هارتس : كيف تدهور «الليكود» إلى هذا الحضيض؟

حجم الخط

بقلم: يحيعام فايس



في السنوات الكثيرة التي أمسك فيها بنيامين نتنياهو زمام الحكم في الدولة وفي حزبه "الليكود" كان على استعداد، دون تردد، للتدخل في الشؤون الداخلية للاحزاب الاخرى. فقد تدخل في العالم الداخلي، بشكل فظ، من اجل ثلاثة اهداف مقدسة بالنسبة له وهي الوصول إلى الحكم والبقاء على كرسي السلطة وتحسين صورة حكمه. لا يمكن ايجاد مثال لرئيس حكومة إسرائيلي آخر، باستثناء نتنياهو، تصرف بهذه الصورة.
هناك امثلة كثيرة على تدخله في احزاب غير حزبه. في 2011 في ولايته الأولى، وفي ولايته الثانية، رئيسا للحكومة، تسبب نتنياهو بانقسام حزب العمل عندما انشق خمسة أعضاء كنيست من قائمة حزب العمل برئاسة وزير الدفاع، ايهود باراك، الذي كان له علاقة وثيقة في حينه مع نتنياهو، واقاموا حزبا جديدا باسم "الاستقلال".
عمليا أقام باراك ونتنياهو هذا الحزب في محادثات على البركة التي توجد في ضيعة الاخير في قيساريا. انضم حزب الاستقلال لحكومة نتنياهو، وفي المقابل حصل منه على ثمن ضخم، 4 من 5 اعضاء في قائمة الحزب أصبحوا وزراء في حكومته، ما مكن نتنياهو من البقاء رئيسا للحكومة حتى انتهاء فترة الكنيست الثامنة عشرة في بداية 2018.
بعد سنتين تقريبا على تشكيل الحزب الجديد قام ايهود باراك بحله بعد أن تبين أنه لا توجد له أي فرصة لاجتياز نسبة الحسم في انتخابات الكنيست التاسعة عشرة، التي اجريت في كانون الثاني 2013. أنهى هذا الفصل القصير لحزب الاستقلال الحياة السياسية لجميع الاعضاء فيه باستثناء متان فلنائي الذي نجح في الهرب إلى بكين سفيرا لإسرائيل في الصين. الجملة المعروفة "الزنجي فعل ما يريد لذلك هو يستطيع الذهاب" ميزت علاقة نتنياهو مع هذا الحزب وفي امور كثيرة اخرى مثل علاقة "استخدم وارم".
في الولاية ذاتها بذل نتنياهو كل ما في استطاعته لحل حزب كديما الذي كان يشكل تهديدا حقيقيا بالنسبة له؛ لأنه كان اكبر من حيث عدد المقاعد من حزبه الليكود (في انتخابات 2009 حصل "كديما" على 28 مقعدا وحصل "الليكود" على 27 مقعدا). في ايار 2012 عرض نتنياهو على شاؤول موفاز، رئيس الحزب الذي كان في المعارضة، الانضمام للحكومة وقام بتعيينه نائبا لرئيس الحكومة، وهو منصب رفيع لكنه فارغ كليا ودون صلاحيات ومسؤوليات.
في تموز2012، بعد شهرين ونصف، استقال موفاز باغلاق قوي للباب خلفه وبغضب. وعده نتنياهو بتغيير طريقة الحكم والمصادقة على قانون طال الذي يتناول مسألة تأجيل الخدمة العسكرية لابناء المدارس الدينية وتقاسم العبء، الذي كانت صلاحيته ستنتهي في آب 2012. كالعادة، لم يقصد نتنياهو أبدا الوفاء بوعده لأنه بالنسبة له الاساس هو بقاؤه السياسي. القرارات التي من شأنها أن تغير الواقع وسن قوانين اساس، هي أمور هامشية بالنسبة له.
كتب موفاز المخدوع في كتابه "رحلتي الإسرائيلية": "استمر وجودنا في ائتلاف نتنياهو سبعين يوما فقط الى أن ادركت بشكل نهائي أن مكاننا ليس هناك" (صفحة 384). من وجود موفاز لفترة قصيرة في الحكومة وحتى حل حزب كديما كانت الطريق قصيرة جدا. خلال بضع سنوات تحول "كديما" من حزب سلطة إلى حزب مختف.
هكذا نجح نتنياهو في حل حزبين في اقل من سنتين. من هذه الناحية هو جدير بأن يدخل موسوعة غنيس للارقام القياسية. قبل سنتين تقريبا، في 2020، قام نتنياهو باغراء بني غانتس بحل شراكته السياسية مع يئير لابيد والانضمام إلى حكومة تناوب وهمية. فور تشكيل هذه الحكومة تبين لغانتس أنه كان ضحية لاعمال تحايل وخداع لنتنياهو مثل شاؤول موفاز. تبين أن رؤساء الاركان ايضا يمكنهم السقوط في شرك المحتال الكبير.
الآن يواصل نتنياهو كالعادة التدخل في سلوك الاحزاب من اجل العودة إلى الحكم، وهي خطوة من شأنها أن تمكنه من الهرب من رعب المحاكمة. نجح نتنياهو في أن يوحد حزبين عنصريين عندما قام شخصيا باستدعاء رؤسائهما، ايتمار بن غبير وبتسلئيل سموتريتش، إلى حصنه في قيساريا، الذي هو نوع من البديل لحصن بلفور. هكذا يعطيهما نتنياهو بعدا آخر من الشرعية.
لكنّ هناك فرقا جوهريا بين سلوكه في السابق وبين سلوكه الآن. يلعب نتنياهو بالنار عندما يتدخل في شؤون حزب متطرف، هو ورؤساؤه يوجدون على هامش هوامش الساحة السياسية. قبل انتخاب بن غبير للكنيست، أي قبل سنة تقريبا في 2021، اعتبروا انضمامه لمجلس النواب الإسرائيلي فكرة خيالية وهذيانا. واعتبروه شخصا يمكن أن يدنس المجتمع الإسرائيلي. نتنياهو هو الذي قام بنقل بن غبير من الهامش الى الطريق السوي من خلال اعتبارات غريبة وصغيرة. خلال سنة تحول بن غبير من ازعر بائس الى سياسي شرعي. والآن هو يمكنه أن يعلق على حائط الصالون في بيته صورة نتنياهو، ربما بدلا من صورة القاتل الدكتور باروخ غولدشتاين. صورة تحدث عنها بن غبير نفسه بتفاخر علني.
يعرف أعضاء قائمة "الليكود" جيداً أنه اذا عاد نتنياهو الى الحكم فسيحول بن غبير إلى شخصية مركزية في حكومته، لكن لا أحد في هذا الحزب الذي تحول إلى دير للرهبان الصامتين صرخ. ولم يحتج أي منهم على الحلف غير المقدس بين ورثة مناحيم بيغن واسحق شامير وموشيه آرنس وبين ورثة مئير كهانا.
أقوم بالبحث في حركة التنقيحيين لسنوات كثيرة، وقد تعلمت أن أحترم هذه الحركة ورؤساءها ومبادئها. ازاء هذا الوضع أسأل بقلق كبير: كيف تدهور حزب كان حزب الفخامة إلى هذا الحضيض العميق.

عن "هآرتس"