"بزوغ الفجر": إسرائيل حققت أهدافها ويجب أن تتوقف الآن

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



مع وجود ظهرها إلى الحائط، اختارت القيادة الإسرائيلية اتخاذ مبادرة عسكرية بهدف التخلص من الشرك الذي وقعت فيه أمام "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة. بعد أن طُلب من سكان غلاف غزة البقاء في البيوت لمدة ثلاثة أيام وإزاء التحذيرات بشأن عملية انتقام من قبل "الجهاد" وجدت الحكومة نفسها دون وجود العديد من الخيارات. شمل الحل الذي أوصى به الجيش إيقاع ضربة مفاجئة على "الجهاد" يوم الجمعة بعد الظهر: تصفية قياديين من الذراع العسكرية لـ"الجهاد" وضرب عدة خلايا، انشغلت كما يبدو في الإعداد لتلك العملية. في الجانب الفلسطيني، قتل حتى الآن 24 شخصا، بينهم ثلاثة من كبار القادة وطفلة ابنة خمس سنوات. وقتل في الانفجار في مخيم جباليا للاجئين، أول من أمس، خمسة مواطنين فلسطينيين، بينهم اربعة أطفال.
رد "الجهاد" في نهاية الأسبوع بإطلاق نحو 390 صاروخا، تركز معظمها في جنوب البلاد وأُطلق بعضها نحو "غوش دان" ومطار بن غوريون. حتى الآن لم تسجل أي اصابة شديدة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية باستثناء مصابين بصورة طفيفة وأشخاص أصيبوا بالذعر. سجلت بطاريات "القبة الحديدية" معدلات اعتراض عالية، 95 في المئة، حسب تقديرات أولية. وإذا كانت إسرائيل تستطيع فيبدو أنه حان الوقت لإنهاء العملية بأسرع وقت. من المشكوك فيه إذا كان يمكن التوصل إلى إنجاز عملياتي أفضل في الوقت الذي يتبع فيه زعماء التنظيم بالتأكيد من الآن أسلوبا حذرا. طالما أن "حماس" لا تشارك مباشرة في المعركة فإن الأطراف محدودة. من الأفضل التوقف.
بالتدريج، يتعزز في جهاز الأمن التقدير بأن "الجهاد" بحث عن تصعيد في كل الحالات. الاستعدادات الأولية لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات على أهداف إسرائيلية على طول الحدود بدأت قبل أسبوع تقريبا. اعتقال زعيم "الجهاد الإسلامي" في جنين على يد جنود حرس الحدود والصور المهينة والخوف (الذي تبدد) على حياته سرعت اتخاذ قرار من قبل التنظيم بالعمل. كانت لدى الجيش و"الشاباك" معلومات استخبارية دقيقة وقد عملا طبقا لذلك.
تم اتخاذ قرار مختلف عليه بإغلاق طويل للحركة على الشوارع الرئيسة. وفي الوقت ذاته، جرت استعدادات للاحتمالية التي تحققت والتي بحسبها لم ينجح الوسطاء المصريون، والأمم المتحدة وقطر، في ضمان أن "الجهاد الإسلامي" لن يمتنع عن العمل. يوم الخميس، تبين أن "الجهاد" لا ينوي التراجع عن مخططاته بالعمل. حتى أن "الجهاد" طلب تعهدا من إسرائيل بالامتناع عن إجراء اعتقالات أخرى في الضفة، وطالب بإطلاق سراح أحد أعضائه في الضفة، المعتقل إداريا في إسرائيل والمضرب عن الطعام منذ فترة طويلة.
