أكّد صندوق النقد الدولي، اليوم الثلاثاء، أنّ الاقتصاد الفلسطيني ما زال يواجه تحديات هائلة، رغم تعافيه من جائحة "كورونا".
ورحّب الصندوق، في صدر عنه عند ختام جولة مشاورات أجرتها بعثة تابعة له برئاسة ألكسندر تيمان في الفترة 16-28 آب الحالي، بإصلاحات المالية العامة التي بدأتها الحكومة الفلسطينية، مؤكّدًا أنّ حل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة يتطلب معالجة الملفات العالقة مع "إسرائيل".
وقال: "يواجه الاقتصاد الفلسطيني تحديات هائلة، فعلى المدى المتوسط، تتأثر التوقعات بوضع المالية العامة، والاضطرابات السياسية والأمنية والاجتماعية الكبيرة، وتصاعد معدلات التضخم، والقيود المفروضة على الحركة والدخول، وعدم استكمال الخطة الهيكلية".
وأضاف: "تتسم معظم التحديات التي تواجه المالية العامة بطابعها الهيكلي، إذ السلطة الفلسطينية تتحمل فاتورة أجور مرتفعة في القطاع العام، وتنفق جزءًا كبيرًا من ميزانيتها في غزة والقدس الشرقية، ولكنها لا تحقق أي إيرادات تقريبًا في هاتين المنطقتين أو في مناطق الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وهي المعروفة بالمنطقة (ج)، كما أن السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" مختلفتان حول حجم الإيرادات التي يتعين على إسرائيل تحويلها للسلطة الفلسطينية".
وحذّر من أنّه "ما لم يتم تعديل سياسة المالية العامة، لن يتسنى الحفاظ على استدامة الموارد العامة، ويُتوقع تراجع النمو الاقتصادي تدريجيًا على المدى المتوسط إلى معدله الممكن الذي يُقدر بحوالي 2%".
وأشار الصندوق، إلى أنّه "في سياق التعاون المشترك بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، ينبغي أن تعملا على إيجاد حل للملفات المالية العالقة من أجل تعزيز الإيرادات الفلسطينية، والحد من القيود التي تفرضها "إسرائيل" على حركة السلع والأفراد والاستثمار لإطلاق العنان للنمو الاقتصادي الممكن".
وذكر أنّ التقدم المحرز في الملفات ظل بطيئا منذ اجتماع لجنة تنسيق المساعدات الدولية في شهر أيار الماضي، حاثًا الطرفين على "التوصل سريعًا إلى اتفاق حول تخفيض رسوم المناولة وإعفاء شحنات الوقود منها، مع مواصلة التركيز على الملفات المالية الأخرى، مثل رسوم العبور على جسر الملك حسين، والضرائب من المنطقة (ج)، ونقل ادارة الجمارك (بما في ذلك المستودعات الجمركية)".
ونوّه الصندوق، إلى وجود تقدم "محدود" في قضية علاقات المراسلة المصرفية التي لا تزال عالقة منذ فترة طويلة.
وتابع: "من شأن إجراء مناقشات مكثفة بين وزارتي المالية الفلسطينية والإسرائيلية، المساعدة في إحراز تقدم على صعيد هذه القضايا، مع ضرورة مناقشة قضايا التجارة والتنقل بوجه أعم أثناء اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة".
وأعرب صندوق النقد الدولي، عن تفاؤله إزاء "الإصلاحات المبررة التي تستهدفها السلطات (الفلسطينية)، ويتمثل هدفها في تحقيق خفض كبير في فاتورة الأجور بالقطاع العام وإدارة صافي الإقراض، ومواصلة إصلاحات الرعاية الصحية وتحسين بيئة الأعمال، ما سيتيح بمرور الوقت حيزا ماليا لتسوية المتأخرات، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، والاستثمار في التنمية".
وأردف: "سيسمح ذلك أيضًا بصرف أجور القطاع العام بالكامل مجددًا، بدلًا من صرف رواتب جزئية كما هو الحال الآن، وهو إجراء مالي طارئ ومؤقت، وإن كان يؤكد ضرورة الإصلاحات".
وأوضح أنّ البعثة تدرك أنّ عددًا من الخطط المفصلة لإصلاح فاتورة الأجور من خلال فتح باب التقاعد المبكر قيد الإعداد حاليًا، وهي خطوة أولى مهمة ينبغي أن يليها وضع سياسات لاحتواء فاتورة الأجور مستقبلًا، بما في ذلك الحد من التعيينات الجديدة وزيادات الأجور، وإصلاح نظام العلاوات، وإجراء مراجعة وظيفية للعمالة بالقطاع العام في الأجل المتوسط.
ورغم صعوبة الأوضاع، قال الصندوق: إنّ "السلطة الفلسطينية نجحت في احتواء عجز المالية العامة، إذ تراجع العجز إلى 5.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021 وإلى 0.4% من إجمالي الناتج المحلي في النصف الأول من عام 2022، ويتوقع أن يبلغ في نهاية العام 3.5%".
وعزا الصندوق، انخفاض عجز المالية العامة الفلسطينية إلى " الارتفاع الكبير في مستوى الإيرادات الذي تجاوز بكثير نمو إجمالي الناتج المحلي الاسمي، والقيود المفروضة على الإنفاق الجاري".
وحذر من أن "هذه القيود تشمل أيضًا تخفيضًا غير مرغوب في التحويلات الاجتماعية وتدني الإنفاق الإنمائي".
وأشار الصندوق، إلى أنّ المنح الموجهة لدعم الموازنة العامة الفلسطينية تراجعت بنسبة 40% في عام 2021 مقارنة بعام 2020، ما أدى إلى ارتفاع الدين العام، بما في ذلك متأخرات القطاع الخاص وهيئة التقاعد، من 34.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019 إلى 48.4% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2021.
على صعيد الاقتصاد، قال الصندوق: إن الاقتصاد الفلسطيني شهد تعافيًا قويًا في عام 2021 من جائحة كورونا، بينما ازدادت مستويات البطالة ولا تزال مرتفعة للغاية، لا سيما في غزة.
وتابع: عقب موجة حادة من الركود في عام 2020، سجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نموا قدره 7.1% في عام 2021 مع بداية حملة التطعيم ضد كوفيد وتخفيف القيود المفروضة على الحركة، وبلغت مساهمة الاستهلاك الخاص في النمو 5.5 نقطة مئوية، وهو ما يرجع جزئيا إلى ارتفاع معدلات توظيف العمالة الفلسطينية في "إسرائيل"، غير أن غزة لم تسجل نموًا سوى بنسبة 3.4% نظرًا للتقدم البطيء في جهود إعادة الإعمار عقب العدوان الإسرائيلي في أيار 2021.
ولفت الصندوق إلى أنّه "رغم نمو معدل التوظيف بنسبة 8% خلال العام الجاري، ارتفع معدل البطالة إلى 26.4% في نهاية عام 2021، ولا يزال قطاع غزة يشهد ارتفاعًا مزمنًا في معدلات البطالة، وهو ما يعكس القيود المفروضة على حركة الأشخاص والسلع، ويرتبط إلى حد كبير أيضا باتساع دائرة الفقر".
ويتوقع الصندوق تباطؤ نمو الاقتصاد الفلسطيني إلى 4% خلال العام الحالي، في ظل المخاوف المتزايدة بشأن التضخم، واستمرار مواطن الضعف في المالية العامة، وتصاعد حالة عدم اليقين بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.