"حارس الأملاك" يبيع أراضي سلوان لـ"عطيرت كوهانيم" دون مناقصات!

20160601202158
حجم الخط


في منتصف التسعينيات كان ايلان شتاير مساعد أبحاث في «معهد ابحاث أرض اسرائيل» التابع لاسحق بن تسفي. وقد طُلب منه في حينه المشاركة في بحث تاريخي جغرافي حول الحي اليمني في قرية سلوان من نهاية القرن التاسع عشر وحتى أحداث 1929. الفريق الذي جمع الخرائط والصور الجوية والمصادر الموثقة طُلب منه ايضا تحديد الارض التي اشتراها الأسخياء اليهود من اجل اقامة الحي للقادمين من اليمن في العام 1882. وحسب فهم شتاير فان الذي طلب اجراء البحث هو قسم حارس الاملاك العام وياد بن تسفي. وعندما تم تقديم التقرير فقط، والتقى الباحثون مع لجنة توجيه البحث، اكتشفوا أنه لا يجب وضع النتائج أمام حارس الاملاك فقط بل أمام ممثلي جمعية اليمين «عطيرت كوهانيم». «أذكر جيدا أننا تفاجأنا عند اكتشاف أنهم موجودون في الغرفة»، قال شتاير لصحيفة «هآرتس».

المرحلة الاولى من تهويد سلوان
وقد تبين فيما بعد أن البحث الذي أجراه شتاير وزملاؤه كان المرحلة الاولى في الصراع القضائي المتواصل لتهويد حي بطن الهوى في سلوان. لكن هذه كانت ايضا بداية التعاون الوثيق والاستثنائي بين الجمعية التي تعمل على تهويد الحي وبين قسم حارس الاملاك العام في وزارة العدل. على مدى السنين قدم القسم الحكومي الاستشارة والمصادقة للجمعية، وباع الاراضي بدون مناقصات وبأسعار مريحة. وبشكل عام بقيا معاً كتفاً إلى كتف في الصراع ضد العائلات الفلسطينية التي طلبت البقاء في منازلها.
بعد الانتهاء من تحديد الاراضي التي يملكها اليهود في قلب سلوان، انتقلت «عطيرت كوهانيم» الى المرحلة الثانية؛ وهي السيطرة على الموقع التاريخي، حيث إن الجمعية من الناحية القانونية هي المالكة للأرض. في العام 2001 نجح ذلك حينما وافقت المحكمة المركزية في القدس على تعيين ثلاثة اشخاص جدد كحارسين للاملاك في المنطقة التاريخية، حيث إن صاحب الارض المسجل م. يعمل في «عطيرت كوهانيم»، وهو الذي يتصدر اخلاء العائلات الفلسطينية. أ. وهو محام يمثل الجمعية، ي. وهو حاخام من القدس ومقرب من الجمعية. الحارس العام أيد طلب الجمعية أن تتحول الى مسؤولة عن الموقع التاريخي.
اسم الموقع وأسماء المسؤولين عنه محظور نشرها بأمر من المحكمة المركزية في القدس، في أعقاب تحقيق نشرته «هآرتس» قبل نحو شهرين، وتحدث عن طرق الجمعية في الضغط على العائلات الفلسطينية التي تسكن في المنازل المختلف عليها في سلوان. وقد زعمت الجمعية أن هذا النشر قد يُعرضهم للخطر. وصادقت محكمة العدل العليا على الامر المؤقت، وتعمل «هآرتس» على خوض صراع قضائي من أجل الغائه. ومنذ نشر التحقيق قدمت الجمعية طلبين لاخلاء آخر ضد عائلات فلسطينية تسكن فوق المنطقة التي تديرها.
