تم افتتاح مطار ياسر عرفات الدولي في 24 نوفمبر 1998 بحضور الرئيسين ياسر عرفات وبيل كلينتون. تعتبر المطارات أحد أهم المؤسسات السيادية في الدول، وبالتالي تم اعتبار افتتاح مطار ياسر عرفات الدولي كخطوة أساسية وهامة لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية في ذلك الوقت. الحديث اليوم عن مطار رامون قد يروق للبعض من ناحية إنسانية لأنه سيخفف من أزمة وصعوبة حركة المواطن الفلسطيني عبر مطار الملكة علياء الدولي عبر الجسر أو القاهرة عبر معبر رفح ولكن الخطر في مشروع مطار رامون أنه يجسد فكرة تقزيم القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية سياسية وطنية الى ملف شؤون إنسانية.
بالعودة لمطار غزة، هناك تفاصيل لا بد من ذكرها. تم افتتاح مطار ياسر عرفات الدولي في محافظة رفح في قطاع غزة في 1998، بتمويل من اليابان ومصر واسبانيا وألمانيا والسعودية بتكلفة حوالي 90 مليون دولار. المطار كان يستوعب نقل 700,000 مسافر سنوياً، وكان يعمل 24 ساعة يومياً على مدار العام، تم تصميم المطار وفق العمارة الإسلامية على يد معماريين من المملكة المغربية على شاكلة مطار الدار البيضاء، كان يبلغ طول مدرجه 3,076 متراً، مكون من 19 مبنى، والمبنى الرئيس مساحته 4000 متر مربع. طاقم موظفي المطار ضم 400 شخص. لكن المطار سرعان ما توقف عن العمل في ديسمبر 2001 بعد أن تم قصفه من قبل الجيش الاسرائيلي مما ألحق به دماراً فادحاً. عملت دولة الاحتلال على قصف محطة الرادار والمدرج لكن ساحة المطار لم تتعرض لدمار بالغ في ذلك الوقت وما لبثت الدبابات الإسرائيلية حتى عملت على تمزيق المدرج إلى أجزاء في يناير 2002. ثم قصفت إسرائيل المبنى الأساسي في المطار أثناء حرب لبنان 2006 وبعدها تجرد المطار من محتوياته على يد اللصوص المرتزقة، حيث لم تتمكن الشرطة الفلسطينية من احتواء الموقف خاصة بعد الانقسام الذي حل بشعبنا ومقدراته.
كان لنا مطار دولي، واليوم لا مدرج ولا مهبط ولا طائرة ولا حتى إسفلت! من حق الفلسطيني أن يكون له مطار وأن يسافر بكرامة! هذا ليس حلم، هذه حقيقة ولن يضيع حق وراءه مطالب، المسألة في نقاش الحلول الجزئية أنها تحول القضية الفلسطينية لمسألة إنسانية. خدمة احتياجات المواطن جوهرية ولا نقلل من أهمية التفكير في حلول خلاقة لتوفير ما يخدم المواطن، ولكن علينا كفلسطينيين تذكير اسرائيل بمسؤوليتها عن تدمير المطار وحرمان المواطن الفلسطيني من أبسط حقوقه. بدلاً من رامون، لمَ لا تتوقف السياسات الاستفزازية على الجسر ولمَ لا نبحث ضرورة تشغيل مطار قلنديا او مطار ياسر عرفات الدولي الذي دمرته الصواريخ الاسرائيلية؟!
وبهذه المناسبة لا يسعنا سوى التطرق لاتفاقية شيكاغو 1944 التي أسست لعمل الطيران المدني الدولي، وتنص الاتفاقية في المادة (6) على أن لكل الدول الموقعة عليها السيادة الكاملة على مجالها الجوي، بحيث "لا يجوز لأي خط جوي دولي منتظم أن يطير فوق إقليم دولة متعاقدة إلا إذا كان يحمل إذنا خاصا أو ترخيصا من قبل تلك الدولة"، كما أن المادة (9) من الاتفاقية توضح أن من حق الدولة أن تمنع الطيران بمجالها الجوي لظروف استثنائية "أو أثناء أزمة أو لأسباب تتعلق بالأمن العام"، وذلك بشرط عدم التمييز بين الجنسيات!
ومن هنا لا بد من التنويه ان دولة الاحتلال تستبيح المجال الجوي الفلسطيني المحفوظ في المواثيق الدولية، مطلوب من صانع السياسة الفلسطيني الانضمام فوراً لهذه الاتفاقية، مطلوب تحميل اسرائيل مسؤولية تدمير المطار الدولي في غزة ومحاسبة اسرائيل على مخالفتها للقانون الدولي الذي يحفظ الحق الفلسطيني في المجال والملاحة الجوية، ومطالبة دولة الاحتلال بمردود مقابل استعمالها للمجال الجوي الفلسطيني وضرورة السماح مؤقتاً للفلسطينيين باستعمال مطار بن غوريون الأقرب جغرافياً لكل مواطن فلسطيني بدلاً من طرح بدائل عشوائية انتقالية جزئية شأنها اذلال المواطن الفلسطيني والتأكيد على تجريده من حقوقه السياسية والسيادية!
ومن أهم ما جاءت به اتفاقية شيكاغو هو إنشاء منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) التي تتخذ من مونتريال/كندا مقراً لها، دولة الاحتلال هي من دمرت المطار المدني ومحتوياته وهي عضو في الايكاو، وبالتالي تتحمل المسؤولية عن إعادة إعمار المطار، عملاً بنصوص المعاهدات والقوانين الدولية حسب منظمة الطيران المدني الدولي ICAO. فلسطين ليست عضواً في هذه المنظمة الدولية "الإيكاو"، ضروري تقديم طلب عضوية، ولا بد لنا من توظيف الدبلوماسية والقانون الدولي فوراً بهذا الخصوص.
مرة أخرى تشتتنا سياسة التدرج (خطوة خطوة) التي تتبناها الولايات المتحدة في التعامل مع حقوقنا، لا بد من العودة للغة إنهاء الاحتلال الذي يجمع الابارتايد والاستيطان والتهجير والترحيل والإذلال والعنصرية والحرمان من أبسط الحقوق البشرية.
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.