على عكس ما توحي به استطلاعات الرأي الإسرائيلية حول تراجع شعبية رئيس الحكومة نتنياهو، فهذا الأخير استغل الاجتماع الأسبوعي لحكومته الأسبوع الماضي، ليشير إلى أن هناك احتمالا كبيرا لانهيار السلطة الفلسطينية وينبغي الاستعداد لمثل هذا الأمر حال حدوثه، بدا نتنياهو مزهواً بقدرته على الصمود داخل الليكود وفي اطار حكومته الضعيفة، لا لشيء إلاّ لاعتقاده أنه وبالرغم من نتائج استطلاعات الرأي، إلاّ أنه نجح حتى الآن ومن خلال مناوراته في عدم بروز أي بديل عنه، هو ملك إسرائيل، وليس هناك من الأمراء من يستطيع أن يحلّ مكانه، هو باقٍ على رأس الحكومة ليس بسبب نجاحاته، بل بسبب إخفاق البدائل من أن تكون بديلاً عنه.
ولكن في اليوم التالي لهذا الاجتماع، الاثنين الماضي، برزت أولى ملامح إمكانيات انهيار حكومته التي تسير على عكازين مكسورين، عندما نجحت المعارضة في الكنيست خلال تصويت على اقتراح نزع الثقة بالحكومة، في أن تتغلب عددياً بالتصويت على الموالاة، بفارق صوت واحد، 54 للمعارضة، 53 للموالاة، وهذه هي المرة الأولى الذي تتغلب فيه المعارضة على الحكومة والموالاة، لكن هذا التصويت، مع أنه يعطي مؤشراً قوياً على الخريطة السياسية الهشّة في إسرائيل في ظل ولاية نتنياهو، إلاّ أنه يبقى رمزياً، ذلك أن حجب الثقة يوجب الحصول على 61 صوتاً على الأقل.
لكن نتنياهو، ومن جديد، أحال هذا الفشل في الكنيست إلى العرب، مشيراً إلى أن القائمة العربية خرقت اتفاق «المقاصصة» والذي يتم خلاله تغيب نائب عن المعارضة عن التصويت في حال غياب نائب من الائتلاف عن التصويت، وفق اتفاق مسبق حسب ادعاء نتنياهو!! إلاّ أن الرد جاء من بعض أقطاب المعارضة وبشكل غير مباشر، عندما حاول بعض وزراء نتنياهو، التهوين من الوضع الأمني، بالقول إن الخسائر البشرية بسبب حوادث الطرق أكثر من خسائرها من «الارهاب» ، وزير التعليم نفتالي بينيت وفي برنامج إذاعي دعا الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدارس في تل أبيب رغم عدم القبض على «نشأت ملحم» ذلك أن قتلى حوادث الطرق أكثر بكثير من قتلى العمليات الارهابية، وأيد وزير الأمن الداخلي جلعاد اردان أقوال بينيت متطوعاً بالاستعانة بأرقام حوادث الطرق!!
في رد المعارضة، أن نتنياهو يختبئ وراء مبررات واهية لفشله في تحقيق الأمن تارة بإلقاء اللوم على المعارضة في نجاحها بحجب الثقة رمزياً عن حكومته، وتارة بإحصائيات حكومته حول حوادث الطرق والأمراض المزمنة، بدلاً من الاعتراف بفشله في وقف الحراك الفلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس.
إلاّ أن هذه المعارضة، هشة وضعيفة وعاجزة عن استثمار تردي الوضع الأمني في حكومة ائتلافية على الحد الفاصل عددياً، الأمر الذي يدفع بنتنياهو، رغم كل ما يجري، أكثر قوة وتحدياً، وبينما يتخوف من انهيار السلطة الفلسطينية، إلاّ أنه مطمئن تماماً إلى عدم انهيار حكومته، مع أنه ربما في قرارة نفسه يدرك أن الأمر قد يسقط من يده، ما دفعه إلى إجراء انتخابات داخلية في حزب الليكود، على رئاسته للحزب، تخوفاً من إمكانية سقوط الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة طارئة.
ورغم ملامح الاطمئنان من قبل نتنياهو، إلاّ أنه ما زال يحاول أن يرشي المعارضة برئاسة هرتسوغ، من خلال دعوته للمشاركة في الحكومة مع عديد من الامتيازات التي لا تزال أقل مما يتوقعه زعيم المعارضة، الذي بدوره يعتبر أحد عناصر قوة نتنياهو، نظراً لضعفه وخطابه المرتبك وعدم ثقة حزبه بقيادته، خاصة أن هناك انقساماً على خلفية نزوع هرتسوغ للتعاطي مع إمكانية المشاركة في حكومة نتنياهو.
وإذا كان نتنياهو قد نجح في إسقاط أية بدائل محتملة لخلافته، فإن هرتسوغ بات أكثر فشلاً، إذ أن حزبه المتصدع قادر على إفراز قوة تتفوق عليه، مع استغلال الوضع الأمني الراهن، والبديل المرشح لحزب العمل، ما هو إلاّ رئيس بلدية تل أبيب ـ يافا رون حولدائي، الذي سارع إلى زيارة مكان العملية في قلب تل أبيب، قبل أي مسؤول آخر، بما في ذلك رئيس حزبه، وألقى تصريحات نارية ضد رئيس الحكومة، محملاً إياه مسؤولية ما يجري، مشيراً إلى أن «نتنياهو لم ينجح سوى في إيجاد أشخاص آخرين ليتهمهم بالأشياء التي كان يتوجب عليه هو وليس غيره القيام بها «واعتبر جمهور حزب العمل والمعارضة بشكل عام، خطاب ورسالة حولدائي، أكثر قوة وتماسكاً، خاصة أنه لا يراهن على أي مشاركة في حكومة نتنياهو، الأمر الذي يجعل منه بديلاً محتملاً لهرتسوغ.
29 قتيلاً إسرائيلياً خلال مائة يوم، لم تسبب أي تصدع لدى حكومة نتنياهو، الرهان على سياسة الإعدام الميداني وتدمير منازل النشطاء الشهداء، لم تفلح في وقف الحراك الفلسطيني، لكنها مع ذلك وفرت أجواء إضافية ليظل نتنياهو ملكاً على مملكة الموت، وعلى العكس، فهناك من يرى في إسرائيل، أن نتنياهو، مع كل هذه الاخفاقات، هو الذي باستطاعته أن يجعل الخسائر أقلّ في الأرواح الإسرائيلية، والواقع أن اليمين الفاشي في الدولة العبرية، لن يجد أفضل منه لقيادة الدولة في هذا الوضع المتفجر، إذ أن الآخرين يملكون خطاباً دموياً، لكنه يتجاوز الخطاب إلى الفعل وليس هناك مجال للاختبار!!
مفوض أونروا: المياه تنفد وغزة تواجه الموت
17 أكتوبر 2023