هارتس: ما أسباب منع إسرائيل وجود منظمات فلسطينية ناشطة في الضفة الغربية؟

عميرة-هاس.jpg
حجم الخط

بقلم: عميرة هاس

إلى جانب القانون الدولي وبدون حدود، هذا هو فضاء النشاط اللانهائي لإسرائيل في حربها المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني. “كارثتنا” استمرت 12 سنة. ومنذ ذلك الحين والصهيونية هي التي خرجت منها رابحة أكثر فأكثر. لكن كارثة الفلسطينيين استمرت حتى الآن 75 سنة. والعالم، أي الولايات المتحدة وأوروبا، على رأسها ألمانيا، مجرد جسم يقف في الجهة المضادة.

الدول المتنورة في نظر نفسها تعطي لإسرائيل الضوء الأخضر مرة تلو الأخرى لمواصلة “غير الكارثة” التي تنفذها. إداناتها الضعيفة في كل مرة، دون تحذيرات دبلوماسية وبدون عصاب، إنما تعطي إشارات لإسرائيل بأنه يمكنها مواصلة التنكيل والإهانة والتحطيم والتعذيب والقصف والقتل والسجن والطرد وسرقة الأراضي والمياه… كل ذلك مع استغلال مشين لعائلاتنا التي قتلت على يد ألمانيا النازية وعملائها. المستشار الألماني، أولف شولتس المحترم، هل أصبت بالاشمئزاز؟ هل هذا هو ما يثير الاشمئزاز حقاً؟

ما كان لوزير الدفاع، بني غانتس، أن يوقف عملية إخراج سبع منظمات مدنية فلسطينية خارج قانون الاحتلال لو كان يعرف أن دول أوروبا ستطبق عقوبة معينة ضد إسرائيل. سارقون مسلحون إسرائيليون لم يكونوا ليقتحموا مكاتب هذه المنظمات الخميس الماضي وينهبون محتوياتها لو أمرت شخصية رفيعة في إدارة بايدن بذلك. ولكن أوروبا والولايات المتحدة قوية ومؤهلة وناجعة في فرض العقوبات على أنواعها على الشعب الواقع تحت الاحتلال، المسلوب والمطرود من أرضه، وكأنهم صدقوا الفريات اللاسامية بأن إسرائيل (كمنظمة عليا حديثة لليهود) هي أخطبوط متعدد الأذرع وقادرة على كل شيء. لذلك، يجب الحذر كي لا تغضب.

في إطار حربها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، تفتح إسرائيل طوال الوقت جبهات جديدة وتختار أكبر قدر من الأهداف. ولها من أجل ذلك موارد لا تنتهي، الأموال والجنود ورجال القانون والذين يقولون نعم والمواطنون الذين لا تعنيهم أكاذيب تغلفها شعارات من الأمن والمواد السرية. لا حاجة لانتظار 50 – 60 سنة إلى أن تفتح الأرشيفات وتكشف الوثائق عن مخطط حكومي سري آخر يقف خلف أعمال الرعب لأفراد كما يبدو (مثل مذبحة كفر قاسم) أو نوايا مختلفة عما هو معلن (مثل الحكم العسكري الذي استهدف منع عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم واستكمال السيطرة عليها).

حتى بدون وثائق، نعرف لماذا تمنع إسرائيل وجود سبع منظمات مدنية فلسطينية، من بينها منظمات حقوق إنسان بارزة:

1- نشاط هذه المنظمات يعزز الصمود الفلسطيني إزاء الاحتلال والغزو.

2- المعلومات، والشهادات، والوثائق والتحليلات التي تملكها هذه المنظمات هي أساس مهم لكل دعوى فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الهيئات القانونية الدولية في الحاضر والمستقبل.

3- المنظمات ونشطاؤها ينتقدون أيضاً السلطة الفلسطينية، ونيابتها العامة القمعية، وإخفاقها في مجالات اجتماعية وسياستها النيوليبرالية. وملاحقتها من قبل إسرائيل تزيد الشكوك والتساؤل بشأن أن السلطة أيضاً تريد إغلاقها. زرع الشك والاتهام المتبادل في أوساط الفلسطينيين هو ممارسة معروفة لأجهزة الاستخبارات.

4- المنظمات تحافظ وتنمي روح الوحدة الفلسطينية ما فوق القبلية، التي تناقض نية ونشاطات إسرائيل لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وبهذا فإن أي شخص، وعلى الأكثر أي عائلة، ستواجه وحدها الوحشية الموجودة في حكمها القسري.

في الوقت الذي تردد “حل الدولتين” بفمها، فإن الدول الأوروبية لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل رداً على أنها تلتهم الأراضي المتبقية للفلسطينيين في الضفة الغربية، خلافاً لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي. هي لم تُعِد سفراءها كوسيلة لتفرض على إسرائيل وقف حبس مليوني شخص في منشأة اعتقال تسمى قطاع غزة. هي لم تعلق اتفاقات التجارة مع إسرائيل لأنها منذ اليوم الأول لاتفاق أوسلو تخرق المبدأ الأساسي الذي قامت عليه: قطاع غزة والضفة الغربية وحدة جغرافية واحدة. هي لا تلغي اتفاقات الاتجار بالسلاح وتكنولوجيا التجسس، لأن إسرائيل قصفت وتقصف غزة بسلاحها وتتجسس بهذه الوسائل على فلسطينيين منذ الولادة وحتى بعد الموت. هي لا تقيد دخول الإسرائيليين إلى أراضيها رداً على قيود الحركة التي استمرت لسنوات والتي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين وعلى أزواجهم وزوجاتهم.

إسرائيل تدمر وتصادر معدات إنسانية (ألواح شمسية، أنابيب مياه وكرفانات)، التي هي بتمويل الدول الأوروبية. وهي تعرف جيداً بأنها ستكتفي بإدانة لفظية ليست ذات أسنان. الأرض والمياه التي سرقتها من الفلسطينيين تخصصها وتعدها أيضاً ليهود بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا والأرجنتين، وهي تعرف أن هذه الدول لن تعاقبها وتعاقبهم كأشخاص على هذه السرقة.

بعد إغلاق المنظمات السبع، فإن إسرائيل ومواطنيها اليهود المطيعين، الذين يربحون من هذه السرقة، سيمضون قدماً وسيجتازون المزيد من الخطوط الحمراء وسيلاحقون مجموعات أخرى وسيسكتون نشطاء آخرين برخصة من أمريكا وأوروبا.

 

هآرتس