بقلم: الصحفي المصري أحمد جمعة

الأزمة الأوكرانية.. أزمات الإقليم والاستقطاب الدولي 

الصحفي المصري احمد جمعة
حجم الخط

القاهرة - وكالة خبر

 لا شيء يعلو فوق تطورات الأزمة الأوكرانية في الصحف العالمية التي تتصدر العناوين الرئيسية بشكل يومي بعد إطلاق روسيا عملية عسكرية في فبراير الماضي، رفضا لتوجه حلف شمال الأطلسي "الناتو" لقبول عضوية كييف في الحلف وهو ما اعتبرته روسيا الاتحادية تهديدا لأمنها القومي، ما دفعها لإطلاق العملية العسكرية التي تهدف من خلالها فرض قواعد جديدة لحل الأزمة التي ظهرت على السطح عام 2014.

 تحديات كبيرة تواجه دول العالم بسبب الأزمة الأوكرانية وتركز وسائل الإعلام الغربية بشكل كبير على أزمة الطاقة والغذاء التي تعصف بدول العالم نتيجة الأزمة، باعتبار أن موسكو وكييف أبرز الدول المصدرة للحبوب والسلال الغذائية التي تحتاجها دول العالم ومنها "القمح" الذي يصنف أحد أهم السلع الاستراتيجية الذي تسعى الدول لتأمينه تحت أي ظرف.

الأزمة الراهنة في أوكرانيا لها تداعيات وخيمة على المنطقة العربية والقارة الافريقية بشكل خاص، وتحديدا الدول التي تعاني من تدخلات خارجية تصعب مهمة التوصل لحل للأزمات بالتوافق حول ملفات عدة منها الملفين السوري والليبي، وذلك لانخراط روسيا والدول الغربية في هذه الملفات وتعاظم نفوذ القوى الدولية في منطقتنا العربية.

لو نظرنا إلى التوافق الليبي – الليبي بين مجلسي النواب والأعلى للدولة والذى أفرز سلطة تنفيذية جديدة برئاسة فتحي باشاغا مارس الماضي، سنجد أن هذا التوافق الأول بين الليبيين مع تفاهمات بين المعسكرين الشرقي والغربي في ليبيا، وهو ما يعد تحول إيجابي نحو حل الأزمة الليبية والدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، إلا أن هذا التوافق اصطدم بالاستقطاب الدولي بين المعسكرين الروسي والغربي، ورغم الترحيب الضمني للدول الغربية بتكليف مجلس النواب الليبي لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا إلا أن تباين أجندة المصالح بين موسكو والدول الغربية عقب أزمة أوكرانيا، أدى لتعقد مسارات الحل السياسي والعسكري في ليبيا نتيجة محاولات الاستقطاب الشديد بين القوى المتصارعة ما انعكس بشكل سلبي على المشهد الليبي.

نفس الأمر ينطبق على الملف السوري الذى لن يحل إلا بتوافق الدول الكبرى على النفوذ والمصالح نتيجة ضعف دور الكيانات المعارضة، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه خلال الفترة الراهنة التي تشهد استقطاب حاد بين المعسكرين الروسي والغربي، وهو ما يجعل سوريا قابعة تحت سطوة عناصر مسلحة تتبع عناصر إقليمية ودولية، فضلا عن خلق هذا الاستقطاب الدولي مساحات لتنظيم داعش الإرهابي لإعادة التموضع في سوريا أو العراق خلال الفترة المقبلة مع انشغال الدول الكبرى بمعركة "تكسير العظام" على الأراضى الأوكرانية خلال الفترة الماضية.

اللافت أيضا أن الصراع والاستقطاب الدولي الحاد سيؤثر بشكل كبير على دول القارة السمراء وتحديدا منطقة الساحل في ظل التحركات التي يقوم بها تنظيم داعش الإرهابي وجماعات متطرفة أخرى، لإعادة تموضع التنظيمات المتطرفة وتوسيع مناطق نفوذها في القارة الافريقية التي لا تتوافر بها الموارد والإمكانيات اللازمة لخوض معركة طويلة النفس مع الجماعات المتطرفة التي تتلقى تمويلات ضخمة من أطراف إقليمية ودولية لها مصلحة في توظيف ورقة الإرهاب لتنفيذ أجندات خاصة.

يجب الإشارة إلى أن القرار الفرنسي الأخير بالانسحاب من دول بمنطقة الساحل سيؤدي لتنامي الخطر الإرهابي في هذه المنطقة، وسيؤدي الأمر أيضا إلى زيادة التغلغل الروسي وإتاحة الفرصة للجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش من إعادة ترتيب أوراقه في المنطقة، وذلك وسط انكفاء الدول الكبرى على الوضع في أوكرانيا وعدم الالتفات إلى القارة الافريقية والمنطقة العربية، وهو ما يستلزم دور عربي فاعل لملء فراغ الانسحاب الفرنسي على سبيل المثال من مالي ومنطقة الساحل.

انخراط أطراف إقليمية في منطقة الشرق الأوسط بالأزمة الأوكرانية ولعب أدوار فاعلة في الأزمة يعطي هذه الدول مساحات ومربعات شاسعة تتحرك فيها إقليميا، ما يدفع هذه الدول لتوسيع مناطق نفوذها في ظل تغاضي دول العالم عن سلوك هذه الأطراف الإقليمية في دولنا العربية، ما يهدد بإضعاف الدول العربية وتقسيم بعضها في ظل تغول أطراف إقليمية.

رغم الظرف الدقيق الذي يعيشه العالم إلا أن الموقف العربي باهت وغير واضح نتيجة العمل الفردي وعدم وضع رؤية استراتيجية وتعاون يخدم "الأمن القومي العربي"، يجب أن يكون هناك هدف رئيسي للعرب وهو الحفاظ على الهوية العربية وسيادة دولنا في ظل تغاضي القوى الكبرى عن التدخلات السلبية والخطط التوسعية لبعض الدول الإقليمية، ولابد أن يدرك العرب أن مصالحهم لن تحقق إلا من خلال عمل عربي موحد وواضح بعيدا عن العمل الفردي.

التحرك العربي الذي قادته الدولة المصرية عقب الأزمة الأوكرانية بإنشاء مجموعة الاتصال العربية والتي تشكلت بموجب قرار من المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية شهر مارس الماضي، يستحق الإشادة ويؤكد إمكانية انخراط العرب في عمل مشترك يمكنهم من لعب أدوار مؤثرة على المستوى الإقليمي الدولي.