بعد عدوان الأيام الثلاثة على غزّة -من 5 حتى 7 أغسطس الحالي- أعلنت دولة الاحتلال "الإسرائيلي"، يوم أمس، عن سياستها الرسمية "أحادية" الجانب تجاه سكان غزّة، القائمة على مواصلة التسهيلات الاقتصادية ضمن سياسية ما يُسمى بـ"السلام الاقتصادي" الذي تعتبره بديلاً عن "السلام السياسي" في ظل تنكرها لأيّ حقوق سياسية للشعب الفلسطيني المُحتل.
إصدار تصاريح لنساء غزّة
وكشف ما يُسمى بالمنسق العام لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، غسان عليان، عن البدء في مشروع تجريبي يشمل تشغيل المئات من نساء غزّة في "إسرائيل" كجزء من الحصة البالغة 14 ألف تصريح عمل، بينما ذكر أحد المسؤولين وفق صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أنَّ حصة عمال غزّة تبلغ حاليًا 20 ألفًا.
وبحسب المركز الفلسطيني للإحصاء، للقوى العاملة خلال الربع الأول للعام 2022، بلغ معدل البطالة بين المشاركين في القوى العاملة "15 سنة فأكثر" حوالي 25٪ في الربع الأول 2022 في حين بلغ إجمالي نقص الاستخدام للعمالة حوالي 33٪، وفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية "ICLS-19th".
ولا يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزّة، حيث بلغ هذا المعدل 47٪ في قطاع غزّة مقارنة بـ 14٪ في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ معدل البطالة للذكور في فلسطين 21٪ مقابل 41٪ للإناث.
والمشروع التجريبي لعمل نساء غزّة داخل دولة الاحتلال، جاء خلال إحاطة أمنية للقنوات الإعلامية الإسرائيلية، قام بها مجموعة من المسؤولين الأمنين، حول السياسة المتبعة والتي ستتوسع خلال الفترة المقبلة، زاعمين أنَّ هذه الإجراءات يتم إتخاذها بأوامر من وزير جيش الاحتلال، بيني غانتس.
وترى جهات أمنية في "إسرائيل" أنَّ تل أبيب، بدأت سياستها الجديدة مع غزّة منذ نحو 8 أشهر بتقديم تسهيلات مدنية أحادية الجانب لتسهيل حياة سكان القطاع.
هل الاحتلال جاد في قراره؟
بدوره، أكّد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غزّة، سامي العمصي، على أنَّ "قانون العمل الفلسطيني لا يمنع عمل المرأة، طالما أنَّ فرصة العمل تحفظ كرامتها وتُلبي احتياجاتها"، مُتسائلاً في ذات الوقت: "هل الاحتلال جاد في قراره؟".
ومضى مُتسائلاً: "في ظل أنَّ العامل يخرج مع ساعات الفجر الأولى، هل تستطيع المرأة الفلسطينية مواجهة مشاق العمل داخل إسرائيل؟، وما هي فرص العمل التي سيوفرها الاحتلال؟".
وقال العمصي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ فرص العمل التي يُوفرها الاحتلال للعمال من فئة الرجال، تتمثل في العمل بقطاعي الزراعة والبناء، وهي أعمال شاقة بالنسبة للنساء".
وأضاف: "إنَّ الجهات المسؤولة في غزّة، لابُد أنَّ يكون لها القول الفصل في مسألة السماح للنساء بالعمل داخل دولة الاحتلال من عدمه"، مُؤكّداً في ذات الوقت على أنّه لا يمكن ترك الأمر لدولة الاحتلال والجهات الأمنية، ما يتطلب دراسة هذا الأمر جيداً.
وتابع: "إنَّ أهالي غزّة لا يقبلون أنّ تتعرض النساء للمساومة من الاحتلال الذي يُساوم المريض على العلاج"، مُردفاً: "يجب إتخاذ قرار السماح للنساء بالعمل في داخل دولة الاحتلال، بشكلٍ مُشترك بين الفصائل والجهات الأمنية والحكومة في غزّة".
