عملية "الفجر الصادق" ومعضلة غزة

bjTSb.jpg
حجم الخط

بقلم مصطفى إبراهيم

 

 

 اسرائيل بسياستها العدوانية، ليست بحاجة الى مبرر لعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني، ولديها القدرة على ارتكاب كل الجرائم وتبرير سلوكها العدواني، واستفزازها الفلسطينيين، وجرهم إلى معارك عسكرية، فالعمل العسكري والعنف سياسة عقائدية اسرائيلية تمارسها ضد الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948.

من خلال الاطلاع على بعض التحليلات الاسرائيلية حول عملية اغتيال قائد اللواء الشمالي في سرايا القدس الشهيد تيسير الجعبري، والأهداف من العملية المعلنة وغير المعلنة، يحاول  عدد من الباحثين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين الربط  مع عملية ما تسمى (الحزام الاسود)  ٢٠١٩، التي استهدفت حركة الجهاد الاسلامي باغتيال قائد اللواء الشمالي في جناحها العسكري سرايا القدس الشهيد بهاء أبو العطا.

وذلك من خلال تحديد أهداف العملية المذكورة من قبل الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربة قاسية إلى حركة الجهاد الإسلامي، وإيجاد شرخ بين الحركة وحركة "حماس"، التي تحكم القطاع، عبر امتناع الأخيرة عن المشاركة في إطلاق النار، والسعي إلى انهاء سريع للمعركة من خلال "تشكيل واقع أمني جديد في الطريق الى تسوية بعيدة المدى". 

وفي حينه، تم التأكيد على أن عملية اغتيال ابو العطا، انطوت على رسالة تتجاوز الجهة التي استهدفتها، والمقصود حركة الجهاد الإسلامي.

أما العنوان الأبعد لهذه الرسالة فهو إيران باعتبار الحركة مرتبطة بها على نحو وثيق، بموجب التحليلات  الإسرائيلية.

وأن توقيت العملية جاء أيضاً ليخدم الأجندة الشخصية لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو المحددة باستمرار بقائه في منصب رئيس الحكومة بغية مواجهة احتمال تقديم لوائح اتهام ضده بشبهات فساد.

من ناحية أخرى، رسالة إلى إيران وأن عناصر الجهاد الإسلامي قرروا تصعيد "الإرهاب" ضد إسرائيل، وهم مرتبطون بإيران.

وان الفرق بينهم وبين "حماس" أنه ليست لديهم أي مسؤولية سلطوية لا على الجمهور ولا على الأرض.

حدد وزير الأمن الاسرائيلي بيني غانتس هدف العملية الإسرائيلية في غزة ضرب منظومة الجهاد الاسلامي مع توجيه ضربات أخرى توجهها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للحركة وذراعها العسكرية في الضفة الغربية.

وعدم السماح بوحدة الساحات وقول غانتس إن إسرائيل لن تسمح بربط الجهاد الاسلامي للأحداث بالضفة مع غزة، التي بدأت تشهد انفراجا وهدوءا خلال الأشهر الماضية وحالة غير مسبوقة.

استعرض بعض الباحثين أن ما يجري ‏يشهد على هشاشة التفاهمات، التي جرت في غزة على إثر  عملية "سيف القدس" العام الماضي.

وارتباط ذلك بالخطط الاسرائيلية المرتبطة بتسهيلات قدمتها اسرائيل لغزة، بزيادة عدد العمال وغيرها من الحاجات.

وكان مقابل ذلك، أن تلتزم "حماس"،  كونها الجهة المسؤولة عن غزة بأكملها، وليس فقط عن أنشطتها، وهي صاحبة السيادة وعقدت تفاهمات مع اسرائيل.

من وجهة نظر أولئك الباحثين والتأكيد على النجاح العملي للعملية العسكرية وما حققته وأخذ زمام المبادر، فإن الجولة الحالية توضح حقيقة إشكالات قد تصبح نموذجًا متكررًا في غزة، الترتيب مع "حماس" فقط ، التي تقدم نفسها من ناحية كعنوان حصري في المجتمع، لكن ليس كعنوان في الجانب العسكري، أي لغرض فرض السيطرة على القوى الأخرى في غزة.

