تـرامـب مـن جـديـد؟!

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

يوماً بعد يوم تنتشر الكراهية والحقد في أوساط المجتمع الأميركي على خلفية التنافر الدائم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والانقسام في الأخير وانحياز الكثير من محافظي الحزب إلى الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يتطلع للترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2024.
قبل ظاهرة ترامب لم تغادر العنصرية والحقد الطبقي والفرق بين الأبيض والأسود المجتمع الأميركي، لكن المشكلة أن صعود الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة جعل من هذه العنصرية وثقافة الاختلاف العنفي بين طبقات المجتمع أقرب إلى الانفجار المدوي في أي وقت.
تغريدات ترامب في مناسبات عدة خلال السنوات الأربع الماضية من رئاسته وبعدها، كانت كافية بإشعال نار الفتنة والانقسام بين حزبه أيضاً، بدليل أن الجمهوريين ليسوا على قلب رجل واحد، وثمة معركة انتخابية قائمة حالياً بين مرشحين محسوبين على ترامب وآخرين يعارضونه من الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
وتخلل ذلك اقتحام مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» منزل الرئيس السابق بفلوريدا في الثامن من آب الجاري للبحث عن وثائق سرية قيل إنه احتفظ بها بشكل غير قانوني بعد مغادرته السلطة، الأمر الذي أثار حفيظة ترامب ووصف هذه المؤسسة الأمنية بالفاشية والفساد.
هذه الواقعة زادت الطين بلة وأذكت نار الانقسام في المجتمع الأميركي، إلى درجة أن مناصري ترامب اشتبكوا مع الشرطة ورددوا هتافات تحمل كل أنواع الحقد والكراهية للرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي وللمؤسسة الأمنية «إف بي آي».
كذلك اشتغلت شبكات التواصل الاجتماعي في نشر خطابات الكراهية من قبل أنصار ترامب الذين تجاوزوا المسموح إلى حد الرغبة الجامحة بالتهجم على مقار مكتب التحقيقات الفيدرالي وقتل عناصره، وسيل التهديدات للمكتب لم يتوقف حتى اللحظة.
مباشرةً بعد واقعة تفتيش مقر الرئيس الأميركي السابق، قتل رجل مسلح في ولاية أوهايو خلال محاولته الهجوم على مكتب «إف بي آي»، والرجل سبق وأن نشر تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للهجوم والرد على اقتحام مقر ترامب.
واعتقل رجل آخر لأنه كتب تعليقات على شبكات التواصل الافتراضي تفيد أن هدفه الوحيد قتل المزيد من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل أن يسقط، وقس على ذلك آلاف من أنصار ترامب الذين يسيرون على خطاه ومستعدون لـ»حرق الأخضر واليابس» من أجله.
ترامب هو أكبر مستفيد من حادثة دهم منزله، لأنه يظن أن هذه الفعلة رفعت من أسهمه بين أنصاره وداخل حزبه، وبالتأكيد سيستثمر ما حصل لحشد الرأي العام حوله، والأهم أنه سيستفيد من حالة الاحتقان الشعبي على أداء الرئيس الديمقراطي جو بايدن في مسألة محاربة الغلاء المعيشي وكبح التضخم الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.
المشكلة أن ترامب يدرك بأن معركته الحالية ليست مع الناخب الأميركي فقط، وإنما مع السياسيين في الحزب الجمهوري الذين اعترضوا على تأييده التحرك غير السلمي الذي أفضى إلى اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي «الكابيتول» في السادس من كانون الثاني 2021.
ثم إنه استفاد كثيراً من توقيت مداهمة منزله، خصوصاً وأن الحزب الديمقراطي بدأ يشعر بالارتياح على خلفية إقرار مشروع قانون الإنفاق من قبل مجلس الشيوخ الأميركي يوم الأحد السابع من آب الجاري، والذي يهدف إلى احتواء الغلاء المعيشي وخفض التضخم. النتيجة أن لا أحد يتحدث عن القانون ولا توجد سيرة أخرى غير سيرة ترامب واقتحام منزله.
هذا التشويش المقصود من جانبه يهدف إلى توجيه لكمة مباشرة على الوجه للحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية المقررة بعد ثلاثة أشهر تقريباً، إذ يطمح الرئيس السابق أيضاً إلى إعادة بناء قاعدته الجماهيرية والتأسيس عليها لتعزيز شبكة التحالفات داخل حزبه الجمهوري تجعله يستولي عليه تماماً.
ستشهد الولايات المتحدة في الأيام والأشهر المقبلة استقطاباً حاداً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي إذا ما فكّر ترامب الترشح في الانتخابات الرئاسية التي تعقد بعد عامين، ومن المرجح أن يعلن عن ترشحه على خلفية الدعوات الكثير من جانب أنصاره التي تدعوه لخوض السباق الانتخابي.
في حقيقة الأمر من الصعب تخيل أن تذهب البلاد نحو حرب أهلية بسبب ما سبق ذكره، لكن على المستوى البعيد من الممكن أن تسهم مثل هذه المناخات والانقسامات الداخلية الحزبية في التأثير على النسيج الاجتماعي المفكك في الأساس بفعل عوامل كثيرة من بينها التفكك الأسري والتمايز الطبقي والتحريض على العنف ورفض وتخوين وتخويف الآخر.
وجود شخص مثل ترامب في الساحة السياسية أو على هامشها، يُعجل من إمكانية وقوع حرب أهلية، والمعالجة لا تقتصر على سياسة «الطبطبة» ووقف خطابات الكراهية وشحن الرأي العام بالاختلاف الفوضوي، وإنما تستلزم الحلول الاستراتيجية تمكين المجتمع بمختلف مكوناته العرقية وسحب السلاح وإنفاذ القانون على مختلف الشرائح المجتمعية، واحترام الرأي والرأي الآخر. مشكلة ترامب أنه يجهل هذه المصطلحات أو يتجاهلها.