وشكَّك في نية الاحتلال السماح للمئات من نساء غزّة العمل في الداخل المُحتل؛ خاصةً في هذه المرحلة الحساسة التي يُمارس بها كل أنواع الضغط ضد شعبنا؛ مُتسائلاً: "إذا كان الاحتلال جادًا في مسألة التصاريح، لماذا لا يسمح لـ250 ألف عاطل عن العمل من أجل التخفيف عن غزّة كما يدعي".
مخطط السلام الاقتصادي
من جهته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، باسم أبو عطايا، أنَّ دراسة السماح للمئات من نساء غزّة العمل داخل دولة الاحتلال، يأتي ضمن رزمة التسهيلات ومخطط السلام الاقتصادي الذي لم يتمكن رئيس الوزراء الأسبق، بنيامين نتنياهو، من تطبيقه".
وأكمل أبو عطايا، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "رئيس الحكومة الحالي، يائير لابيد، ووزير جيش الاحتلال، بيني غانتس، قاما بتبني مخطط "السلام الاقتصادي"؛ بمعني تقديم تسهيلات اقتصادية لغزّة مقابل الهدوء وتحويل قضية الشعب الفلسطيني من "قضية سياسية" إلى احتياجات اجتماعية خدماتية"، لافتاً إلى أنَّ هذه السياسية قامت حكومة الاحتلال بتبنيها مُنذ العام 2006 بعد هزيمتها في لبنان؛ ومحاولة البحث عن صورة نصر؛ فتوجهت لغزّة بهذا المخطط ونجحت أكثر من مرة وفشلت مرات أخرى.
وبيّن أنَّ دولة الاحتلال تعمل ضمن مخطط تقسيم المقسم؛ مُشيراً إلى تعميق الاحتلال الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي بين غزّة والضفة الغربية، ونجحت في تقسيم المقاومة داخل الضفة الغربية، وعملت على نفس الأمر في غزة من أجل فصل الحاضنة الشعبية عن المقاومة".
وقال أبو عطايا: "إنَّ الاحتلال نجح في أنّ يُوقف حماس عن المشاركة في الحرب الأخيرة على غزّة؛ وذلك ضمن مخطط كبير تعمل عليه دولة الاحتلال لتقسيم المُقسم"، مُستدركاً: "إسرائيل تعمل على تحويل حماس من حركة مقاتلة مقاومة إلى حركة تميل للسيادة والسلطة".
وأردف: "المخطط الاحتلالي يهدف إلى أنّ تُصبح السلطة في الضفة الغربية، تسعى للحفاظ على المكتسبات الشخصية من خلال التنسيق الأمني، وبينما حماس تُحاول الحفاظ على الأمن والهدوء في غزّة مقابل تحسين الاقتصاد".
وبالحديث عن هدف الاحتلال من دراسة السماح لنساء غزّة بالعمل في الداخل المُحتل، أوضح أنَّ "الاحتلال عندما أصدر 14 ألف تصريح لرجال غزة للعمل داخل دولة الاحتلال، جعل حماس تُفكر قبل إطلاق صاروخ واحد خلال معركة الأيام الثلاث الأخيرة على غزّة"؛ مُتابعاً: "بالتالي عندما تدخل النساء إلى جانب الرجال ويكون هناك عائلات كاملة تعمل داخل دولة الاحتلال؛ هذا الأمر سيؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للعائلات، وتُصبح المواجهة العسكرية من غزّة أمرٌ صعب".
وختم أبو عطايا حديثه، بالقول: "إنَّ ما يجري عبارة عن مخطط لفصل الحاضنة الشعبية عن المقاومة والمد الرئيسي للمقاومة من خلال النساء؛ الأمر الذي يستدعي التفكير في رزمة التسهيلات كلياً؛ لأنَّ الأمر ليس متعلق بعمل النساء في الداخل فقط".