درس غورباتشوفي للرئيس عباس.."غلاسنوست" و"بريسترويكا" وطنية منتظرة!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

كتب حسن عصفور

 غادر الحياة آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي، ميخائيل غورباتشوف، الذي لعب دروا مركزيا في انهيار المنظومة الاشتراكية والنظام السوفيتي، عبر ما أسماه نظرية "غلاسنوست – الانفتاح" و "بريسترويكا -إعادة البناء"، وكلاهما أديا الى نتائج معاكسة تماما للمسمى.

مع صعود غورباتشوف الى موقع الأمانة العامة للحزب الشيوعي السوفيتي، ثم رئيسا للاتحاد وترويج أفكاره، سارع المعسكر الغربي بفتح الأبواب لما تقدم به، ووجد ترحابا نادرا لم ينله أي شخصية شيوعية منذ ثورة أكتوبر 1917، بما فيهم ستالين الشخصية التي قادت الانتصار التاريخي على الفاشية وأنقذت البشرية من نظام سواد طويل.

سريعا أدركت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وبعض دول الغرب، الخدمة التي يمكن أن يسديها غورباتشوف للنظريات الرامية الى "فكفكة" المنظومة الاشتراكية، فلقبوه تحببا بـ "غوربي"، الذي لم يتأخر كثيرا بعدما وصل الى منصب الرئيس بالسير بالخطوات الأولى، لوضع حجر أساس انهيار نظام عالمي ثنائي القطبية فتح الباب لعالم أحادي القطبية، أسموه انهاء الحرب الباردة.

"التنازلات التاريخية" او "الانهيارات التاريخية" التي أقدم عليها سببت نتائج غالبها جاء في مسار متعاكس مع مسار "الرغبة الغورباتشفية"، بل زادت من تغول النظام الرأسمالي الى الحد الذي أنهك البشرية بأكثر سوءا مما كان، وتسبب في ولادة مآسي لغالبية المكون العالمي، بدلا من أن تكون فرصة تصويب علاقات انتهت باستغلالها لخطف الإنسانية نحو ظلامية مركبة.

"الغورباتشفية" لم تترك أثرا عمليا يمكنها أن تصبح نموذجا إيجابيا، بل أن دروسها أكدت كثيرا مما كان معلوما حول النظام الرأسمالي والإمبريالية العالمية، التي اعتقدت أنها فرصتها لفرض كل ما يمكنها فرضه على البشرية جمعاء، دون احترام.

"الغورباتشوفية" نموذج مؤقت سيبقى في الذاكرة الإنسانية كدرس في التاريخ، ان طريق الإصلاح لن يمر عبر البحث كيف ترضي عدوك وخصمك، فتلك مسألة مصيرها صفري النتيجة، وخراب عام.

"الغورباتشوفية" ربحت أوسمة وجوائز من الغرب، والقابا من كل لون، لكنها خسرت كل ما له صلة بثقة شعوب تناضل من أجل الخلاص من القهر والاستغلال الطبقي بكل مظاهره، والاستعماري القديم المستحدث بمظاهر عصرية، خسارة كرست من الكوارث اضعافا عما كان قبلها.

ولأن لكل تجربة دروس مستفادة، فما حدث مع "غورباتشوف" تماثل مع مسيرة الرئيس محمود عباس عندما بدأت حركة تسويقه دوليا بديلا للخالد المؤسس ياسر عرفات بعد قمة كمب ديفيد 2000، حملة هدفت للخلاص من الزعيم اعتقادا أنهم يضعون حجر أساس للخلاص من مشروع كامل.

في يناير 2005، أنتخب محمود عباس رئيسا للسلطة والمنظمة، وقبلها لحركة فتح، ووجد ترحابا يمكن وصفه بـ "الهستيري" فرحا، لم يحظ به أي رئيس عربي ويبدو أنه لن يكون، وفي الكيان سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه الإرهابي الفاشي أريك شارون، باعتبارالانتخاب "حدث تاريخي"، قول عكس "الحقد التاريخي" على الزعيم الشهيد أكثر منه ترحيبا بالرئيس الجديد.

ولكن، بدون عودة لكل مراحل الأحداث من سنة انتخاب الرئيس عباس حتى ساعته، ماذا قدمت له كل الدول والحكومات التي احتفت به كما لم تحتف بغيره، وهل واقع الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية، من كل زواياها، السياسية والحياتية، بات أفضل حالا، ام بات كارثيا أكبر...

هل قدم الاحتفاء "التاريخي" بانتخاب الرئيس عباس شيئا يمكن الاعتداد به يوما، ليقال إن مثل ذلك "الاعتدال" الذي حاول "أبو مازن" تقديمه بطريقته، خلافا لما كان في زمن الخالد أن يأتي بثمرة واحدة يضعها رصيدا في المسار الوطني العام.

هل "غلاسنوست" عباس أدت لان تقوم دولة الكيان بأي خطوة تنفيذية لاتفاقات موقعة منذ عام 1993..بعدما تم الخلاص مما اسموه العقبة التي اختبئوا خلفها.

هل "بريسترويكا" عباس ساهمت في دفع الإدارة الأمريكية على تنفيذ وعد بوش الابن يونيو 2002، بالذهاب الى ما اسماه "حل الدولتين" شرط وجود "قيادة فلسطينية" ليست أبو عمار...وكان لهم ما رغبوا...وبعد عشرين عاما ونصف أين هو ذلك الوعد.

هل أدت "سلمية" الرئيس عباس بأن يقف المشروع التهويدي عن تغوله التاريخي في أرض دولة فلسطين، وفقا لقرار الأمم المتحدة 2012، ومعه مصير الاستيطان، وحال القدس.

هل أدت الطريقة العباسية في اختيار شكل المواجهة مع الكيان لتعزيز الوحدة الداخلية، وترابط الضفة بقطاع غزة ترسيخا للكيانية الأولى التي وضع حجر أساسها مايو 1994.

كثيرة هي الـ "هل" التي تستحق ان تقال، ولكن الأهم فيها هل سيعيد الرئيس عباس قراءة المسار ضمن مراجعة حقيقية لكل ما حدث، بحثا عن ترضية تعاكست مع رغبة الشعب، لتصويب "خطيئة تاريخية" أدت الى كوارث تاريخية...

الدرس الأول بعد رحيل صاحب "الغورباتشوفية"، فلسطينيا ان يخرج الرئيس عباس منها الى غير رجعة، ويتجه الى إعادة بناء "برويسترويكا" وطنية حقيقية نحو إعلان دولة فلسطين فوق أرضها الممكنة تاريخيا، ليصبح حقا رئيسا تاريخيا باحتفاء الشعب وليس باحتفاء العدو والغرب.

والدرس الثاني، أن يذهب الرئيس عباس الى حركة انفتاح "غلاسنوست" على الداخل الوطني لترميم الكيانية، والمنظمة وقبلهما حركة فتح.

ملاحظة: حرب أمريكا على حق فلسطين نيل العضوية كاملة في الأمم المتحدة فرصة للتحدي الوطني العام...أي ارتعاش أمامها يعني نهاية المشروع الوطني.. وبعدها سيغني الشعب الفلسطيني مع حكيم "السلام عليكو"!

تنويه خاص: "الطالبانية" تنتعش في قطاع غزة بسبب الجبن الفصائلي ومؤسسات المجتمع المدني، وخوف شعبي من ارهاب الحكومة الإخوانجية..أقوال قيادي حمساوي ضد مسيحي غزة إشارة سوداء لمصير ينتظر الجبناء!