يديعوت: خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذتها إسرائيل في مواجهة حركة الجهاد الاسلامي

حجم الخط

وكالة خبر

 

حاولت مصر وحماس إقناع الجهاد الإسلامي بضبط النفس، لكنهما تخلتا في النهاية عن المفاوضات. لم تتوقع قيادة الجهاد الضربة التي تلقتها بعد ظهر الجمعة، لكن الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” استخلصا دروسًا من الجولات السابقة وانتظرا فرصة لهجوم يستمر صداه لسنوات عديدة قادمة.

كان متوقعًا أن حركة الجهاد الإسلامي، بعد أن تتعافى قيادتها من الصدمة الأولية، ستقوم بالرد على الضربة المفاجئة التي وجهها لها الجيش الإسرائيلي؛ حيث تمتلك الحركة 4000 صاروخ، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوسًا حربية تزن أكثر من 100 كجم من المتفجرات. الجيش الإسرائيلي كان مستعدًا لاعتراض وابل الصواريخ، وهو الآن يستكمل استعداداته في حال تصاعد القتال.

الجهاد الإسلامي في غزة لديها عدد قليل من مجموعات إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات وعشرات صواريخ “كورنيت”، وبالطبع العشرات من قذائف الهاون؛ لذلك يجب أن تستمر القيود على الحركة. سيتضح في الساعات القليلة إذا كان الجهاد ذاهبًا لتصعيد طويل أم سيكتفي بجولة قصيرة للحفاظ على هيبته وكرامته.

التقدير هو أن حماس لن تنضم على الأرجح إلى القتال؛ أولًا: لأن الضائقة الاقتصادية في قطاع غزة شديدة، وحماس – صاحبة السيادة المسؤولة عن رفاهية السكان – مهتمة الآن بالهدوء. ثانيًا: لأن يحيى السنوار ورجاله حاولوا لمدة ثلاثة أيام كبح جماح الجهاد الإسلامي وإقناع قيادتها بعدم شد الحبال مع إسرائيل. وقد تحدثت حماس (وأيضًا رئيس المخابرات المصرية) مع الجهاد، فبسام السعدي لم يقتل ولم يصب بجروح خطيرة، وبالتالي عليهم الهدوء، فلا يوجد سبب يستدعي للدخول في جولة قتال بسببه، جولة ستؤدي إلى تعطيل الحياة في إسرائيل لبضعة أيام، إلا أنها ستؤدي إلى قتل ومعاناة ورعب وأضرار ستلحق بسكان غزة، لكن يبدو أن قيادة الجهاد استخلصت استنتاجات غير صحيحة من سياسة ضبط النفس التي عرضتها إسرائيل، وقدمت مطالب غير واقعية مقابل موافقتها على العودة إلى التهدئة.

رفعت حماس يدها، الليلة الماضية، واعترف الوسطاء المصريون بفشل الوساطة. ربما كان سبب تشدد الجهاد حقيقة أن زعيم التنظيم موجود الآن في طهران، وعلى الأرجح ضغط عليه مضيفوه لمواصلة إذلال إسرائيل. سبب آخر هو أن حركة الجهاد الإسلامي كانت قد خططت بالفعل – حتى قبل اعتقال السعدي – لشن هجوم صاروخي مضاد للدبابات أو هجوم قناص على سكان غلاف غزة، لردع إسرائيل عن مواصلة سياسة اعتقالات بحق عناصرها في الضفة الغربية. لكن تشدد التنظيم جعل حماس تخلي مسؤوليتها وتكتفي بدعم الجهاد في حال استمرارها باستفزاز إسرائيل والانتقال من الدبلوماسية إلى جولة حرب حركية، وينطبق نفس القانون على المصريين أيضًا.

مَن يستحق الثناء هو القيادة في إسرائيل، وخاصة كبار أعضاء المؤسسة الأمنية الذين طبقوا دروس العمليات والدورات القتالية التي حصل عليها الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” في غزة، وتصرفوا حسب قاعدة “العجلة من الشيطان “. أولًا وقبل أيّ شيء لأنهم فضلوا بدلًا من جولة قتالية تُهدر فيها أرواح البشر والموارد بمحاولة إنزال الجهاد من الشجرة بوسائل ناعمة، وفي نفس الوقت أعدوا للضربة، ولكن ليس مجرد ضربة؛ بل ضربة يستمر صداها لعدة سنوات وتزيد من قوة الردع التي تآكلت.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن غزة (على عكس لبنان) لا تتمتع بأهداف بنية تحتية عالية الجودة، ممّا قد يلحق الضرر بحماس والجهاد الإسلامي بشكل كبير. الأصول الرئيسية – خاصة للجهاد – هم القادة الميدانيون “المتعصبون” ذوو الخبرة، هؤلاء ينجحون بغرس دافع ديني في نفوس أبناء شعبهم الذين يخرجون لقتل إسرائيليين، لكن إيذاء الأشخاص يتطلب معلومات استخباراتية في الوقت الحقيقي، وليس أقل من ذلك الوقت، بضعة أيام أو أسابيع، حيث تقوم أجهزة الاستشعار الاستخباراتية بنصب كمين لهؤلاء “الإرهابيين ” حتى يرتكبون خطأ يسمح باصطيادهم. كانت الطائرات المسيرة التي حلقت فوق قطاع غزة في الأيام الأخيرة تهدف في الغالب إلى التحضير للعملية.

في بعض الأحيان، عليك أن تقوم بالاحتيال لإيقاع عدوك في الفخ، وقد تم كل هذا من قِبل قادة وجنود الجيش الإسرائيلي بهدوء وصبر الصيادين ذوي الخبرة، على الرغم من أنهم عانوا من نوبات من الازدراء من وسائل الإعلام وبعض سكان غلاف قطاع غزة بـ “الردع الضائع” وأنه تم التخلي عن مصيرهم، بينما في وسط البلاد كانت الحياة مستمرة كالمعتاد، وليس من السهل تحمل مثل هذا الضغط النفسي. كان الجيش في الواقع يستعد حتى تصطف النجوم، وفي الواقع اصطفت النجوم.