معاريف : لابيد وغانتس يضغطان بعنف في الضفة للفوز في صندوق الاقتراع !

ران-ادليست.jpeg
حجم الخط

بقلم: ران أدليست


انتظرتُ، انتظرتُ، انتظرتُ، ولا شيء. لم تتغير أنماط التصويت في الاستطلاعات رغم "النصر" و "الهدوء" في غزة، ورغم الاداء "الجيد" للحكومة. كقاعدة، يفترض أن تكون الآثار السياسية بعد جولة عنيفة أقل إثارة للاهتمام، وهنا، على المستوى بين الكتلتين، كأن لا شيء حدث.
بخلاف سير الحياة الاعتيادي للسياسة فإن ما يحصل على الأرض مشوق هو الآخر، مهم، واشكالي في الوقت ذاته. الثلاثي لابيد – غانتس –كوخافي، بتشجيع من "الشاباك"، يواصل الحرب في الضفة ضد "الارهاب" وضد "الجهاد". "سنبقى الى أن نصل الى آخر منفذي العمليات"، قال رئيس الاركان، الاسبوع الماضي. منذ "وستهدأ البلاد 40 سنة" التي قالها بيغن لم يكن هنا تصريح واسع عليل كهذا. أقدر بان دعم لابيد وغانتس لمواصلة الضغط العنيف في الضفة يستهدف استغلال النجاح في القطاع ليعرضا على شعب إسرائيل فترة هدوء لصالح علاوة في صندوق الاقتراع. لن ينجح هذا. ببعض الثقة أفترض أن الفلسطينيين ايضا لا يريدون لنتنياهو وبن غفير أن يديرا حياتهم، ويقول العقل السليم إن السلطة و"حماس" على حد سواء تفهمان الوضعية وستخفضان مستوى العنف. المنطق يقول إن الفلسطينيين بالضبط مثلنا، ايضا ليسوا مبنيين على احتمال القتلى الى ما يتجاوز قدرة هضم جمهورهم.
من جهة اخرى يروي الواقع أنه قبل أسبوعين اختفى في الضفة نشيط حقوق انسان. معروف. احتجز مكبلاً لساعات، "حقق معه" وسرح. هذا الاسبوع جبى "الارهاب" ثمانية جرحى في البلدة القديمة ويتبين (للمرة المليون) أن مشكلة الكثيرين في الضفة ليست المواساة بل "الارهاب". ما يحصل اليوم هو صيد "ارهابيين" كبار في أعمار 20 زائد – ناقص، او نشطاء سياسيين هم هدف سهل ورخيص. المشكلة: تعليمات تخفيف فتح النار والتي هي مدخل للخلل العملياتي (قتلى بعدد يتجاوز مستوى الاحتمال) ستشعل المنطقة، وتوسّع مصطلح "الارهابي"، من القنبلة الموقوتة التي من الواجب تحييدها انتقلنا الى القنبلة المخططة التي من الواجب وقفها وفحصها، والقنبلة "المَنْوِيّة" أي تقريبا كل شاب أصيب عقب الاحتلال وينوي "عمل شيء"، وهؤلاء هم الأغلبية الساحقة من شباب الضفة.
لأجل الامتناع عن التدهور عقب انعدام الوضوح الفتاك في تشخيص من نقتل، نعتقل، نحقق، نحذر، او نتحرش فان غانتس ولابيد ملزمان بأن يتحكما بمجال القرارات المستقلة لوحدات الجيش الإسرائيلي، "الشاباك"، والشرطة. إذا ما فقدا السيطرة وأصبح هنا احتفال رقص بالانتصار على الدم المسفوك فهذه ليست فقط الفوضى، بل ستسقط أيضا ورقة "الهدوء" و "الانتصار" للحكومة الحالية قبيل الانتخابات. السؤال هو اين تمر الحدود بين الهدف الذي هو "الانتصار على الارهاب" وبين الواقع الذي هو "الارهاب الى الابد" او للأسف "مئة سنة ارهاب" على حد وصف رافي ايتان. وبخاصة عندما يكون ثمة احتمال غير قليل بأن يشعل الارض إسلاميون متزمتون واستفزازيون من بين المستوطنين. "تصفية الارهاب" بحد ذاتها هدف متعذر طالما لم تعالج المشاكل الاساسية والتوجه الى تسوية سياسية.
ثمة هدف محتمل، مقارنة بتصفية "الارهاب"، هو التصفية السياسية لكتلة نتنياهو، بخاصة في سياق التسوية السياسية. كان هذا الرجل سيصل الى عدد لا يحصى من الزعماء في العالم، ليتفق معهم على الحاجة للتسوية، ويجني ربحا دوليا، ويطلق في الهواء تصريحات معتدلة ولاحقا، كآخر الغشاشين، يتراجع عن موافقته. بين الحين والآخر حين ضغط رؤساء أميركيون (كلينتون، اوباما) عليه لتنفيذ وعوده والا فانه سينحى عن المنصة الدولية، اضطر ليوافق على خطوة ما (انسحاب من الخليل لدى كلينتون، تجميد الاستيطان لدى اوباما). وعندها كان يأتي الى مكتبه مخلدو النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في الساحة السياسية وفي جهاز الأمن ويعيدونه الى مسار الصدام الخالد.