في العام 2002، أي بعد نقل الوصاية بسنة، قدم الوصاة الجدد طلبا لتحرير الارض اليهودية في سلوان من حارس الاملاك – اعادة الملكية على الموقع. وفي تلك السنة جاءت المصادقة وتم نقل 5.5 دونم الى الوصاة الجدد في قلب سلوان، حيث يعيش فيها مئات السكان الفلسطينيين. ولم يمر وقت طويل حيث بدأ رجال «عطيرت كوهانيم» بتقديم دعاوى اخلاء ضد العائلات الفلسطينية. السكان من ناحيتهم طرحوا ادعاءات قانونية مختلفة بهدف التشكيك بأحقية حارس الاملاك بالارض وبطريقة رسم حدود الاراضي التي تم اعطاء الوصاية عليها للجمعية. فقد اعتمدوا على الاتفاق الاصلي الذي تم توقيعه في العام 1899 في المحكمة الشرعية، حيث تُظهر وصفاً شفوياً، ليس واضحا بالضرورة، لموقع الاراضي – «جنوب ارض فاطمة ابنة مصطفى السلواني ومن الشرق طريق عام ومن الشمال ارض موسع بوعز ومن الغرب منزل عودة الحليسي». لكن مرة تلو الاخرى خسر السكان في المحكمة.
على مدى السنين قدم رجال حارس الاملاك استشارات بأن المنطقة التي يدور الحديث عنها تتداخل مع المنطقة التاريخية التي اشتراها اليهود. وقبل سنة، في محاولة لازالة الشك نهائيا، وقعت سيغال يعقوبي، نائبة حارس الاملاك، على «شهادة تحرير مُعدلة للارض»، تحرر مجددا الارض لصالح المخولين الثلاثة. وفي هذه المرة ظهر في الشهادة الوصف الدقيق لارقام قطع الاراضي، 95 و96، حسب التسجيل في «الطابو» الاسرائيلي. وصادق حارس الاملاك وأكد أن طلب اصدار الشهادة جاء من الجمعية.

حارس الأملاك يبيع أراضي لا يملكها
لكن القرار الاشكالي لحارس الاملاك مُنح في العام 2005. حيث تقرر في حينه بيع اربع قطع من الاراضي للجمعية وهي لم تكن جزءاً من اراضي حارس الاملاك بعد التوصل الى استنتاج أنه لا يمكن الوصول الى اصحاب الاراضي. إلا أن الاراضي التي تبلغ مساحتها 2000 متر مربع تم بيعها مقابل أقل من مليون شيكل.
لماذا تم بيع الاراضي في قلب القصبة المكتظة في سلوان للجمعية اليمينية بثمن مريح وبدون عطاء؟ في اتفاق البيع كُتب أن «المشتري الذي، وهو صاحب الاراضي المحددة، توجه الى البائع بطلب لشراء الارض». من هنا وحسب القانون فان حارس الاملاك ملزم باعطاء الاولوية في بيع الاراضي لمن يوجد على الارض أو يملك اراضي مجاورة. إلا أنه من خلال نظرة على الخريطة سيكتشف أن قطعتي ارض من التي بيعت تلتصقان بأراض للجمعية من جهة واحدة. أي أن كل قطعة يمكن أن يكون لها ثلاث أو أربع مشترين محتملين غير الجمعية. القطعتان الاخريان لا تلتصقان أصلا بالارض التي بملكية الجمعية، وهي محاطة بأراض تعود للفلسطينيين. لكنها لا تبعد كثيرا عن «بيت يونتان» – البيت المسجل على اسم شركة في الخارج وتسكن فيه اغلبية العائلات اليهودية في الحي. وبهذا الشكل أو ذاك فان العائلات الفلسطينية لم تحصل على فرصة شراء الارض لأن حارس الاملاك لم ينشر عطاء لبيع الارض. في جميع الاراضي التي تم بيعها تسكن اليوم أكثر من عشر عائلات فلسطينية تحول افرادها الى سكان ثانويين مرشحين للاخلاء.
إن فحص سوق العقارات في سلوان يكشف أن السعر الذي دفعته «عطيرت كوهانيم» للدولة كثمن للارض كان مريحا بشكل استثنائي. وحسب المعلومات في سلطة الضرائب فان شقة متوسطة في سلوان تباع اليوم بـ 1.2 مليون شيكل. صحيح أنه في 2005 كانت الاسعار أرخص كثيرا، لكن حسب الخبراء فان اسعار الشقق لم تقفز في شرقي القدس كما حدث في غربي المدينة وفي أنحاء اسرائيل. يضاف الى ذلك أنه في الارض التي تم بيعها توجد عشر شقق سكنية فوقها. وقد تقدمت الجمعية بطلب لانشاء مبنى يتكون من ثلاث شقق اخرى.
