هارتس : "المعسكر الرسمي" تعبير مدوٍّ عن عجز إسرائيل الإستراتيجي

حجم الخط

بقلم: آفي غيل


انضمام غادي آيزنكوت لبني غانتس وجدعون ساعر تعبير مدوٍّ آخر على عجز إسرائيل الاستراتيجي. ولأن الأمر يتعلق بشخص له إمكانيات كثيرة وذكي وقيمي فإن يوم دخوله الى السياسة الإسرائيلية تسبب بالإحباط. منذ تسرح ايزنكوت من الجيش قام بتقديم تحليل بليغ للتحديات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل. فقد وضع القضية الفلسطينية في مركز الصدارة عندما قال: "لستُ بحاجة لأكون عبقرياً عظيماً من أجل فهم معنى اندماج ملايين الفلسطينيين في أوساطنا... يجب تغيير الواقع لأنه يقود الى دولة واحدة، التي هي دمار لحلم الصهيونية". ولكن قرر الآن ايزنكوت الانضمام الى اطار سياسي شرط وجوده هو عدم تغيير الواقع الذي خشي منه. في أوساط اصدقائه في الحزب يوجد سياسيون يرفضون تماماً موقفه من القضية الفلسطينية. ساعر ومتان كهانا وزئيف الكين لا يخفون حقيقة أنهم لن يدعموا أي مبادرة سياسية تنبع من تحليلاته. وهم ايضا غير متأثرين بتحذيراته بأن إسرائيل تنزلق نحو واقع الدولة ثنائية القومية.
الصيغة التي تسمح بتجمع اصحاب مواقف سياسية متناقضة تحت سقف سياسي واحد هي عدم اتخاذ قرار وتقديس الوضع الراهن. ولكن عدم اتخاذ قرار هو قرار مثل كل القرارات، وتداعياته خطيرة. هكذا ايضا الوضع الراهن الذي ليس سوى شعار كاذب يفيد من يؤيدون الضم. في ظل غياب التقدم نحو اتفاق سياسي فان المنطقة الموجودة بين البحر والنهر ستتحول بالتدريج الى فضاء لا يمكن تقسيمه. تنزلق إسرائيل نحو الكابوس الذي يحذر منه ايزنكوت، وهو واقع الدولة ثنائية القومية التي تهدد الطابع اليهودي. وظهر تذكير لهذا في الاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن، والذي يشير الى عملية "اعتدال" مواقف سكان شرقي القدس العرب. 63 في المئة من المستطلعين يتفقون مع مقولة "كان من الافضل لنا لو أننا كنا جزءا من إسرائيل بدلاً من السلطة الفلسطينية أو المنطقة الخاضعة لحماس". طبقا لذلك، في شرقي القدس تظهر بوادر انتظام للمشاركة في الانتخابات للبلدية في تشرين الاول 2023. ويزداد تجاهل برميل البارود الذي يوجد على بابنا على خلفية ضعف وفساد وانقسام الفلسطينيين. حذّر ايزنكوت ايضا من أن الهدوء النسبي هو هدوء مؤقت، "السؤال ليس هل سيكون هناك اندلاع آخر، بل متى... من الواضح أن ذلك سيحدث. لا توجد أي احتمالية لأن لا يحدث ذلك، في الوقت والمكان الاقل راحة بالنسبة لنا". ولكن منطق "المعسكر الرسمي" الذي انضم اليه ايزنكوت يمنع القيام بمبادرة سياسية مهمة. لأن القيادة الفلسطينية التي ستبرز بعد ذهاب أبو مازن لا تمثل أي أفق سياسي يمكنه أن يشكل البديل للتدهور العنيف الذي يتوقعه.
حذر آيزنكوت ايضا من امكانية "الوصول، رغم ارادتنا، الى حل الدولة الواحدة. وهذا سيكون كارثة". هو يحذر من أنه في ظل غياب سياسة فانه يتوقع أن "ننجر وراء احداث دون اتخاذ خطوات مهمة من أجل أمننا ومستقبلنا". مع ذلك، هو ينضم الى حزب يلتزم بشلل سياسي. هو يحكم على نفسه بإحباط متواصل لأن شخصا مثله لن يسقط في سحر الوضع الراهن وبادرات حسن النية الانسانية والوعود بسلام اقتصادي. يوم دخوله الى السياسة هو يوم محبط، لأن هذا الشخص، الأكثر وعدا والذي انتظر خارج الملعب على الخط، لم ينضم الى الجسم السياسي الذي كان يمكنه أن يرفع بتفاخر الراية السياسية التي يؤمن بها، ويصنع فيه الكثير.
في الواقع الإسرائيلي الذي انجرت فيه أغلبية الجمهور نحو اليمين فمن غير الغريب أن هذا الخيار يظهر ساذجاً. مهنة الإقناع وإعداد النفوس تقتضي قوة في النفس وإخلاصاً لسنوات طويلة. ومن غير المنطقي أن نشتكي من ذلك امام من خشي من ذلك. حتى الآن فان قرار ايزنكوت محبط لأنه يعكس التسليم بواقع تترك فيه إسرائيل للآخرين تشكيل مستقبلها. العرب في القدس سيقررون كيف سيكون طابع عاصمة إسرائيل. والفلسطينيون سيقررون اذا كانوا سيطالبون بمساواة في الحقوق في دولة واحدة. وستملي الدول العظمى، في أعقاب سفك الدماء المتوقع، الاتفاق الدائم. ونحن، بدلا من أن نسير الى الهدف الذي سيضمن الأمن والطابع اليهودي لإسرائيل، سننتظر ما سيأتي ونحن في حالة شلل وبدون أي مبادرة.

عن "هآرتس"