لعنة الماضي تطارد المجتمع الإسرائيلي

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 





أبدأ بقصة: ذات يوم اتصل بي نشيط سلام قديم، حيث طرح فكرة واعدة لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وهو يوشك على أن يعرض الفكرة في لقاء ليهود وعرب يعقد في جفعات ايلا. فهل أنا مستعد لآتي؟ جفعات ايلا هي حاضرة جماهيرية متطورة في الجليل الأدنى، قرب قرية زرزير البدوية. اذا ما تنزهتم هناك في شتاء ماطر ستجدون مرابض ضخمة، رائعة من الزهور البرية، شقائق النعمان بكل الالوان وغيرها الكثير، لكن قصتنا وقعت في الصيف. في المساء اجتمع في بيت رحب بضع عشرات من اليهود والعرب من المنطقة، كلهم محبو سلام تذوقوا من الضيافة الخفيفة، وسمعوا بأدب أقوال المحاضر. عندما أنهى كلامه طلب من الجمهور أن يسألوا، وأن يبدوا ملاحظاتهم. طلبت امرأة اذن الحديث. "جميل جداً انكم تحرصون على الفلسطينيين في المناطق"، قالت. "ولكن ماذا عنا؟ اين نحن؟" رفعت يدها في حركة واسعة شاملة، 270 درجة حول جفعات ايلا. "الأراضي هنا حيثما توجد الآن غابة الكيرن كييمت، كانت لعائلتي. ماذا عنها؟".
صدرت همهمة خفيفة من مقاعد الجمهور. انزل الضيوف اليهود وجوههم الى ارضية الصالون. اما الضيوف العرب فتهامسوا فيما بينهم. روى واحد للجمهور عن الأراضي التي أخذوها من عائلته، في الناصرة. وذكر واحد آخر آباءه الذين اقتلعوا في 1948 من قريتهم. وحسب السيارات في الخارج كانوا جميعهم اناسا ميسورين، متجذرين، جزءا من لحم دولة إسرائيل. وحسب العبرية الطليقة التي على ألسنتهم أيضا. انفضت الامسية من تلقاء ذاتها: تقلصت الفكرة اللامعة لحل النزاع في النهاية الى شكر وسلام عاجل دون أن ينظر الواحد الى الآخر في عينيه.
تعلمت في ذاك المساء بان الماضي جزء مما هو نحن، لا سبيل لاخفائه: هذا ليس حكيماً وليس صحيحاً. لكن ينبغي الحذر في الماضي: الإدمان عليه يقوض احتمال ان يبنى هنا مجتمع يؤدي مهامه، معافى، ونزيه. من شأن الماضي أن يدفن المستقبل.
في نهاية الاسبوع نُشرت، بأمر من المحكمة العسكرية للاستئناف، محاضر محاكمة كفر قاسم. احدى المحاكمات المهمة في تاريخ الدولة. في 29 تشرين الاول 1956، في المساء الاول لحملة سيناء، أطلق افراد من شرطة حرس الحدود النار فقتلوا سكاناً عادوا الى القرية من عملهم. فقد أطلقت النار عليهم بحجة انهم خرقوا حظر تجول لم يعرفوا بوجوده. نحو 50 من السكان قتلوا في ذاك المساء. أوضح قرار المحكمة بأن هناك أوامر يرفرف فوقها علم أسود. اوامر غير قانونية على نحو ظاهر. الضابط والجندي اللذان أطاعاها كان يجب أن يرسلا الى السجن. ومع ذلك فإن المتهمين الذين ادينوا لم يعاقبوا حقاً. بل إن بعضهم نال الترفيع.
لم تكشف المحاضر حقائق جديدة: كل شيء نشر في الماضي. ومع ذلك فانها فتحت من جديد جدالاً حول خطة بادر اليها في سنوات الخمسينيات الاولى موشيه دايان. الخطة التي حملت الاسم السري "الخلد"، دعت لأن تستغل الحرب بين إسرائيل والاردن لأجل إخافة العرب في القرى على طول الحدود ودفعهم للمغادرة الى الأردن. لم تقر الخطة أبداً؛ فلم تقع فيها مذبحة، ولم تنشب حرب مع الاردن. وعلى الرغم من ذلك، فان بعضاً من المتهمين في المحاكمة عرفوا بها. ادعوا بأنهم عملوا وفقاً لروح القائد.
كفر قاسم ليست قرية اخرى. هي مدينة كبرى، مزدهرة، بني في وسطها نصب ضخم للمذبحة. رئيسان، ريفلين وهرتسوغ، اعتذرا على الفعلة باسم الدولة. واذا لم أكن مخطئاً فإن الأمن الشخصي وغلاء المعيشة يشغلان بال السكان هناك بقدر لا يقل عن الجريمة الرهيبة التي ارتكب بحق آبائهم قبل 66 سنة.
أدام رامز، الذي ادى الى النشر المتجدد للمذبحة في كفرقاسم، هو ايضا الرجل الذي من خلف الادعاء بانه كانت هناك مذبحة جماعية – 200 أو 250 نفسا – في الطنطورة، في العام 1948. قتل المدنيين كان في "حرب الاستقلال": قتل عرب يهودا، وقتل يهود عربا. مذبحة جماعية في الطنطورة مشكوك جدا ان حدثت. بيني موريس، المؤرخ المعتمد لتلك الفترة، مقتنع بانها لم تكن، ومثله خبراء آخرون. لكن راز ورفاقه على حالهم، مهووسون. مثل أيوب، الصديق التناخي. إذا لم يكن لهم ماض يحكونه فانهم سيحكون ظل الماضي.
العرب هم نحو 22 في المئة من سكان إسرائيل. من لا يراهم شركاء جديرين للاقتصاد، للصحة، للرياضة، للقضاء وللسياسة يعاني إما من العمى او العنصرية. الأشخاص الذين بعثوا الى الكنيست هم الممثلون الأصيلون لهم. في هذه اللحظة لا يوجد آخرون. عندما طلب ايمن عودة، وبعده منصور عباس ان يكونوا جزءاً من الحكم قام بن غبير وسموتريتش، وعلى سبيل الفرق هيندل وهاوزر، وفرضوا الفيتو. بدلا من تلطيف حدة الرواية تخندقوا فيها. وهم لا يزالوا يتخندقون.
الدرس ساري المفعول أيضا بالنسبة للعرب. طالما تتصدى إسرائيل عسكريا مع غزة ومع الضفة طالما استمر النزاع والاحتلال، لا عقل في الغرق في الماضي وإصلاحه على طريقة جنوب أفريقيا (هناك ايضا لم ينجح تماما). في هذه الأثناء يوجد هنا مجتمع عربي غارق في الجريمة وبضع مشاكل أخرى تحتاج الى العلاج.

عن "يديعوت"