واذا أخذنا في الحسبان الاسعار في العام 2005 مع مراعاة الوضع القانوني التخطيطي المعقد للارض (التي تسكن فيها عائلات فلسطينية وبعضها بمثابة سكان محميين) فان الحديث ما زال يدور عن اسعار رخيصة جدا. وحسب زعم حارس الاملاك العام فان الثمن الذي تم دفعه مرتفع أكثر من الثمن الذي حدده المخمن (لم يتم الكشف عن سعر المخمن). ولم ينف حارس الاملاك أنه لم يتم طرح عطاء حول الاراضي، ولم يقدم أي تفسير لافضليات هذا البيع.
عائلة دويك هي احدى العائلات التي تسكن في الارض الاصلية. وهي تدير صراعا قانونيا منذ عشر سنوات، وقد خسرت حتى الآن في المحكمة المركزية ومحكمة العدل العليا في الدعوى القضائية التي تم تقديمها ضد البناء غير القانوني الذي قامت العائلة به. وفي الوقت الحالي يتم النقاش في دعوى جديدة قدمتها «عطيرت كوهانيم» يهدف الى اخلاء العائلة من المنزل. واثناء المحكمة اكتشف محامو المدعى عليهما عماد عودة وحسام صيام التعاون بين المستوطنين وحارس الاملاك. «على الرغم من حصولنا على أوامر من المحكمة لاعطائنا المعلومات، وحين ذهبنا الى مكتب حارس الاملاك للاطلاع على الوثائق كان هناك ممثلو «عطيرت كوهانيم» وممثلو حارس الاملاك، وكل وثيقة أردت فحصها منعوني من فحصها بذريعة أن هذا أمر سري»، قال صيام. لكن القاضي في المحكمة المركزية، أهارون فركش، رفض زعم المحامين حول هذا الامر، وقال إنه يجب على المدعى عليهم استدعاء ممثلي حارس الاملاك وتقديم الشهادة وسؤالهم حول ذلك.
«على مدى عشرات السنين سكن الفلسطينيون في هذه الاملاك، ولم يكن هناك أي نشاط». قال المحامي محمد دحلة وكيل عائلات فلسطينية في الحي. «حارس الاملاك لم يهتم بالامر، ولم يقدم أي دعوى، ولم يبحث عن المالكين. فقد كان معروفا أن من يسكن هذه المنازل هم في الاصل لاجئون وسكان محميون وظروفهم ليست جيدة. وفجأة رأينا تحولا في تعامل حارس الاملاك، وهذا التحول يرتبط بنشاط جمعيات المستوطنين التي قسمت فيما بينها العمل حسب المناطق الجغرافية. وتم بذل الجهد المركز ورأينا صلة مباشرة بين حارس الاملاك والجمعيات».
المحامي محمد دحلة وغيره من المحامين يتحدثون عن عدة مسارات للسيطرة على املاك في شرقي القدس كانت بملكية يهودية قبل العام 1948. وتعيين الوصاة هو مسار من هذه المسارات. وهناك مسار آخر يستخدم في منطقة الشيخ جراح يقضي بالوصول الى الورثة اليهود وتوقيعهم على وكالة وتقديم طلبات باسمهم الى حارس الاملاك لتحريرها. وبعد تحريرها تقوم الجمعية بشراء هذه الاملاك من العائلة اليهودية وتسكن فيها. وفي معظم الحالات فان نشطاء اليمين «يُزاوجون» بين العائلة الوارثة للمنزل وبين متبرع من الخارج يقوم بشراء المنزل منها. بهذه الطريقة تم اخلاء عدد من العائلات الفلسطينية من منازلها.
في المسار الثالث يعمل رجال اليمين مباشرة مقابل حارس الاملاك لشراء المنازل – حارس الاملاك العام في وزارة العدل اضافة الى حارس املاك الغائبين في وزارة المالية – وبهذه الطريقة بيعت عشرات الاملاك في شرقي القدس معظمها لمنظمات وشركات ترتبط بمشروع الاستيطان في شرقي المدينة. وتحولت هذه الاملاك الى جزء مهم من حركة الاستيطان في قلب الاحياء الفلسطينية في المدينة.
