نتنياهو يسعى للعودة عبر البوابة الروسية

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

بتقديرنا أن الاصطدام أو على أقل تقدير، تبدد دفء العلاقة بين روسيا وإسرائيل، إنما هو قادم، وإن تم تأجيله أو تجنبه اليوم، فإنه سيكون غداً، وإذا كانت قد ظهرت شقة الخلاف اليوم حول نشاط الوكالة اليهودية، فإنه سيظهر غداً بسبب ما، وفي حقيقة الأمر، أن الشقاق السياسي بين الدولتين كان مقدراً له أن يقع لدرجة الاصطدام العسكري في سورية، نظراً إلى التواجد العسكري الروسي على أرض البلد العربي المجاور لإسرائيل والذي ما زال في حالة عداء معها، ولأن إسرائيل وبعد إلحاق الهزيمة بجماعات الإرهاب، سارعت بنفسها إلى شن الغارات وإطلاق الصواريخ ضد أهداف عسكرية ومدنية داخل الأرض السورية، لكن ما منع ذلك هو الصفقة التي تمت دون إعلان بين الدولتين، وكان مضمونها أن لا تلتحق إسرائيل بحرب أميركا والغرب الأوروبي ضد روسيا، مقابل أن تواصل موسكو غض النظر عن مواصلة إسرائيل شن غاراتها على سورية.  
وحيث إن العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا بدأت في الرابع والعشرين من شباط الماضي، أي أيام تولي اليميني المتطرف نفتالي بينيت مهمة رئيس الحكومة الإسرائيلية، فقد لوحظ حتى في تلك الأيام، أي الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية، تباين في الرأي والموقف بين بينيت ووزير خارجيته رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد، فعلى عكس بينيت الذي اتخذ موقف الحذر وعدم التورط في معاداة روسيا أو حتى استفزازها، سارع لابيد إلى إدانة العملية الروسية، ورغم أن الحكومة الإسرائيلية سارعت في ذلك الوقت إلى الاجتماع، حيث قررت عدم الانحياز تجاه تلك الحرب، حفاظاً على مصالح إسرائيل مع روسيا، إلا أن ذلك الموقف بالطبع لم يعجب الولايات المتحدة ولا من اصطف معها من دول الغرب الأوروبي، وسبب لها حرجاً، وأضعف من قدرتها على تجنيد التأييد العالمي، حيث إن كثيراً من الدول، وخاصة بعض الدول العربية المنتجة للطاقة، قد وجدت في الموقف الإسرائيلي، ما تبرر به موقفها المشابه، حتى أن الأمارات العربية والهند قد امتنعتا عن التصويت لصالح مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن لإدانة العملية الروسية، عشية وقوعها.  
أما القرار الروسي الذي تقدمت به وزارة العدل إلى المحكمة لحظر نشاطات الوكالة اليهودية في روسيا، ورغم أنه يبدو قراراً قانونياً، إلا أن بعده السياسي يبدو جلياً وواضحاً، بالنظر إلى التوقيت الذي وقع فيه، وما يؤكد هذا الظن، هو أن موسكو وبعد أن رفضت منح الطاقم القانوني الإسرائيلي الذي شكله رئيس الحكومة لابيد، التأشيرات اللازمة لدخول روسيا، إلا أن عودتها عن الرفض وسماحها  للوفد المذكور بالحضور لموسكو للمرافعة أمام المحكمة، والدفاع عن نشاطات الوكالة، يرجح أن حواراً سياسياً من تحت الطاولة قد جرى بين البلدين، وأن رسالة روسيا للابيد، خاصة بعد استقباله لجو بايدن قبل نحو أسبوعين، قد وصلت، بما يعني «فرملة» التقدم الإسرائيلي باتجاه الانضمام لجوقة التطبيل للجانب الأميركي ضد الروس، خاصة أن فصول الصراع تتركز حول توفير البديل للغاز والنفط الروسي لأوروبا، وفي هذا الإطار تحاول أميركا أن تجعل من إسرائيل والشرق الأوسط ذلك البديل، لأنه الأقرب منها ومن كندا لأوروبا.  