بصورة مفاجئة بدرجة ما لم ينزل جزء من كبار القياديين في "الجهاد" في القطاع إلى الملاجئ، وقُتل اثنان منهم في هجوم لسلاح الجو. منظومة السيطرة والرقابة في "الجهاد الإسلامي" اقل تنظيما وتدريبا مما هي الحال لدى "حماس". خلق ضرب كبار القادة تشويشا معينا، كما أن القيادة السياسية للمنظمة ذهبت من سورية ولبنان لزيارة إيران. مرت بضع ساعات إلى أن رد "الجهاد" بالإطلاق، ورغم العدد الكبير من الصواريخ إلا أنه يبدو أن الوقت الذي مضى مكن الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الاستعداد بصورة فعالة نسبيا. لم تنته هذه الجولة بعد، ومن المرجح أنه ستكون هناك صليات أخرى نحو الجنوب والوسط، يمكن أن تتسبب بمزيد من المصابين. مع ذلك، حجم الضرر الذي يستطيع "الجهاد" وحده أن يحدثه، وهو تنظيم اصغر من "حماس" ولديه ترسانة سلاح محدودة مقارنة مع "حماس"، هو ضرر محدود بدرجة كبيرة. لذلك، المسألة التي ستحسم فترة المواجهة الحالية وقوتها هي قرار "حماس" الانضمام أو عدم الانضمام.
في جهاز الأمن، تولد الانطباع بأن كبار قادة "حماس" غير متحمسين لتجربة رؤساء الفصيل الأصغر بجرهم إلى داخل المعركة في توقيت غير مناسب بالنسبة لهم. يرتبط هذا القرار أيضا بعدد المصابين المدنيين. العدد الكبير منهم سيزيد الضغط على "حماس" من اجل أن تعمل. هذا هو السبب في أن كبار القادة في الجيش الإسرائيلي يحرصون على التأكيد بأن الجيش يبذل كل ما في استطاعته لتقليص الإصابات المدنية في القطاع. وحتى الآن يبدو أنه فقط هناك خط دقيق يفصل بين الضغط العسكري الذي سيحث "حماس" على ضبط "الجهاد" وبين عملية إسرائيلية تجبرها، حسب رأيها، على الرد بصورة شديدة.
من أجل إبراز التهديد فإن الجيش الإسرائيلي يقوم بتجنيد الاحتياط، ويضع قيادة فرقة أخرى في الجنوب إلى جانب فرقة غزة.
وقع وزير الدفاع، بني غانتس، على إذن للجيش لتجنيد 25 ألف جندي احتياط، وفي هذه الأثناء من غير المؤكد أن يتم استغلاله حتى النهاية. سيساعد جنود الاحتياط جنود الخدمة النظامية في مهمات متعددة مثل سلاح الجو وشعبة الاستخبارات وقيادة الجبهة الداخلية. في هذه الأثناء لا توجد أي نية لتجنيد ألوية احتياط للمعركة. السبب واضح وهو أن إسرائيل لا تعتقد أنه مطلوب الآن عملية برية ضد "الجهاد الإسلامي". هي ستضطر إلى ذلك فقط إذا تطور تصعيد واضح ضد "حماس".
يعمل رجال المخابرات المصرية، الآن، ساعات إضافية في محاولة لترتيب وقف لإطلاق النار. مرت جميع الأطراف بهذه القصة عدة مرات في السابق. في الجيش يتحدثون عن استعداد لأسبوع قتال، وقد يطول اكثر، وهم يأملون إنهاءه قبل ذلك بكثير. ولكن الشعار المعروف الذي يقول، إن الطرفين لا يريدان التصعيد لا يضمن أي شيء. وفحص جولات قتال سابقة، من "الرصاص المصبوب" في 2008 فصاعدا، يدل على أنه في معظم الحالات لم تكن هناك أي نية متبادلة لحرب طويلة، لكن الأمور تشوشت وتعقدت في أعلى الطريق.
