أمام سيناريو الترحيل أو القتل يطير النوم من العيون !

زياد ابو زياد.jpeg
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

 

بين يدي ثلاثة أشرطة فيديو لم أستطع التغاضي عنهما لأن ما فيهما يجب أن يُذهب النوم من عيوننا. والشريطان الأول والثاني تم بثهما بواسطة التلفزيون الإسرائيلي N12 والشريط الثالث من محطة تيليسور وهي محطة تلفزة مقرها في كراكاس بأمريكا اللاتينية.
الشريط الأول تقرير استقصائي يبدأ بزيارة لمستوطنة موديعين عيليت ولقاءات مع عدد من المستوطنين الذين أقاموا معملا ً خاصا ً لصناعة المعدات القتالية لاستخدامها ضد العرب في المناطق القريبة منهم في اطار ما يسمى "تاغ محير" دفع الثمن، ويقول مراسل التلفزيون الذي أعد التقرير بأن ما سيعرضه قد تم تحت سمع وبصر الشاباك والأجهزة الأمنية الأخرى. وأما أحد من تم التحدث معهم من المستوطنين فيقول أنهم يتطلعون الى تطوير عملهم والانتقال للمرحلة الثانية وهي مرحلة شراء أسلحة نارية لاستخدامها ضد العرب وأن إيجاد مصادر تمويل لذلك ليس صعبا ً. ويقول بأنه أخذ الرأي الديني من الحاخامين الحريديم بشكل عام بشأن ما يعتزم عمله وأنهم يؤيدون ذلك. ويقول بأن هناك تنظيمات مثل نوعر هجفعوت ولهبه وغيرها لتنفيذ مثل هذه العمليات. وعرض التلفزيون خريطة رسمها المستوطنون لبلدة نعلين القريبة منهم تمهيدا ً للقيام بعملياتهم ضدها.
وأما الشريط الذي أعدته محطة تيليسور فيتضمن مقابلات مع عدد من اليهود قال المعتدلون من بينهم بأنه يجب التخلص من العرب وطردهم الى الدول العربية المجاورة بينما قال البعض الآخر بأنه يجب قتل العرب والتخلص منهم.
واذا جمعنا المشهدين في مشهد واحد فإن النتيجة التي نخلص اليها هي أن هناك تيار يزداد قوة داخل إسرائيل لا يرى حلا ً للصراع إلا من خلال طرد العرب أو قتلهم.
وهذا التيار في الواقع هو القاعدة الانتخابية لعضو الكنيست المتطرف بن غفير وآخرون مثله والذي كان منبوذا في الماضي وحتى نتنياهو رفض أن يسمح له بالترشح على قائمة الليكود، ولكنه ظل يبني قاعدته الانتخابية واستطاع مؤخرا الدخول للكنيست، وها هي كل استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تتوقع أن يفوز حزبه بتسعة مقاعد في الانتخابات القادمة التي ستجرى في الأول من تشرين الثاني القادم.
وعليه فإنه لا يجوز لأحد أن يقلل من خطورة هذه الشريحة اليمينية الفاشية المتطرفة التي تزداد قوة ونفوذا في إسرائيل وتنتشر في العديد من المستوطنات بالضفة الغربية.
واذا كان أصحاب هذه الأيديولوجية قد عجزوا قبل ثمان سنوات من تجنيد ما يكفي من الناخبين لتمكينهم من دخول الكنيست ثم دخلوها في الانتخابات الأخيرة فها هم اليوم يستعدون لزيادة قوتهم وتتوقع استطلاعات الرأي بأن يفوز حزب بن غفير بتسعة مقاعد فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو كم سيكون عددهم في الكنيست بعد أربعة أو ثمانية أعوام وكيف ستكون الحكومة المستقبلية التي سيشاركون فيها قريبا أو التي يشكلونها في المستقبل القريب وما المستقبل الذي ينتظرنا نحن الفلسطينيون على يد مثل الحكومة التي تضع أمامنا خيار إما الترحيل أو القتل.
ومن المتوقع أن يزداد عدد هذ المقاعد بعد أن تم الإعلان أمس عن الاتفاق بين بن غفير وسموترتش وهو عضو كنيست آخر من أقصى اليمين الديني المتطرف بأن يخوضا الانتخابات في قائمة مشتركة.
وقبل أن انتقل لشريط الفيديو الثالث لا بد من التنويه الى أن آخر استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بين اليهود فقط ونشرت نتائجه محطة التلفزة الإسرائيلية N12 أظهر أن 62% من اليهود الإسرائيليين يعرفون أنفسهم بأنهم يمين، وأن 24% يعرفون أنفسهم بأنه مركز وأن من يصفون أنفسهم باليسار لا يتجاوزون ال 11%.
وقد أشار المعهد الى ازدياد قوة معسكر اليمين حيث كان قبل فترة قصيرة حوالي46% بينما اليسار في تراجع.
فنحن إذن ووفقا ً للمعطيات التي يمكن استخلاصها من شريطي الفيديو الآنف ذكرهما نواجه مجتمعا إسرائيليا ً يتجه نحو اليمين العنصري المتطرف باضطراد لا سيما وأن حتى من يسمون أنفسهم بالمركز لا يترددون في التأكيد بكل مناسبة بأنهم هذه هي أرض إسرائيل وأنهم لن يسمحوا بقيام دولة فلسطينية.
وأما الشريط الثالث الذي نشرته محطة N12 أيضا فقد كان عن عملية اعتقال ثلاثة شبان من الجبهة الشعبية في رام الله. وقد قام مراسل التلفزيون بمرافقة الوحدة التي داهمت بيوتهم واعتقلتهم ليلا. وفي أحد المقاطع يسأل المراسل قائد الوحدة العسكرية: “كم نحن بعيدون عن المقاطعة؟ " فيجيبه الضابط " انظر البناية التي أمامك هذه هي المقاطعة وتلك سيارة شرطة فلسطينية، وهذه عملية حساسة ومعقدة ولكن كل شيء تم تنسيقه معهم".
هذه العملية التي تمت في رام الله ليست الفريدة ولا الوحيدة من نوعها فإسرائيل تقوم بعملية عسكرية واسعة تشمل كل أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية واسم هذه العملية هو "كاسر الأمواج" والهدف من هذه العملية هو اجتثاث المقاومة الفلسطينية من جذورها دون تمييز بين حماس أو جهاد أو شعبية أو تنظيم (والإسرائيليون يستخدمون اسم تنظيم كناية عن الجناح المقاوم في حركة فتح).
واذا وضعنا شطري الصورة جنبا الى جنب نجد أمامنا حالتين تكملان الواحدة منهما الأخرى. وهما واحدة على الصعيد الشعبي والأخرى على الصعيد الرسمي ممثلا ً بالجيش وأجهزته الأمنية. فعلى الصعيد الشعبي نجد أن اليمين الذي يتبنى أيديولوجية الترحيل أو القتل في نمو مضطرد وفي اقتراب متزايد من دائرة صنع القرار، بينما يقوم الصعيد الرسمي الإسرائيلي باقتلاع أي مقاومة فلسطينية من جذورها مما يجعل وبشكل تلقائي، مهمة الجناح الشعبي (الترحيل أو القتل) أكثر يسرا ً وسهولة في قادم الأيام.
هذه الصورة يجب أن تشعل الضوء الأحمر أمامنا وأن تُذهب النوم من عيوننا وأن نتوقف عندها ونسأل أنفسنا: الى أين نحن ذاهبون؟