؤثر على الأوضاع الاستثمارية في العالم كله.
تهديدات روسية
وكان محللون أوروبيون حذروا من أن "اليورو ربما لم يصل إلى أدنى مستوياته نظرًا للمخاطر المستمرة من التهديد بقطع الغاز الروسي الأمر الذي قد يدفع المنطقة إلى ركود عميق".
وتشير التقديرات الأوروبية إلى أن هذا السيناريو قد يؤدي بدوره إلى تقييد قدرة البنك المركزي الأوروبي بشكل كبير على رفع أسعار الفائدة، وهو ما لم يفعله حتى الآن.
ولا تهادن روسيا في التعامل بورقة الغاز، إذ قلصت الإمدادات لبعض دول الاتحاد الأوروبي، وقطعت مؤخرًا التدفق في خط أنابيب نورد ستريم إلى ألمانيا بنسبة 60 في المئة.
ويقول المحلل جاين فولي لدى شركة "رابوبنك" للخدمات المالية: "إلى أي حد يمكن أن يصل تدهور اليورو؟، يعتمد ذلك على الأرجح على رغبة روسيا في مفاقمة الحرب الاقتصادية مع أوروبا".
وأشار إلى أن "معرفة نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ليس أمرا سهلا"، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتجه الفيدرالي الأميركي نحو زيادة جديدة في سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في وقت لاحق هذا الشهر، في ظل سعيه للحد من التضخم السريع، حسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
وقال بدرة إن الفيدرالي الأميركي أعلن عن توجهه برفع سعر الفائدة عدة مرات خلال العام الجاري مما سيكون له مردود على جميع أنواع الاستثمار سواءً في العملات أو البورصات أو المعادن النفسية وكذلك السلع والمحاصيل وأسعار النفط.
وفي يونيو الماضي، قفزت أسعار المستهلكين في منطقة اليورو 8.6 في المئة عن العام السابق. وسلط بعض صانعي السياسة النقدية الضوء على ضعف اليورو باعتباره خطرا على هدف البنك المركزي لإعادة التضخم إلى 2 في المئة على المدى المتوسط.
تأثيرات على حائزي اليورو
ولفت بدرة إلى أن حائزي اليورو سيتضررون بشدة جراء هذا الانخفاض أمام الدولار، إذ ستتراجع قيمة الاستثمارات الخاصة بهم، بالإضافة إلى انخفاض قدرة الاستيراد مدفوعًا بتراجع العملة.
ويقول الخبير الاقتصادي في بنك "آي إن جي" الاستثماري كريس تورنر، إنه "إذا استمر اليورو في الانخفاض، فلا شك أن البنك المركزي الأوروبي سيكون قلقًا للغاية من هذه الخطوة".
وأوضح أنه "في مواجهة خطر الركود الذي يلوح في الأفق، قد تكون أيدي البنك المركزي الأوروبي مقيدة في قدرته على المناورة برفع أسعار الفائدة بشكل أكبر دفاعًا عن اليورو".
إلى ذلك، يقول مصطفى بدرة: "التأثيرات العالمية جراء الحرب في أوكرانيا وضحت معالمها بشكل فادح في منطقة اليورو مع تراجع العملة بشكل كبير".