اتفاق الحبوب الروسي - الأوكراني... ماذا بعد؟

حجم الخط

بقلم أسعد عبود

الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اسطنبول الأسبوع الماضي بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة لإخراج القمح من الموانئ الأوكرانية المحاصرة على البحر الأسود، يعتبر الاتفاق الجدي الأول بين موسكو وكييف منذ اندلاع الحرب في 24 شباط (فبراير) الماضي.   

 

توج الاتفاق جهوداً تركية وأممية استغرقت أشهراً، حتى كان في الإمكان التغلب على العراقيل التي كانت تحول دون إخراج أكثر من 20 مليون طن من القمح مكدسة في الموانئ الأوكرانية، بينما بات عشرات الملايين في مختلف دول العالم مهددين بالموت جوعاً، ذلك أن أوكرانيا وروسيا تصدّران ما يصل إلى نسبة 31 في المئة من القمح في العالم عدا عن الزيوت والأسمدة.  

 

وعلى الأهمية البالغة التي يرتديها الاتفاق في سياق عملية إنقاذ الملايين من جوع محتم، فإنه ينبغي الالتفات أيضاً إلى نتائجه السياسية. فهل يكون الاتفاق بمثابة اختبار لتسوية سياسية تختمر الآن في الكواليس على رغم وقع دوي المدافع والراجمات من مختلف العيارات؟  

 

ولا حاجة للتذكير بإشارات تدل على بداية تعب في روسيا وفي الغرب على حد سواء من الحرب. والدول الأوروبية التي تنتظر شتاء قاسياً بفعل تدني منسوب الغاز المتدفق من الأنابيب الروسية، حائرة في كيفية التأقلم مع مرحلة غير مسبوقة من التضخم وفي كيفية تدبير بدائل عن الطاقة الروسية التي أدمن عليها الأوروبيون عقوداً. 

 

والخشية، كل الخشية من تضرر صناعات أساسية ومن موجة ركود اقتصادي، بدأت معالمها تظهر تدنياً لسعر اليورو إلى أقل من دولار للمرة الأولى منذ 2002، تاريخ بدء العمل بالعملة الأوروبية الموحدة. والتعليمات التي تصدرها مختلف الدول الأوروبية للتقنين في استهلاك الطاقة خير دليل على ما ينتظر هذه الدول من صعوبات في الأشهر المقبلة. 

 

والتعب الروسي يتبدى في الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي تكبدتها موسكو منذ بدء الحرب، بينما يثبت أن التقدم على الأرض بطيء جداً ويدخل في سباق مع استلام كييف أسلحة نوعية من الولايات المتحدة. وإذا لم تكن روسيا قادرة على حسم الموقف بسرعة أكبر على الأرض، فإن الأرجح أن تتحول المعارك إلى حرب استنزاف طويلة.  

 

وحرب الاستنزاف لا قدرة لروسيا أو حتى لأوكرانيا على تحملها كون اقتصادها يتعرض للتدمير بوتيرة لن تكون المساعدات الغربية مهما كانت سخية، بقادرة على تعويض الخراب الذي يلحق بالبنى التحتية للبلاد. كما أن الغرب نفسه غير قادر على تحمل أعباء حرب طويلة تستنزف الكثير من موارده لدعم أوكرانيا بالسلاح والمال. ويتم ذلك على حساب الاقتصادات الغربية ونموها.  

 

علاوة على ذلك، فإن حرباً طويلة لن تكون مأمونة الجوانب لناحية عدم توسعها في لحظة ما، وتوريط أطراف أخرى فيها، بما يقود إلى مواجهة مباشرة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا. كيف يمكن أن يتطور هذا النزاع عندها؟ لا أحد يملك إجابة حاسمة.   

 

أخذاً في الاعتبار كل هذه الحسابات، من الممكن أن يكون اتفاق الحبوب هو البداية لتسوية أوسع تشمل وقفاً للنار والبدء في مفاوضات جدية بين روسيا وأوكرانيا.  

 

البديل عن التسوية يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوات كئيبة، لن تقود إلى مزيد من الدمار والكوارث ليس بالنسبة الى روسيا وأوكرانيا وأوروبا فقط، وإنما بالنسبة الى العالم.   

 

لا يمكن اتفاق الحبوب أن يصمد إذا تصاعدت الحرب التي دخلت شهرها السادس. ولذا، فإن تسوية اسطنبول، فتحت كوة صغيرة في جدار اليأس الذي أفرزته الحرب.  

هل هي بداية لشيء ما؟... ربما.