بقلم : حسن عبدو
خبير سياسي متخصص في الشؤون الإقليمية
السعودية ليست دولة مذهبية كما يعتقد البعض، وإنما هي دولة براغماتية، تدرك أن الشيعة لا تشكل خطراً حقيقياً على نظامها، بل إن الخطر - كل الخطر - من شبيه ينافسهم على الزعامة، والمنافس العاطفي اليوم للنظام السعودي هو جمهور القاعدة وداعش.
لذلك كان إعدام المرجع الديني نمر النمر عملاً مدروساً ومفكر به جيداً، لان تفجير الصراع مع الشيعة في الداخل السعودية، والصراع مع إيران من الخارج يفيد النظام السعودي ويعيد تماسكه محلياً، ويخدم أجندته الإقليمية.
على الصعيد المحلي تستفيد السعودية من الذهاب نحو دوامة العنف والصراع مع الشيعة العرب في تشويههم كسعوديين وتظهرهم بوصفهم عملاء لقوى الخارج، وخطر يستدعي الوحدة والتماسك لمواجهته، وبذلك تجذب جمهور داعش العريض، وتستميل قوى التشدد، وتؤجل معركتهم مع النظام ... الذي يدافع عن السنة !! ...
يشار هنا ان النمر يتبع مرجعية محمد تقي المدرسي (وليس خامنئي) وحسب موقع ويكيليكس عقد النمر لقاءات مع الأمريكيين وقال لهم ذلك، لرغبته بوضع مسافة بينه وبين الإيرانيين عبر تأكيده أن إيران دولة تسعى لمصالحها القومية، وليس مصالح الشيعة بالضرورة، وانه يتبع مرجعية مختلفة، بمعنى انه أراد أن يقول للأمريكيين لست عميلاً للإيرانيين، وان مطالبتي بالإصلاح السياسي تأتي من كوني معارضاً سعودياً وليس خدمة لأجندة خارجية.
أما على الصعيد الإقليمي فان الذهاب نحو دوامة الصراع مع إيران بزعم حماية المصالح العربية من التمدد الإيراني الشيعي، يخدم الدور السعودي الإقليمي، ويجذب جمهور التشدد الإسلامي لصالحها، وتؤكد زعامتها للمنظومة الإقليمية العربية ... لان الصراع مع النقيض هو من يجعلك قطبا.
القيادة السعودية لا تتخبط ولا تعبث في سياستها الداخلية والخارجية، وهي لديها تكتيك ناجح إلى حد بعيد، وربما تنجح بهذا التكتيك في جر إيران لمواجهة محدودة، تستفيد منها السعودية اقتصادياً برفع أسعار النفط، وقد تنجح بإشعال مواجهة عربية بدماء يهودية في جنوب لبنان لتحييد حزب الله.
يستفيد النظام الجديد في المملكة بفضل هذه السياسة التكتيكية الناجحة أن يبقى في الحكم لأطول فترة ممكنة، لكن سياسته هذه محكومة بالفشل على الصعيد الاستراتيجي، وستشكل أكبر تحدي لبقاء المملكة كدولة، وذلك بسبب أن السعودية غير قادرة على إغلاق هذه الملفات الدموية جميعاً لصالحها، كما أن النظام العالمي، والرأي العام الدولي، لن يقبل بأن تستمر السعودية بهذه السياسة إلى ما لانهاية.