في عملية ما يسمى "الحزام الاسود" واغتيال الشهيد ابو العطا، وصفها المسؤولون الإسرائيليون، كمساعدة لـ"حماس" في إزالة عقبة كانت تزعجها، وأن إسرائيل ساعدتها في فرض نفسها على حركة الجهاد.

خلال العملية العدوانية المستمرة، وفي اطار الحرب النفسية للإعلام الاسرائيلي للتضليل ودق أسافين الفتنة وسياسة فرق تسد، ولتبرير الفشل الاسرائيلي في مواجهة المقاومة وردودها في عمق دولة الاحتلال، تحاول اسرائيل التمييز بين حركتي الجهاد الاسلامي و"حماس".

عبر التلميح بعدم قدرة السرايا اطلاق الصواريخ تجاه العمق، وغيرها من التلميحات وانخفاض قدرة إطلاق النار مقارنة بالعمليات السابقة.

والقول إنه في حال شعرت حركة "حماس" بتهديد حقيقي لمصالحها من إحدى القوى في غزة، فإنها لن تتردد في إظهار قوتها ضدها.

وفي الوقت ذاته، يطالب الباحثون والمعلقون العسكريون بانهاء هذه العملية بأسرع ما يمكن.

ووفقا للمصلحة الإسرائيلية يجب إنهاء هذه الجولة، مع عدم ‏ إنهاء العملية كـ"قصة مفتوحة" تسمح للجهاد بتكرار نمط مماثل في المستقبل ولا يوضح لـ"حماس" مسؤوليتها كبح جماح الجهاد وفصائل المقاومة الأخرى.

عملياً "حماس" لم تشارك في المعركة، لأسباب مختلفة، قد تكون موضوعية متعلقة بأوضاع اقتصادية القاسية تعيشها غزة، واثار العدوان الإسرائيلي على القطاع، وهي لن تفكر، وليس لها نوابا، بالتصرف بقوة ضد أي من القوى في غزة، وكيف سيكون ذلك، ومشروعيتها أنها أبو المقاومة والقوة الأكبر، ومع ذلك فإن عدم مشاركتها في المعركة سيلحق بها بعض الضرر.

محاولة اسرائيل الضغط والإدعاء ببقاء "حماس" في موقف محايد وعدم  مشاركتها في المعركة، وتسلط الضوء على مسؤوليتها بالحفاظ على الهدوء مقابل التسهيلات الاقتصادية ودخول العمال للعمل في اسرائيل.

بالنظر لتحليل الباحثين والمعلقين الصحافيين ومحاولة استخلاص العبر من العملية العدوانية المستمرة ضد غزة ومع ادراكهم أنه من المبكر استخلاص نتائج سريعة، لكن من الواضح أن نتائج عملية "سيف القدس" ماثلة في خلفية هذه العملية واخفاقات مُنيت بها اسرائيل ولم تحقق النتائج المرجوة بردع المقاومة والقضاء على المقاومة، لكنها خلفت أوضاعا انسانية كارثية بعدم رفع الحصار وتشديد القيود والشروط.

 وعلى رغم من ترك "حماس" خارج المعركة، وما قد يسببه ذلك من  مشكلات في الساحة الفلسطينية، فإن أهداف عملية اغتيال الجعبري، انطوت ايضا على رسالة تتجاوز الجهة التي استهدفتها، والمقصود حركة الجهاد الإسلامي، وايضا العنوان الأبعد فهو إيران، وهذا ما اكدته تحليلات اسرائيلية اول أمس بالقول ان حركة الجهاد الاسلامي تريد تغيير قواعد اللعبة، بالتعاون مع ايران.

توقيت العملية جاء ليخدم الأجندة الشخصية بصبغة سياسية وظيفتها تحقيق إنجازات حزبية خدمة للحكومة الموقتة ورئيسها يائير لابيد ووزير الأمن بيني غانتس المقبلين على انتخابات الكنيست في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، ومحاولة  تحقيق إنجازات أمام الناخبين تساعدهما في التنافس للعودة مرة أخرى إلى الحكومة.

وخدمة أيضا لرئيس "هيئة أركان الجيش الإسرائيلي" أفيف كوخافي سيغادر منصبه  في بداية العام المقبل، وسعيه إلى ترميم فشله وغانتس في معركة "سيف القدس" في أيار (مايو) 2021.