"أبناء ينتظرون آبائهم، زوجات ينتظرن أزواجهم، أمهات ينتظرون آبناهم"، هذا هو حال أهالي شهداء الشعب الفلسطيني المحتجزة جثاميهم لدى الاحتلال الإسرائيلي؛ في جريمة عقاب جماعي على نضالهم ومقاومتهم التي كفلها القانون الدولي ضد آخر احتلال استيطاني إحلالي على وجه المعمورة.
تحرك موسمي، سواءً شعبيًا أو رسميًا في تحريك الملف؛ بالحديث عن زيارة عداد أرقام الشهداء المحتجزة جثاميهم سواء في مقابر الأرقام أو الثلاجات؛ لتبقى المعركة للعائلة فقط دون أيّ إسناد حقيقي يؤدي إلى إنهاء معاناة تلك العائلات.
غياب الملف عن طاولة الإجماع الوطني، يطرح تساؤلات عن أسباب هذا العجز والترهل في إداراته وكيفية إغلاقه لتخفيف حالة الوجع اللامتناهية لهذه العائلات التي يتلخص أقصى طموحها، بإغلاق قبور أبنائهم المفتوحة؛ كي يتمكنوا من زيارتهم يوميًا.
102 محتجزاً ما بين الثلاجات ومقابر الأرقام
بدوره، أكّد المحامي محمد عليان، والد الشهيد المحتجز جثمانه مُنذ 13 أكتوبر 2016، بهاء عليان، والناشط في ملف استعادة جثامين الشهداء المحتجزة، على أنَّ الاحتلال الإسرائيلي لا زال يحتجز، جثمان 102 شهيداً في مقابر الأرقام والثلاجات مُنذ 2015 ولغاية اليوم، من بينهم جثامين 8 أسرى اُستشهدوا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم في الثلاجات والبعض الآخر تم نقله إلى مقابر الأرقام.
وقال عليان، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ عدم معرفة أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال من هو الشهيد الذي لا زال جثمانه داخل الثلاجات ومن قام الاحتلال بدفنه في مقابر الأرقام"، مُؤكّداً في ذات الوقت على أنَّ الاحتلال لا يُبلغ أهالي الشهداء بمكان احتجازها.
وأضاف: "تلقينا بلاغاً من المحكمة الإسرائيلية بدفن جثامين أربعة شهداء في مقابر الأرقام، وهم عبد الحميد أبو سرور، ومحمد الطرايرة، ومحمد الفقيه، ورامي عوض"، مُردفاً: "من المؤكد أنَّ هؤلاء الشهداء في مقابر الأرقام؛ لكِن هناك عدد آخر من الشهداء المحتجزين الذين تم نقلهم دون معرفة عددهم وأسمائهم".
أوجاع مستمرة
واستعرض أهم المشاكل والأوجاع التي يُعاني منها ذوي الأسرى المحتجزة جثاميهم، بالقول: "إنَّ عائلات الشهداء لم تتلقى حتى الآن أيّ وثيقة أو خبر يؤكد استشهاد الابن، ففي حالة اختطاف الجثمان لا تعلم العائلة إذا كان ابنها هو الشهيد أو أصيب وتم اعتقاله وإخفاء أي أنباء عنه".
وأكمل: "إنَّ الكثير من العائلات لم تتيقن من واقعة استشهاد ابنها، فلا يوجد أيّ معلومات سواء عن طريق الشرطة أو الجيش أو الارتباط تُفيد بمصير ابنها"، مُشيراً إلى محاولات إدخال ممثلين دوليين والصليب الأحمر ومؤسسات دولية؛ لمعرفة مصير أبنائهم إنّ كانوا على قيد الحياة من عدمه، لكِن الاحتلال يرفض معاينة الشهداء والاطلاع على المعلومات من أيّ جهة كانت.
وتابع: "لدى عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم، مخاوف بعبث الاحتلال بجثامين أبنائهم مثل التشريح وسرقة الأعضاء وتشويه الوجه واقتلاع القرنية"، مُضيفاً: "عائلات الشهداء لا تملك أيضاً الوثائق التي تُثبت واقعة الاستشهاد للحصول على شهادة وفاة وعمل حصر إرث كما تتطلبها بعض المعاملات في البنوك والمؤسسات".
وجاء في حديثه: "يوجد شهداء محتجزة جثامينهم منذ سبع سنوات، ولا تملك عوائلهم أيّ وثيقة تُمكنهم من التوجه للمحكمة الشرعية لعمل حصر إرث واستكمال المعلومات؛ كما أنَّ السطة الفلسطينية تقول إنّها لا تستطيع إصدار ورقة والتحقق من الوفاة دون رؤية الجثمان، وإذا كان الجثمان محتجزاً والاحتلال يرفض تسليم أيّ وثائق بالخصوص؛ يبقى الأهل عاجزين عن التصرف في معاملاتهم".
واستدرك: "احتجاز الجثامين وجع يومي لا ينتهي، ودائرة الحزن لا تُغلق عند العائلة، إلا بعد دفنهم في قبور تزورها العائلات يوميًا"، مُتابعاً: "نقول بثقة إنَّ هذه المعركة تخضوها العائلات بمفردها، وإذا كان هناك إسناد يكون ضعيف ومتراخي ولا يرتقي إلى مستوى الملف سواء كان سياسيًا أو قانونيًا أو شعبيًا".
إغلاق الملف بإلحاق الخسارة بالاحتلال
وبالحديث عن المطلوب لإغلاق ملف احتجاز جثامين الشهداء، شدّد عليان، على ضرورة وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة هذه القضية، وعدم تركها لعائلة الشهيد فقط، مُردفاً: "إذا رأى الاحتلال ردة فعل تُلحق به الخسارة، سيتوقف عن هذه الأفعال، لكِننا حتى اللحظة صامتين أمام هذه الخطوة".
واستطرد: "الشهيد بهاء عليان، على سبيل المثال ليس ابناً لمحمد عليان، بل ابناً لكل الشعب الفلسطيني والمعركة من أجل استعادة جثمانه هي معركة الكل الوطني"، داعياً إلى تكليف فريق قانوني مُوحد في الضفة الغربية وغزّة لمتابعة هذا الملف.
وأضاف: "عندما أتحدث مع جهات دولية بعد ثماني سنوات من النضال، يتم إبلاغي عدم علمهم بوجود جثامين محتجزة في الثلاجات، ما يستدعي تشكيل فريق قانوني وطني برواية واحدة لمواجهة الأمر".
وختم عليان حديثه، بالقول: "في حال وضع ملف جثامين الشهداء المحتجزة على الطاولة؛ سيُصبح مهماً وطنياً يُجبر الاحتلال على الإفراج عنهم، وأنّ يمتنع عن احتجاز المزيد من الشهداء في الأيام القادمة؛ لأنّه لو شعر بخسارة اقتصادية سياسية دولية إعلامية سيتراجع عن هذه الإجراءات؛ وما نقوم به فقط هو عد الأرقام دون القيام بخطوات حقيقية".