على مدار الأسبوع الفارط، لم يفلح المسؤولون الحكوميون في اقناع العمال الفلسطينيين في إسرائيل بأهمية تحويل رواتبهم على البنوك العاملة في فلسطين من مشغليهم الإسرائيليين، بل خرجوا بتصريحات لا تنم عن مسؤولية أو توضح أيَّ فائدة ستتحقق لصالح العمال الفلسطينيين، وبعضهم حاول التحلل من أيَّة مسؤولية فلسطينية؛ بالقول إنَّ منسق الشؤون المدنية قد أفرغ أيَّة مسؤوليات للسلطة الفلسطينية معتقداً بأنَّ ذلك يعفي الحكومة عن مسؤولياتها.
يدرك القاصي والداني أنَّ قرار تحويل رواتب العمال في إسرائيل هو قرار إسرائيلي خالص جاء لينسجم مع إجراءات مالية لتنظيم وضبط وتقليص التعامل النقدي بتحويل المعاملات المالية من خلال المعاملات البنكية لمحاربة غسل الأموال ومكافحة الجريمة، حيث وضعت سقف ستة آلاف شيكل للحد من دفع النقود المباشر في الصفقات التي تجريها المصالح التجارية، وأيَّة صفقة مالية تفوق ذلك ستكون من خلال البنوك وفقاً لقانون تقليص الاستخدام النقدي الجديد الذي بدأ تنفيذه في الأول من آب/ أغسطس 2022.
في المقابل لم تقم الحكومة الفلسطينية ورجالاتها بتوضيح عملي بأنَّ هذا الأمر لن يمس أجور العمال أو اقتطاع الحكومة الفلسطينية أيَّة ضرائب أو رسوم عليها؛ وذلك لسبب بسيط أنَّ الحكومة الفلسطينية بالأصل تتلقى ما يجبى من ضريبة دخل ورسوم التأمين الصحي التي يدفعها العمال الفلسطينيون من أجورهم عبر المقاصة على مدار السنوات الماضية وفقا لبروتوكول باريس الموقع عام 1994؛ أيْ أنَّ السلطات الإسرائيلية تقوم باقتطاعها من المصدر ولا تنتظر تحويل هذه إلى البنوك، حيث يقوم أرباب العمل الإسرائيليين "المشغلون" بتحويل هذه الضرائب وضرائب ورسوم أخرى إلى قسم خدمات المشغّلين في سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية الذي بدوره يحولها إلى جهات الاختصاص في اسرائيل.
كما لم يتم التوضيح بأنَّ السلطات الإسرائيلية تقتطع بالإضافة إلى ضريبة الدخل وطابع التأمين الصحي فإنَّها تقتطع 13.3% من أجورهم تتوزع إلى (معاشات تقاعدية 5.5%، التأمين الوطني الإسرائيلي 0.61%، وضريبة المعادلة 6.39%، واشتراك الهستدروت 0.8%) وهي جميعها لا يستفيد منها العمال الفلسطيني عملياً وأغلبها تضيع عليهم. فالتصريحات السياسية التي أطلقها رجالات الحكومة لا معنى لها دون توضيح لما يتم اقتطاعه من أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل فعلياً من قبل السلطات الإسرائيلية. ناهيك عن توضيح الفوائد المالية التي سيجنيها العمال في حال انتظام رواتبهم عبر البنوك كتمتعهم بالخدمات التي توفرها شبكة البنوك العاملة في فلسطين كتسهيل المعاملات المالية لهم، واحتمالية تحسين الدورة الاقتصادية بتوفر السيولة النقدية في البنوك.
إنَّ معالجة مثل هكذا قضايا يحتاج إلى إعمال العقل وليست دغدغة العواطف وإطلاق التصريحات الديماغوجية أو التصريحات المحبطة التي تقليل من مكانة وامكانيات المؤسسة الرسمية أو تخليها عن العمال. فعلى مدار السنوات الخمس الفارطة تم قتل أفكار وإجراءات تعود بالنفع على المواطنين لسوء إدارة الحكومة، وعدم إعمال العقل لإقناع المواطنين وأصحاب المصلحة بفوائدها المستقبلية عليهم، وعدم القيام بالعناية الواجبة لإحداث التغيير أو للقبول لها من أجل تحقيق نتائج تعود بالنفع على الأفراد والمجتمع على المدى المنظور وعلى المدى البعيد مثل سهولة تحصيل الرواتب التقاعدية أو نهاية الخدمة للعمال الفلسطينيين في إسرائيل.