في ذكرى تاريخيّ فتح

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم:نبيل عمرو

 

 

منذ انتقلت حركة فتح من ‏مرحلة العمل السري الى ‏مرحلة العمل العلني المباشر ‏وكان اوضح اعلان عن ‏قيادتها الاولى ما تلا حرب ‏السادس من حزيران 1967، ‏واهم حدث في تلك الحقبة ‏كان معركة الكرامة.‏


اجمع التاريخيون المؤسسون ‏على تسمية ياسر عرفات ابو ‏عمار ناطقا رسميا باسم ‏الحركة، وفيما بعد قائدا ‏للثورة الفلسطينية واطارها ‏السياسي والتمثيلي منظمة ‏التحرير.‏


الاجماع على الرجل كان ‏نتيجة اقتناع بخصائصه ‏القيادية التي تتناسب مع ‏الاحتياجات الاساسية لحركة ‏ثورية ناشئة ، تتصدى لمهمة ‏كبرى ولكنها في غاية ‏الصعوبة والتعقيد، ذلك ان ‏ثورة مسلحة تنطلق من قلب ‏الشرق الاوسط وعلى حافة ‏ابار النفط، ومن جغرافية ‏نظم عربية تقليدية وداخل ‏شبكة تقاطعات اقليمية ‏ودولية، تنظر قواها بريبة ‏وحذر وعداء لفكرة ثورة ‏شعبية مسلحة، كل ذلك املى ‏حاجة الى قائد شديد الذكاء ‏حد الدهاء ودائم الحركة دون ‏توقف لتثبيت وتفعيل ‏وتطوير البؤر المحدودة التي ‏انشئت في بدايات المشروع، ‏كان دائم الحركة سريع ‏المبادرة متفرغا بالمطلق ‏لمهمته، فقد كان مجربا في ‏مرحلة العمل السري التي ‏اداها بنجاح.‏


كان واحدا من كوكبة انتدبها ‏التاريخ لاطلاق ثورة يتقدمهم ‏شريك الفكرة والتأسيس خليل ‏الوزير ابو جهاد، الذي يشبه ‏توأمه عرفات بالدأب والعمل ‏المتواصل، الا انه كان ‏يختلف عنه بالزهد، لم يكن ‏ابو جهاد مهتما بالشهرة ‏وتقلد المناصب، فكل ما كان ‏يستحوذ على اهتمامه هو ‏العمل وبناء الصلات مع كل ‏من لديه القدرة على مساعدة ‏الثورة ورفدها بالامكانيات، ‏كان صديق كل الثوار في كل ‏مكان على وجه الأرض ‏وكان يتعامل معهم كما لو ‏انهم فرع من فروع ثورته او ‏هو فرع لهم، كان أبو جهاد ‏لائقا بما وصف به مزارع ‏فتح والثورة الذي يهتم بكل ‏ما يوفر الغذاء للحلم الذي ‏استوطن خياله وحياته العودة ‏فقد كان لاجئا.‏


وثالث التاريخيين المؤسسين ‏كان الرجل متعدد المواهب ‏التي حلت ذكرى ولادته هذه ‏الأيام.. صلاح خلف أبو ‏اياد، كان قطبا إيجابيا ليس ‏في فتح حيث الداهية وقوي ‏الحضور ياسر عرفات، بل ‏في الثورة الفلسطينية بكل ‏مكوناتها، كان بارعا في ‏استقطاب من يوصفون ‏بالمؤلفة قلوبهم سواء كانوا ‏فلسطينيين او عربا، وكان ‏الملاذ لكل من يختلف مع ‏ياسر عرفات او عليه، وكان ‏هو شخصيا كثير الاختلاف ‏مع عرفات الا انه كان كذلك ‏سريع الاتفاق معه.‏


كان عبقريا في فهم حدوده ‏حين يتفق او يختلف فهو ‏حالة قائمة بذاتها، في ‏القضايا الصعبة وشديدة ‏التعقيد كان هو المتحدث ‏باسم فتح في المجالس ‏الوطنية وفي المجالات التي ‏تحتاج الى مبادرات جريئة ‏وشجاعة، كان خطيبا عميق ‏الصوت بليغ الجملة قوي ‏التأثير، كان الأكثر فاعلية ‏في ترويض النمور المنفلتة ‏اذ كانت هيبته تكفي لاحتواء ‏كل من يتحدث معه ومن ‏غير أبو اياد ملك القدرة على ‏تسويق شعار الأرض مقابل ‏السلام حتى عند اشد ‏المعترضين عليه.‏


التركيبة التاريخية كانت ‏تكتمل برجل الفكر والثقافة ‏الرفيعة والتجربة السياسية ‏الغنية، خالد الحسن أبو ‏السعيد، الذي اعطى حركة ‏فتح المقاتلة والفدائية ‏والمجازفة والتلقائية واحيانا ‏الفوضوية كما اعطى الثورة ‏الفلسطينية كلها المحتوى ‏الثقافي الراقي والمقنع، كان ‏مبهرا بمنطقه وسعة اطلاعه ‏ومواكبته لاحداث العالم ‏وفهمه لخلفياتها ومآلاتها، بدأ ‏إسلاميا في مدرسة حزب ‏التحرير، وحين استبد به الهم ‏الفلسطيني هم التشرد ‏واللجوء والاجابة عن سؤال ‏ما العمل، كان بديهيا ان ‏يتخلى عن كل ما سبق ‏لاعتناق فكرته وفكرة ‏زملائه المؤسسين ولا مغالاة ‏في وصفه عملاق الفكر ‏والسياسية في فتح وفلسطين.‏

هؤلاء قضوا جميعا وهم ‏على طريق الحلم واخرهم ‏عميدهم وواسطة عقدهم ‏ياسر عرفات الذي لم تنته ‏حكاية مقتله ولن تنتهي.‏