هارتس : سياسة إسرائيل تجاه المشروع النووي الإيراني: أخطاء إستراتيجية

الون بنكاس.jpeg
حجم الخط

بقلم: الون بنكاس

 

 



لو لم تكن إيران موضوعا جديا جدا كانت الهستيريا المتوقعة تماما في إسرائيل من اتفاق نووي جديد ممتعة: تهديدات وتصريحات واقتراحات بزيادة النجاعة عديمة القيمة، ورحلات مستعجلة إلى واشنطن، وكل ذلك مع المعرفة بأن قدرة تأثير إسرائيل على احتمالية توقيع اتفاق نووي مع إيران هي احتمالية هامشية جدا.
منذ سنوات، إسرائيل ليس لها سياسة حقيقية في موضوع إيران، فقط خطابات وتهديدات وشعارات. إسرائيل ضد حصول إيران على الذرة، ولكن أيضا ضد اتفاق سيمنع حصول إيران على الذرة، فقد أيدت إسرائيل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي هي ضده. ولكن في الحقيقة هي ضد الاتفاق الجديد. من غير الواضح ما الذي تريده إسرائيل.
هناك أخطاء استراتيجية كبيرة ارتكبتها إسرائيل. الخطأ الأول هو المواجهة العلنية والزائدة مع الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، حول الاتفاق النووي الأصلي في 2015. والخطأ الثاني هو دفع الرئيس الذي جاء عقب أوباما، دونالد ترامب، إلى الانسحاب من الاتفاق في 2018. كانت هذه الأخطاء ترتكز إلى افتراض كاذب بأن هناك إمكانية لاتفاق افضل مع إيران حول الموضوع النووي. اتفاق "أقوى وأطول"، كما تدعي إسرائيل، وتظهر كمن ينشر عن دواء معروف لشركة "فايزر" غير متعلق بـ"كورونا". هذه الافتراضات الأساسية المضللة مع غياب سياسة إسرائيلية منظمة أدت بإسرائيل إلى الوضع الذي توجد فيه الآن: وحدها فعليا.
في بداية الأسبوع، أوضح "مصدر رفيع في الإدارة الأميركية" لسامعيه الأفضليات الكبيرة التي تكمن في الاتفاق الجديد، الذي سيتم التوقيع عليه وسينفذ. وقد بدأ هذا المصدر بالتوضيح: كان من الأفضل لو أن إسرائيل كانت مدركة للتوضيح ومصغية له، فهذا ليس اتفاقا جديدا ولم يكن هدفه التوصل إلى اتفاق "افضل". هذا عودة إلى الاتفاق الأصلي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، دون سبب أو مبرر أو جدوى، مع القليل من التعديلات والتحسينات من الولايات المتحدة. وفي المقابل مع التقدم الذي قامت به ايران في مشروعها النووي منذ اللحظة التي بدأت فيها في خرق الاتفاق في أعقاب انسحاب ترامب منه.
عدّد هذا المصدر في الإدارة الأميركية اربعة بنود أساسية: الأول هو أنه سيحظر على ايران تخصيب أو مراكمة اليورانيوم بما يتجاوز كمية قليلة جدا ومحدودة. ايران، التي راكمت 60 في المئة و20 في المئة، لن يسمح لها بمواصلة الاحتفاظ بيورانيوم بمستوى تخصيب 90 في المئة في السنوات الثلاث الأخيرة. وللتذكير، لإنتاج قنبلة نووية بحجم قنبلة هيروشيما مطلوب 25 كغم من اليورانيوم بمستوى 90 في المئة.
الثاني، آلاف أجهزة الطرد المركزية، التي تشغلها ايران، سيتم وقفها ونقلها إلى خارج ايران، وتشمل هذه أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم في منشأة التخصيب التحت أرضية والمحصنة في بوردو. ورغم أن هذا المصدر لم يقم بالإشارة إلى عدد أجهزة الطرد المركزية التي سيتم وقفها، ومن بين أي عدد إجمالي، إلا أنه أكد على أنه لو اختارت ايران خرق الاتفاق وحاولت التقدم لإنتاج السلاح النووي بسرعة كبيرة، ما سيلاحظه نظام الرقابة الوثيق والمخابرات ستلاحظه خلال بضعة أيام، ستستغرق على الأقل ستة اشهر دون إزعاج للتوصل إلى هدفها.
البند الثالث الذي أكد عليه المصدر هو البند الذي بحسبه سيتم وقف مسار البلوتونيوم لأن ايران لن تكون لديها قدرة على تشكيل أساس البلوتونيوم من اجل إيصاله إلى وضع التفجر. أي مفاعل نووي، لقادر على القيام بذلك، سيكون تحت الرقابة المشددة مثلما كانت وعملت بنجاح بين الأعوام 2015 – 2019.
البند الرابع هو أن الوكالة الدولية للطاقة النووية سيتم تخويلها، وستكون لها صلاحية للرقابة والقيام بزيارات مفاجئة وتصوير جميع المنشآت النووية في ايران. سيتم تجديد هذه الآلية لفترة غير محدودة. أيضا هنا عملت هذه الآلية بنجاح في الأعوام 2015 – 2019. وهنا كان المصدر الأميركي غامضا، ولم يعط أي تفاصيل.