«تدخل حارس الاملاك العام في نقل الاملاك في سلوان الى المستوطنين يُخرج الامر من يد الحكومة، وكأن الحديث هنا عن موضوع عقاري خاص»، قالت حغيت عفرون من حركة «السلام الآن». «الحكومة تتجند لمساعدة المستوطنين، وهي تستخدم اساليب مشكوكا فيها قانونيا وتعمل على تدمير فرصة الحل الوسط في القدس وحل الدولتين لشعبين».
المتحدثة بلسان وزارة العدل قالت على لسان حارس الاملاك العام إنه لا يدير الاملاك منذ 2002 وهو لا يقوم بتسجيل السكان الذين يسكنون في المنازل. شهادة التحرير المعدلة تم اصدارها بناء على طلب من الوصاة استنادا الى الاستشارة من مخمن معتمد. وحسب فحص حارس الاملاك العام فان القطع 95 و96 هي بملكية يهودية ومسجلة في السجل التركي. وقد تمت المصادقة على الامر في قرار المحكمة المركزية التفصيلي حول هذا الشأن.
«ملفات حارس الاملاك العام سرية حسب ما ينص القانون. ولا يمكننا فحصها. ويشار الى أنه في اطار المحكمة تم اعطاء الطرفين فرصة مشاهدة ملفات حارس الاملاك العام».
وفيما يتعلق ببيع الاراضي قيل إن «الاراضي التي باعها حارس الاملاك العام قبل أكثر من عقد، على ضوء وضعها التخطيطي والقانوني ونظرا للقيود التي كانت ترتبط باستمرار ادارتها ومن خلال الحفاظ على المصالح الواسعة لاصحاب الاراضي، فان السعر كان مرتفعا وأعلى من سعر المخمن. وقد تمت المصادقة على الصفقات من المحكمة المركزية في القدس».
المحامي إبراهام موشيه سيغل، وكيل الوصاة، قال ردا على ذلك: «يجدر بقراء الصحيفة المعرفة أن محكمة العدل العليا أصدرت منعا شاملا للنشر يمنع الصحيفة من نشر التفاصيل التي تؤدي الى كشف من لهم صلة بالصفقات في سلوان في القدس. ومن الاجدر أن تحترم «هآرتس» قرار الحكم. لكن الصحيفة رغم ذلك تعود وتقوم بطرح ادعاءات تم رفضها في قرارات المحكمة المركزية والمحكمة العليا.
«وخلافا لادعاء «هآرتس» فان تعيين الوصاة تمت المصادقة عليه حسب القانون من المحكمة المركزية في القدس (القاضي يعقوب تسيمح)، تحرير الاراضي، وتسليمها للوصاة تم حسب القانون وعمل حارس الاملاك العام كما هو معروف يتم بشكل سليم. اتفاقية شراء اربع قطع من الاراضي في العام 2005 حصلت ايضا على مصادقة المحكمة المركزية في القدس. وبعد فحص المحكمة لشروط الصفقة والمصادقة على الاتفاق، تم تنفيذها. وخلافا لادعاء «هآرتس» فان ممثلي حارس الاملاك العام لم يتم استدعاؤهم لتقديم شهاداتهم في الدعوى المقدمة ضد من سيطروا على المنازل. العكس هو الصحيح. إن من استدعى ممثلة حارس الاملاك كانوا الذين اقتحموا المنازل وامتنعوا عن استجواب ممثلة حارس الاملاك. وهذا ليس صدفة. اربعة قضاة من المحكمة المركزية في القدس تحدثوا في قرارات حكم واضحة عن أن الجمعية هي المسؤولة عن الاراضي. وقد حصل هذا على مصادقة اربعة قضاة في المحكمة العليا. جميع الادعاءات التي قدمتها «هآرتس» تم رفضها في قرارات حكم المحكمة العليا. إلا أن هذا لا يمنع الصحيفة من الاعتقاد (الخاطئ) لأنها تعتبر نفسها هيئة استئناف على قرارات محكمة العدل العليا».

عن «هآرتس»