كانت جولة القتال المكثفة الأخيرة في القطاع في أيار 2021 في عملية "حارس الأسوار". الفرق الرئيسي بينها وبين العملية الحالية "بزوغ الفجر" (إلى جانب التدهور المتواصل في اختيار أسماء العمليات) هو أن إسرائيل ما زالت ليست في صورة التصعيد. بدأت "حارس الأسوار" على خلفية توتر شديد في الحرم، قررت "حماس" أن تتولى بنفسها قيادته عبر إطلاق الصواريخ من القطاع نحو القدس. في هذه المرة، في هذا الوقت، ما زال المسجد الأقصى ليس في الصورة. وهذا من شأنه أن يكون احد أسباب الهدوء النسبي السائد في هذه الأثناء في أوساط الجمهور العربي في إسرائيل.
في الضفة الغربية، هدد أعضاء "غرفة العمليات" المشتركة للفصائل الفلسطينية في جنين، التي تضم أيضا أعضاء من تنظيم "فتح"، بالقيام بعمليات ضد إسرائيل. يقوم الجيش بعمليات إحباط استباقية، وقد اعتقل ليلة السبت نحو 20 عضوا في "الجهاد الإسلامي". أيضا هذه محاولة إسرائيلية لإرسال رسالة لـ"الجهاد" تقول: هل تحاولون ترسيخ معادلة ردع تمنعنا من اعتقال رجالكم في الضفة؟ نحن بالتأكيد سنزيد وتيرة الاعتقالات.
في غضون ذلك، إسرائيل يمكنها الاندماج في التصعيد، حول أحداث التاسع من آب (التقويم العبري) التي بدأت، أول من أمس.
ثمة صعوبة أخرى تتعلق بآلية الإنهاء. نقل رسائل من إسرائيل لـ"الجهاد" يتم بصورة غير مباشرة، بالأساس بوساطة المصريين، وعلى الأغلب من هناك لـ"حماس" وبعد ذلك لـ"الجهاد". المستضيفون الإيرانيون لأعضاء "الجهاد"، الذين خلافا للتحليلات التي تجد لها مكانا في البلاد، لم يبادروا إلى الإشعال، لكنهم بالتأكيد راضون عنه. وهم لن يساعدوا على إنهائه. رؤساء "الجهاد" لا يعيشون داخل شعبهم في غزة ولا يشعرون بالضغط. أيضا مسألة عدد العمال الذين سيذهبون من القطاع إلى إسرائيل، هذا إذا ذهبوا، تقلق سلطة "حماس"، ولا تقلقهم.
في هذه الأثناء، يبدو أن حكومة يائير لابيد (نفتالي بينيت أصبح له تأثير اقل)، تدير بشكل جيد الأزمة. أيضا تظهر التجربة المتراكمة لوزير الدفاع، بني غانتس، ورئيس الأركان، أفيف كوخافي، ورئيس "الشاباك"، رونين بار. يبدو أنهم في جهاز الأمن استعدوا جيدا لعملية البداية وتداعياتها. مجرد حقيقة أن دخول رئيس حكومة إلى مواجهة عسكرية في غزة غير مرتبط بالإجراءات القانونية ضده (لأنه لا يوجد شيء كهذا). وهو أيضا تجديد منعش. وحتى الآن، في الأيام الأخيرة نشهد سيلا من الإطراءات المفاجئة بشأن أداء الحكومة من جانب مراسلين متحمسين، ولا نريد التحدث عن مستشارين استراتيجيين، ممن يمثل الاستخذاء عقيدتهم.
تفسير هذا الدوران المفرط بسيط: للمرة الأولى منذ حكومة أولمرت في 2006 تعمل هنا حكومة وسط (لنفترض) تقتل "مخربين". مع ذلك، من الجدير التذكير أيضا بانفعال مثير بالأيام الأولى لحرب لبنان الثانية – من ما زال يتذكر "الخطاب التشرتشلي" في الكنيست، الذي اندلقت عليه وسائل الإعلام من اجل معرفة كيف يمكن أن تنتهي الأمور. حققت إسرائيل ما تريده في الجولة الحالية. كلما نجحت في تبكير وإغلاق هذه الجولة فإن ذلك سيكون افضل.

عن "هآرتس"