هارتس : استخدام "المسيّرات": إسرائيل تكشف "سرّاً" كان معروفاً منذ سنوات

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 

 


بعد تأخير رمزي لأكثر من ثلاثين سنة سمحت الرقابة العسكرية، أول من أمس، بنشر السر الأقل حماية في الشرق الأوسط. من خلال الإعلان المفاجئ لوسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت الرقابة أنه بعد "عمل مشترك وفحص عميق وموضوعي" قررت السماح لهم بالنشر بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم طائرات هجومية بدون طيار في إطار نشاطه العملياتي. الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة، الذين كانوا يعرفون في بداية سنوات الألفين عن "الزنانات" التي تحلق في السماء قبل عمليات التصفية التي نفذها الجيش الإسرائيلي و"الشاباك"، اصبحوا بالغين منذ فترة طويلة. من الآن فصاعدا أيضا المواطنون الإسرائيليون يمكنهم معرفة الحقيقة.
جاء استخدام المُسيرات الهجومية جزءاً من "نظرية المجموعة"، التي طورت في الجيش في الثمانينيات والتسعينيات (كان إيهود باراك، نائب رئيس الأركان ورئيس الأركان أحد الآباء الروحيين لها).
ما زال الجيش الإسرائيلي يتصرف في تلك السنين تحت ظل صدمة حرب "يوم الغفران"، وبحث عن طرق يتم فيها تأمين تفوقه في حالة تصادم آخر مع فرق مدرعة سورية في هضبة الجولان. كان الرد، بدلا من الدبابات، في التسليح الدقيق.
الفكرة العملية في الموضوع تقول إن الجيش الإسرائيلي سيعرف كيف يعثر على الدبابات السورية من مسافة بعيدة وتدميرها بإطلاق صواريخ دقيقة قبل أن تصل إلى مسافة إصابة الدبابات الإسرائيلية.
جزء من المهمة ألقي على وحدات برية خاصة (مغلان وموران وميتار). الجزء الآخر استخدم مُسيرات هجومية، طورت في الصناعات الهجومية، أهمها سمي "زيك"، وتشغيلها انقسم بين سلاح الجو وسلاح المدرعات.
الفكرة تم اختبارها في سلسلة مناورات طويلة أجراها الجيش الإسرائيلي لكن ليس على أرض الواقع، لأنه لم تندلع حرب أخرى بين إسرائيل وسورية.
الانقلاب في استخدام المسيرات جاء في أعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000. بعد شهرين انتقلت إسرائيل إلى سياسة تصفية شخصيات رفيعة في منظمات "الإرهاب" الفلسطينية. تمت العمليات الأولى على يد مروحيات حربية، وبعد ذلك تم دمج طائرات حربية واحيانا قوات برية خاصة من قوات النخبة أيضا. هنا حدثت مشكلتان: السلاح الذي أطلق من الطائرات المروحية (وبالتأكيد من الطائرات) كان ثقيلا وتسبب بأضرار مرافقة شديدة منها موت أبرياء. عرّض إدخال وحدات إلى عمق الأرض جنود الوحدات للخطر.
بالتدريج انتقلوا في الجيش وفي "الشاباك" إلى استخدام المسيرات، التي أطلقت سلاحا أقل كوسيلة للتصفيات المركزة. شخصيات رفيعة كثيرة، مثل أحمد الجعبري، الذي سمي رئيس أركان "حماس" في قطاع غزة، وحتى سمير قنطار، الذي تم إطلاق سراحه من السجن الإسرائيلي، وعمل في صفوف "حزب الله" في هضبة الجولان السورية، والذي نسبت تصفيته لإسرائيل، تمت تصفيتها بهذه الطريقة.
ولكن بشكل خاص في السنوات الأولى فإن جهاز الأمن حافظ على هذا السر بصورة مشددة. الادعاء الرئيس في تلك الفترة كان أن القدرة بقيت سرية من أجل الدفاع عن عنصر المفاجأة أمام السوريين إذا اندلعت حرب، في حين أن المهمة الثانوية التي كانت موجودة في حينه أمام "زيك" لم يكن يجب أن تشوش على ذلك.
في تشرين الثاني 2003 سجلت المشكلة الأولى. قبل شهر من ذلك إسرائيل قامت بمطاردة جوية لخلية مسلحة في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع. أدت نيران قاتلة من المُسيرات إلى موت ثمانية أشخاص من بينهم مدنيون. عضو الكنيست يوسي سريد (ميرتس)، وهو عضو مخضرم في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست والذي حافظ على مصادر المعلومات ممتازة داخل الجيش الإسرائيلي، اطّلع على حقيقة أن إطلاق النار جرى من طائرات مسيرة، في حين أنه في التصريحات الرسمية للجيش (بيان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي والأقوال التي قالها قائد سلاح الجو في حينه، دان حلوتس)، تم الادعاء بأن ذلك كان هجوما بطائرات مروحية أطلقت منها صواريخ هالباير، وقد أثار سريد فضيحة صغيرة، وطلب تفسيرات من الجيش. حتى هيئة المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي استشاطت غضبا، حيث اتضح أنهم في هيئة الأركان لم يطلعوهم على المعلومات بشأن استخدام الوسائل السرية.
كتم رؤساء جهاز الأمن السر، وتم الحفاظ عليه، رغم أنه عرف من قبل وسائل الإعلام. سرعان ما تحول المنع أمرا عبثيا. قام الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" بتطوير نظرية قتال مهنية ناجعة جداً لتشخيص نشطاء والمس السريع بهم من الجو، بوساطة المسيرات.
نُفذت العمليات من خلال غرفة عمليات مشتركة في تل أبيب. جزء من الأساليب الإسرائيلية تم تبنيه أيضا من قبل الجيش الإسرائيلي، تورط الذي في ذلك الوقت في العراق وفي أفغانستان في إطار مكافحة الإرهاب والذي أعلن عنه بعد عمليات 11 أيلول.
خلافا للإسرائيليين فإن الأميركيين لم يعملوا على إخفاء أسلوب عملهم. حتى أنه في العام 2005 فإن فيلم هوليوودي عن العملية الجارية في الشرق الأوسط باسم "سريانا" نقل بصورة دقيقة عملية تصفية جوية بوساطة طائرات مسيرة.
بالتدريج انتشرت طائرات مسيرة إسرائيلية، تقليد لها ولطرق عملها، في دول كثيرة في أرجاء العالم. أصدقاء وأعداء قاموا باستخدامها. قبل سنتين في الحرب في ناغورنو كارباخ، استعانت أذربيجان حسب ما نشر بمسيرات إسرائيلية من أجل مهاجمة القوات الأرمنية.
وفقط قبل أسبوع نشر بأن إيران ستزود روسيا بمئات المسيرات الهجومية، من أجل حربها في أوكرانيا. الإيرانيون بالمناسبة، ينقلون بالأساس عن الصينيين.
خلال العام 2010 سمح لضباط في الجيش الإسرائيلي بذكر المسيرات الهجومية في إحاطاتهم للمراسلين. في المقابل، بقي المنع الرقابي للنشر على حاله. كان هذا كما قلنا سرا ولم يعد سرا، لكن السياسة بقيت على حالها لفترة طويلة لم يكن لها أي ضرورة. حتى التعتيم بشأن المسؤولية الإسرائيلية عن مهاجمة المفاعل النووي السوري وتفاصيل العملية حفظت طوال 11 سنة. قرار الكشف، أول من أمس، اتخذ بتأخير كبير.

عن "هآرتس"