روسيا كانت واضحة تجاه كل من يفكر في الانضمام صراحة للجانب الأميركي من تلك الحرب الاقتصادية، وعقد القمة الثلاثية في طهران كرد على زيارة بايدن لإسرائيل والسعودية، فهي إضافة إلى أنها رد على محاولة أميركا عزل روسيا دولياً، إلا أنها أيضاً توجه رسالة لدول الخليج وإسرائيل، التي حاول بايدن أن يجمعها في حلف أمني، عبر زيارته، مفادها أن روسيا ستقف مع إيران في حالة ظهور ذلك الحلف، وربما كان هذا أحد الدوافع التي منعت قمة جدة للأمن والتنمية من الاستجابة الفورية للمسعى الأميركي.
وحيث إن إسرائيل ذاهبة إلى انتخابات غير حاسمة بعد ثلاثة أشهر من الآن، فإن لابيد على الأغلب سيختار عدم توتير العلاقة مع روسيا، نظراً إلى أن الأحزاب الإسرائيلية لا تقدم على الأقل في دعايتها الانتخابية ما له علاقة باستراتيجيا السياسة، بل بتكتيكها، وكل ما منت إسرائيل النفس به من موقفها تجاه الحرب الروسية - الأوكرانية هو استقبال المهاجرين الأوكران، حيث تبدو الوكالة اليهودية في هذا الملف هي أداتها الحاسمة، يبدو في حالة استمرارها بالتقرب من الجانب الأميركي ضد روسيا، في مهب الريح، وإضافة لذلك تبدو أصوات المهاجرين الروس الذين يبلغ عددهم 900 ألف صوت، يمثلهم حزب أفيغدور ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، مهمة للغاية، في معركة الانتخابات القادمة.  
ورغم أن أهم عامل لتحديد وجهة الناخبين الإسرائيليين هو رفع الأسعار، بعد سنوات «كورونا»، وإزاء رفع الأسعار العالمية بعد تأثر الطاقة والحبوب من الحرب الروسية - الأوكرانية، سارع بنيامين نتنياهو إلى التشهير بكل من لابيد وبني غانتس، خصومه في تلك الانتخابات، وذلك بعد فوزه داخل الليكود بترشيح الحزب وقيادته ومعسكره في انتخابات الأول من تشرين الثاني القادم.
وعلى طريقة دونالد ترامب الرئيس الأميركي السابق، الذي استهزأ بجو بايدن الرئيس الحالي، وذكر بما كان عليه من علاقة خاصة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استعرض نتنياهو علاقته الخاصة وما حققه من تقارب خلال ولايته مع بوتين وروسيا، وكان بذلك يخطب ود الناخبين من المهاجرين الروس، وهو يدرك أن ليبرمان ما زال على موقفه من عدم الانضمام لحكومة يترأسها نتنياهو، لكن ذلك الموقف من نتنياهو قد يزيد الضغط على ليبرمان، أو حتى يساهم في شق صفوف المهاجرين الروس، بحيث يصوت الآلاف منهم لنتنياهو عبر الليكود وحلفائه، وربما حتى أن يصل إلى درجة تشكيل حزب آخر بينهم يخرج عن بيت الطاعة لليبرمان.
أيا تكن الحسابات الداخلية الإسرائيلية، تجاه روسيا، فإن المتغيرات الدولية، خاصة الجارية حالياً، على المستوى الكوني، تشير إلى أن إسرائيل عليها أن تأخذ بعين الاعتبار تلك المتغيرات، وأنه لم يعد بمقدورها أن تواصل الحصول على «العسل» الأميركي دون ثمن، وأميركا التي ورثت سياسات الاستعمار القديم من بريطانيا، تابعت حماية إسرائيل طوال الحرب الباردة وما بعدها، باعتبار أن إسرائيل كانت وليدة ذلك الاستعمار ورأس حربته في الشرق الأوسط، الغني بالنفط والغاز، وحيث إن الحرب اليوم تدور حول توفير الطاقة لإحدى أهم المناطق التي تستهلكها في العالم، فإن إسرائيل باتت مطالبة بأن تحافظ على نفسها بنفسها، وأن لا تعتمد كلياً على حماية الغرب، الأميركي خاصة.  
لكن هل يمكن لروسيا أو حتى الصين، أن تحل مكان الولايات المتحدة في حماية إسرائيل، والإجابة بالطبع هي النفي، فحتى أوروبا لم تتطابق تماماً مع أميركا حيال إسرائيل، لذلك فإن إسرائيل باتت مطالبة بملاحظة ما هو استراتيجي في السياسة الدولية، كذلك في التفكير جدياً، بالتحضير لما هو بعد حسابات الحرب الباردة والاستعمار القديم، الذي وضعها في مكانة ما، فوق القانون الدولي.