معضلة مشتركة
عشية التوقيع المحتمل على الاتفاق، الحقيقة غير المؤكدة تماما هي أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان أمام عدة معضلات مشتركة وعدة معضلات خاصة. المعضلات المشتركة يسهل عرضها: ثماني سنوات من الرقابة - الاتفاق الأصلي الذي يسعى الاتفاق الجديد إليه ينتهي في 2030 – وقيود متشددة وجوهرية، تقطع كليا طريق ايران أمام حصولها على سلاح نووي، وهذا هو القصد. في المقابل، مئات مليارات الدولارات، ستحصل عليها ايران، عشرات منها بشكل سريع، نتيجة رفع العقوبات عن ممتلكاتها في البنوك الدولية ومن عائدات النفط المستقبلية. يوجد لإيران قدرة على إنتاج 3 ملايين برميل يوميا بسعر 94.25 دولار للبرميل، أي ما مجموعه 282.75 مليون دولار في خمسة اشهر.
سيذهب جزء من هذا المبلغ لتمويل النشاطات غير النووية لتنظيمات في إرجاء الشرق الأوسط وتمويل تطوير برنامج الصواريخ الدقيقة وتدريب وتمويل منظمات إرهابية تخدم مصالح ايران في المنطقة. هذا هو الخطر والتحدي الفوري الذي تضعه ايران أمام الشرق الأوسط بشكل عام وأمام إسرائيل بشكل خاص.
الجانب الثاني للمعادلة واضح أيضا. على افتراض عدم وجود اتفاق نووي جديد فإن ايران ستواصل التقدم نحو مسار دولة عتبة نووية، هي موجودة فيه فعليا، اليوم، نحو نقطة "زمن الانطلاق"، الذي هو بضعة أسابيع، من أجل التوصل إلى القنبلة النووية. "زمن الانطلاق" هو الفترة المطلوبة لإنتاج وتركيب جهاز نووي عسكري، من بين المكونات التكنولوجية المتاحة في هذه النقطة الزمنية ذاتها. في حالة ايران، يجب الأخذ في الحسبان أيضا وسائل الإطلاق، وهو ما تفتقده ايران. تركيب رأس نووي متفجر على صاروخ بالستي يشبه عملية تقنية بسيطة مثل وضع برغي.
المعضلة المتميزة لإسرائيل تنبع من المعادلة أعلاه. لنفترض أن هناك اتفاقا: سبق أن أعلنت إسرائيل بصورة احتفالية أنها غير شريكة في الاتفاق، ومن هنا فهي غير ملزمة به، وغير مقيدة بشروطه. هذه الأقوال فارغة من المضمون السياسي أو العسكري. إذا كان هناك اتفاق فإن إسرائيل ستهاجم منشأة نووية في ايران على أساس معلومات استخبارية غير متاحة للولايات المتحدة أو وكالة الطاقة النووية.
إذا كانت النية هي حرية المناورة والعمل ضد ايران على المستوى غير النووي، فإن هذا كان قائما أيضا ولم يحتجّ أي أحد على حق إسرائيل في فعل ذلك. في الاتفاق الأصلي من العام 2015، يقول الأميركيون، اذهبوا وحدكم. ولكن ايران تعزز علاقاتها إلى درجة التحالف غير الرسمي مع روسيا. تبيع ايران لروسيا مئات الطائرات المسيرة، وتدربها على التملص من العقوبات المالية وتجاوز التقييدات. ليس هناك مثل التجربة، وهذا ما تحتاجه روسيا. نعم، روسيا الصدّيق فلاديمير بوتين التي بقصر نظر نادر حتى بمفاهيم سياستها الخارجية رأت فيها شريكا استراتيجيا لإخراج ايران من سورية. إلى هذه الدرجة حساسية إسرائيل لبوتين والافتراض الأساسي المضلل هذا، حيث امتنعت إسرائيل حتى الآن عن إدانة غزو روسيا لأوكرانيا.
الآن، لنفترض أنه لا يوجد اتفاق. ورفضت ايران التوضيحات والتعديلات الأميركية على مسودة الاتحاد الأوروبي، وفعليا تم وقف المحادثات بعد بضعة أسابيع من تبادل التصريحات عديمة المعنى. هذا يلزم إسرائيل بالقيام بالأمر الذي هي غير جيدة فيه: بلورة سياسة. سياسة ثنائية الأبعاد، سواء بالنسبة للنووي الإيراني أو بالنسبة للنشاطات غير النووية لإيران في المنطقة. في غضون ذلك، لإسرائيل معضلة أخرى وهي كيف ستتجنب بكل ثمن جر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط. إسرائيل يمكنها تغيير نشاط قصورها الذاتي الذي يسمى بتحبب "المعركة بين حربين"، والمقنع بقناع السياسة المنظمة. بدلا من ذلك تبني مقاربة "التناسب الاستراتيجي" وضرب ايران وليس ضرب امتداداتها. فإذا عمل "حزب الله" أو "حماس" أو المليشيات في سورية ضد إسرائيل فإن الرد سيكون في ايران وليس في لبنان أو في غزة.
لا شك أن ايران هي الشرير الأكبر في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة. ولا شك أيضا في أن إسرائيل كان يجب عليها أن تكون في مكان استراتيجي مختلف، لكنها فضلت الخطابات الموصى بها في الكونغرس والتهديدات الفارغة في كل يوم اثنين وخميس، ورفض كل اتفاق نووي، الذي هو أيضا بالضبط ما أرادته إسرائيل طوال الوقت. الولايات المتحدة يمكنها التعايش مع ايران كدولة عتبة نووية. أولويتها هي الصين والحرب المتواصلة في أوكرانيا. ولكن هل يمكن لإسرائيل العيش مع إيران كهذه؟

عن "هآرتس"