بكاء للاجيال
لأجل التصدي للتذبذب الإسرائيلي بنى الفلسطينيون آلية تحافظ على جمرة مشتعلة من المقاومة العنيفة. تتراجع إسرائيل قليلا لكن نظام الاحتلال يستمر. دوما سيكون في المحيط احد ما يذكّرها باستكمال المهمة. رفض دولة إسرائيل خوض مفاوضات مع م.ت.ف أدلى الى سلسلة اعمال "ارهاب" رهيبة من جهتهم، وحملات وتصفيات من جهتنا، وحفر قبور متبادل. فقط بعد أن امتلأت سلة الدم بدأت محادثات اوسلو، وتقسيم الارض الى مناطق أ ب ج في الضفة وحدث تنسيق امني مع السلطة الفلسطينية. في عهد باراك رئيساً للوزراء، جرى الحديث عن تواصل بري بين غزة والضفة.
كان الحصار على غزة ولا يزال يشكل جزءاً من سياسة تستهدف تنفيذ مخططات العزل بين غزة والضفة. الحصار الذي فرض على السكان استهدف اضعاف "حماس" كتنظيم "ارهابي" مسلح يريد تصفية إسرائيل ويطلق صواريخ القسام والانقضاض على الجدار. النتيجة معاكسة. عمليا، العزل هو اساس الجهد الإسرائيلي في مواجهة المحاولات لتصميم شيء ما مع فلسطيني آخر في الطريق الى دولة مستقلة. افترض أننا كلنا سنفهم بالضبط عما يدور الحديث عندما تفتح ملفات الاعمال السرية التي استهدفت إثارة الشقاق والنزاع بين "حماس"، "فتح"، والسلطة.
النكتة هي ان كل هذا عظم قوة "حماس"، وكان غباء وبكاء للاجيال، وصل الذروة عندما صفت "حماس" م.ت.ف في القطاع، وأصبح نتنياهو رئيس الوزراء. اطلق سراح احمد ياسين زعيم "حماس" الكفاحي من السجن (كي يوحد الصفوف ضد م.ت.ف)، وحرر اكثر من الف سجين (تحرير شاليت)، وأقر نقل الاموال الى القطاع، وادار مفاوضات بوساطة مصرية. وماذا تعرفون؟ ثبت نتنياهو مكانة وسيطرة "حماس" سواء في القطاع ام في الضفة.
بالمناسبة، فان المقاتلين الخالدين ضد "الارهاب" الفلسطيني منذ "حرب التحرير" خرجوا عن أطوارهم منذ تطبعت العلاقات مع السلطة. كل قلبي على المقاتلين ضد "الارهاب الفلسطيني الى أبد الآبدين" ممن تلقوا هذه الايام ضربة من تنسيق حكومة لابيد – غانتس مع "حماس". ولن يكونوا راضين عنهما، اذ في جولة غير ناجحة سيطير هذا التنسيق الى الهوامش لصالح حملة اخرى للقضاء على "الارهاب" واحتلال القطاع، الضفة، وكل ما تبقى.
يشرح الخبراء بان حسابات قيادة "حماس" ألزمتهم بالاعتدال، وهنا تأتي اللحظة. رغم الانقسامات الداخلية وفي كل خطوة تاريخية للتعاون مع إسرائيل، يبقي الشعب الفلسطيني، من خلال آلية الجمرة المشتعلة ذاتها، على تنظيم عنيف نشط. اعتدلت م.ت.ف، فبرزت "حماس"، ثم اعتدلت هذه، فبرز "الجهاد". وحتى اذا ما "اعتدل" "الجهاد" ليست هذه نهاية الامر، فدوما سيكون لنا "ارهاب" ايراني في "المناطق" كي نقاتله.
في هذه الاثناء يتعين على حكومة لابيد وغانتس ان تدير سياسة الأمن في ظل الانتخابات، ما يعيدنا الى المشادات النازفة في الضفة اليوم والاستسلام لمطالب المستوطنين، مثل الحجيج الى الحرم والتأجيل في حومش. في ظل عدم اليقين الذي نعيشه اليوم يوجد طعم براغماتي مرير للجناح اليساري، لابتلاع هذه الخطوات. دوما يمكننا ان نتقيأ لاحقاً.

عن "معاريف"